إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / سورية من الاستقلال إلى حافظ الأسد




هاشم الأتاسي
أديب الشيشيكلي
أكرم الحوراني
جميل مردم
خالد العظم
حافظ الأسد
حسني الزعيم
سامي الحناوي
صبري العسلي
شكري القوتلي
سعد الله الجابري
فارس الخوري





سورية من عصر الإستقلال والإنقلابات

المبحث العاشر: الأزمات السياسية

لم يكن شق السياسة الخارجية في سورية أسعد حظاً من شق السياسة الداخلية. فقد أثرت  المتغيرات المتوالية في خط السياسة الخارجية السورية، ما بين هابط وصاعد. وفي كلّ الأوقات، تمكنت سورية من تخطي الأزمة، من دون النظر إلى مسارها المستقبلي، الذي طالما ارتد على القدرة السياسية السورية نفسها.

يسهم الموقع الجغرافي لسورية بدور مهم في تحديد اهتمامات سياستها الخارجية، إذ يُعَدّ مسؤولاً عن عدد من قضايا تلك السياسة؛ على الرغم من أن معظمها، لا تندرج تحت البند الشائع: "الصراع على الحدود. إنها قضايا نابعة، في الأساس، من عوامل جغرافية، مثل منابع المياه؛، وقضايا عقائدية، مثل تنافس جناحَي حزب البعث: العراقي والسوري؛ وقضايا أخرى، تتعلق بدرجة النفوذ والهيمنة وتوازن القوى في المنطقة، ومدى تنافس الأطراف الفاعلة في الإقليم، الذي عُرف، يوماً، باسم: الهلال الخصيب، وتحتل سورية فيه موقع القلب، بين عدد من دول الجوار المختلفة قوة ومصالح وتجانساً سياسياً.

وطالما كانت سورية، في كثير من الأحيان، هي نفسها صانعة الأزمة الخارجية، من أجل التغطية على أزمات داخلية، أو توحيد قوي الشعب ضد عدوّ خارجي؛، أو الاستفادة المطلقة، وتحقيق أهداف، رسمتها سياسات سورية سابقة ( كما حدث في لبنان – أو مصادمة حزب البعث العراقي).

كذلك كانت سورية، في كثير من الأحوال، تقف مواقف سلبية من إسرائيل، التي تمثل مصدر التهديد الأول في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى استمرار احتلال الجولان، منذ عام 1967، ونجاح إسرائيل في تغيير ديموجرافية الإقليم تماماً؛ وأصبحت قضية استعادة الجولان، تسير بخطى بطيئة جداً، في بعض الأحيان، وتتوقف تماماً، في سائر الأحيان.

ومن ثَم، يمكن الحكم بأن السياسة السورية، كانت تتعمد الإفصاح عن نفسها، بأنها ذات تأثير إقليمي، من خلال افتعال أزمة، تؤثر إستراتيجياً في المنطقة، وتتصاعد لفترة، ثم لا تلبث أن تخبو. كذلك كانت تتبنى، باستمرار، خط المعارضة لتوجهات السلام أو التقارب مع الغرب؛ كي تثبت أنها دولة مؤثرة في المنطقة، لا يمكن تحقيق سلام شامل فيها، إلا بقرار منها.

أولاً: اتخاذ القرار في السياسة الخارجية السورية

1. انفرد الرئيس حافظ الأسد في اتخاذ القرارات، المتعلقة بالسياسة الخارجية، مع الاستعانة بوزارة الخارجية، التي يرأسها فاروق الشرع، وهو أحد أكثر المقربين من الأسد.

2. تشترك بعض الأجهزة الأمنية في صياغة القرار السياسي، وخاصة في الموضوعات، التي لها جذور عسكرية أو أمنية.

3. يؤدي المقربون من الرئيس دوراً أساسياً في توجيه السياسة الخارجية. وهو يستشيرهم، باستمرار، في معظم القرارات السياسية.

4. إذا كانت القرارات السياسية، يدخل فيها أيّ عامل عسكري أو أمني، فلا بد من اشتراك الأجهزة العسكرية، ممثلة في الاستخبارات العسكرية، والاستخبارات الجوية[1]؛ إضافة إلى الاستخبارات العامة (وهي الأقل أهمية وسلطة). وفي بعـض الأحيان، إذا كان القرار يتعلق بأشخاص، فإن الأمن السياسي، التابع لوزارة الداخلية، يكون له دور في صياغته.

ثانياً: أزمة العلاقات السورية – العربية

شهدت العلاقات العربية - السورية كثيراً من الأزمات، في عهد الرئيس الأسد، كانت أهمها مع مصر، وأشدها خطراً التدخل في لبنان. كما كان هناك شق عقائدي، تمثل في الأزمات العراقية - السورية، التي تراوحت بين السخونة والجمود.

1. أزمة العلاقات السورية ـ المصرية

على الرغم من أن حرب أكتوبر 1973، عُدّت قمة التنسيق السوري – المصري؛ إلا أنه في خلال مرحلة إدارة الحرب، طفا على السطح كثير من الاختلافات، وخصوصاً في مسائل إيقاف النيران. إذ حاول الاتحاد السوفيتي دفع مصر إلى هذا الإيقاف، مع بداية الحرب، من منطلق تنسيق سابق لذلك مع سورية. ولما قررت القاهرة إيقاف النيران، في 22 أكتوبر، كان هناك اعتراض سوري؛ ثم وافقت عليه دمشق في 23 أكتوبر.

وفي أعقاب الحرب، ظهرت اختلافات حادة في أُسُس توظيف نتائج الحرب وطريقته. فارتأت مصر التوجه نحو التسوية، وإقامة السلام العادل، من منطلق أن إسرائيل، أصبحت واقعاً، لا يمكن تدميره أو "إلقاؤه في البحر". ورأت سورية استمرار حالة الحرب، للقضاء على إسرائيل؛ وعدم التوجه نحو السلام.

أ. التوتر نتيجة توقيع اتفاقية فض الاشتباك الثاني

كانت أهم الاختلافات العلنية بين الدولتَين، هي تلك التي اشتعلت عند توقيع مصر الاتفاقية الثانية لفصل القوات، في الأول من سبتمبر 1975؛ إذ شنعت سورية، بتحريض من الاتحاد السوفيتي، على مصر سياستها، وشنت عليها حملة إعلامية شرساء. وكان السبب الرئيسي للتحريض السوفيتي، هو التوجه المصري نحو موازنة العلاقات بالكتلتَين العظمَيين؛ بما يعني أن الاتحاد السوفيتي، فَقَدَ كونه حليفاً إستراتيجياً رئيسياً، وصديقاً وحيداً للعرب.

وقد دأبت سورية على رفض أيّ إجراء، تدعو إليه مصر، أو توافق عليه، مثل: قرار رفع حظر النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ وعقد المؤتمر الدولي للسلام، في جنيف، الذي دعت إليه، في ديسمبر 1973، كلّ من مصر وأمريكا.

ب. التوتر نتيجة تدخّل سورية في شؤون لبنان

عندما تدخلت سورية في لبنان، في مايو 1976، عارضت مصر بشدة، في البداية، هذا التدخل. ثم بدا لها أن توظفه في تقليل الانتقاد السوري لاتفاقية فض الاشتباك الثاني، فقبلت الوجود السوري في لبنان، تحت اسم "قوة الردع العربية". وأعلنت ذلك، صراحة، في مؤتمر القمة العربي الثامن، الذي عقد في القاهرة، في 25 و26 أكتوبر 1976 (آخر مؤتمر، تحضره مصر، قبل المقاطعة العربية لها).

ج. القطيعة بين مصر وسورية

وصلت قمة الأزمة المصرية - السورية، عند إعلان الرئيس السادات زيارته إلى القدس، في نوفمبر 1977؛ حتى إن هناك أصواتاً، طالبت بالقبض عليه، أثناء وجوده في سورية، للتفاهم مع الرئيس الأسد، قبل الزيارة.

وكانت سورية في مقدمة الدول العربية، التي تزعمت صدور قرار عن مجلس الجامعة العربية، الذي عقد في بغداد، في نوفمبر 1978، ويقضي بمقاطعة مصر. بل رأت دمشق، في بعض الأحيان، أن الدول العربية، التي تحاول إعادة الاتصال بمصر، مثل: الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، هي دول يجب الوقوف ضدها بحزم، وعزلها هي كذلك عربياً. وفي خلال هذه المرحلة، كانت مصر حريصة على إجراء اتصالات مع سورية، بطرق شتى، وإن لم تأخذ الصفة العلنية.

د. عودة العلاقات بين مصر وسورية

كان التحول الرئيسي في الموقف السوري، عندما أنشأت مصر والعراق واليمن والأردن، في فبراير 1989، "مجلس التعاون العربي"؛ إذ عملت دمشق على تحسين العلاقات، حتى عادت، في 27 ديسمبر1989، إلى طبيعتها كاملة. وهناك توافق مصري - سوري واجتماعات مستمرة بين رئيسَي البلدَين، كلّ ثلاثة أشهر تقريباً؛ بيد أن توافقهما على القضايا السياسية للمنطقة، لم يصل إلى نقطة الاتفاق الملائمة؛ وكذلك تعاونهما الاقتصادي.

2. أزمات العلاقات السورية – العراقية

اتسمت العلاقات بين العراق وسورية بخصوصية شديدة؛ نظراً إلى البُعد الجغرافي؛ والبُعد الأيديولوجي، الذي يجمع بين البلدَين والمتمثل في فكر حزب البعث وفلسفته. ويضاف إلى هذَين البعدَين بعد ثالث، وهو الصراع الذي نشأ بين رئيسَي الدولتَين على زعامة المنطقة، وبخاصة بعد انقلاب نوفمبر1970 في سورية، وتولِّي الرئيس الأسد زمام الأمور، وهروب بعض القيادات البعثية السورية إلى بغداد، التي راحت تشيع تشكيكها في ولاء الرئيس السوري، والنخبة الحاكمة في دمشق، لأفكار حزب البعث.

أ. الانفراج والتوتر، خلال حرب أكتوبر

منذ أوائل عام 1971 (وبعد تولِّي الرئيس الأسد السلطة في سورية)، كان التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات بين دمشق وبغداد؛ إلا أنه تضاءل في المرحلة، التي واكبت حرب أكتوبر؛ نظراً إلى المشاركة العراقية العسكرية، على الجبهة السورية.

ولم تلبث الأمور أن تحولت إلى التشكيك والمواجهة: السياسية والإعلامية، عقب قبول سورية قرار مجلس الأمن إيقاف النيران، الصادر في 22 أكتوبر 1973، وانضمامها إلى مصر في قبول الوساطة الأمريكية، التي أدت إلى توقيع فض الاشتباك، في الأول من يونيه 1974، في هضبة الجولان.

وقد وجد النظام العراقي في موقف البعث السوري متنفساً لحزازات صدره، فشن أعنف هجوم على سورية، والنُظم العربية، التي تقبل مبدأ التسوية السلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي.

ب. التوتر نتيجة دخول القوات السورية لبنان

وصلت الأزمة بين سورية والعراق قمتها، عقب دخول القوات السورية إلى لبنان. إذ رأت بغداد أن هذا التطور من شأنه أن يزيد من فاعلية الدور السوري في المنطقة العربية، ويزيد من مكانة الجناح السوري في حزب البعث؛ ما يسهّل على سورية تزعّم الحزب، ويقلص الدور العراقي.     وكذلك اتخذ العراق موقفاً متشدداً جداً من التدخل العسكري السوري في لبنان. وطالب بطرد سورية من الجامعة العربية؛ كي لا يصبح التدخل السوري شرعة في التعاملات العربية – العربية.

كما حشد، في الوقت عينه، بحشد قواته على الحدود مع سورية؛ إلا أنه وافق على قرار القمة المصغرة، التي عقدت في الرياض، إنشاء " قوة الردع العربية"، بغرض تحقيق السلام في لبنان. ولكن استمرت القطيعة بين البلدَين. استمرا يتبادلان الحملات الإعلامية، حتى نهاية عام 1977.

ج. تقارب الدولتَين، لمواجهة مبادرة السلام المصرية

مع إعلان المبادرة المصرية للسلام، بدأ التقارب السوري- العراقي، من أجل تكوين جبهة للتصدي لهذه المبادرة؛ ازداد على أثر توقيع وثيقتَي "كامب ديفيد"، في 17سبتمبر 1978، واتخذ شكل مصالحة سورية – عراقية. وهكذا ساعدت المبادرة المصرية على تحوُّل في توجهات كِلا النظامَين؛ بل دفعتهما إلى التعاون المشترك، وإحياء جبهة الصمود والتصدي[2]، وتوقيع " ميثاق العمل العربي المشترك"، في بغداد، في أكتوبر 1978، الذي نص على السعي إلى الوحدة الكاملة بين البلدَين.

وبعدها، أخذ العراق يخفف من انتقاداته للدور السوري في لبنان، على أساس أن التطور اللاحق في الصراع العربي- الإسرائيلي له الأولوية فـي العمل المشترك، وفـي التنسيق مـن أجل مواجهة تداعياته السلبية على الأوضاع العربية.

د. تجدد الأزمة بين الدولتَين

في 16يوليه 1979، قدم الرئيس العراقي، أحمد حسن البكر، استقالته من جميع مناصبه: القيادية والحزبية. وانتخب صدام حسين، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، رئيساً للعراق. وأعقب ذلك كشف الرئيس الجديد عن مؤامرة انقلاب، خططت في سورية، وقادها خمسة من أعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للبعث العراقي؛ واتهم بتدبيره النظام السوري، وحزب البعث في سورية. وقد أدى هذا الأمر إلى اشتعال المواجهة: السياسية والإعلامية، بين البلدين.

هـ. التوتر في أعقاب اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية

مع اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، في22 سبتمبر1980، خيم التوتر من جديد على العلاقات السورية- العراقية. إذ عارضت سورية الحرب. ورأت أن العراق مسؤول عن تدهور الأوضاع العربية، بشنه الحرب على بلد، يمكن أن يكون رِدْفاً للقدرة العربية.

وقد استهدفت سورية تقوية مكانتها في التعامل مع دول الخليج، وتحقيق استفادة كاملة من كونها طرفاً محايداً، يتمتع بقدرة على الاضطلاع بدور الوساطة، لإبعاد إيران عن التدخل في دول الخليج، من جانب؛ ومن جانب آخر، فإن دمشق أرادت أن تستفيد أكبر استفادة من المساعدات الاقتصادية، التي تحصل عليها من إيران (ولو على حساب العراق).

وفي المقابل، فقد تزايد رفض العراق للدور السوري في لبنان, ولجأ إلى إجراءات "الحرب الخفية" أو "الحرب بالوكالة" على سورية، من خلال دعم عناصر المعارضة السورية، والوقوف إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية المناوئة لدمشق. ولم يتردد في إمداد القوى المارونية في لبنان، الرافضة للوجود السوري، بالسلاح والدعم المادي.

ومنذ توقفت الحرب العراقية - الإيرانية، توجهت السياسة العراقية نحو تأييد حكومة  ميشيل عون العسكرية، المناهضة للحكومة اللبنانية الشرعية والوجود السوري، ليس من الناحية السياسية فقط، وإنما من الناحية العسكرية.

وبلور العراق رؤية، قوامها ضرورة إخراج القوت السورية من لبنان، ثم سائر القوات الأجنبيةح فيترك البلد لأهله. وقد طرح العراق، في القمة العربية الإستثنائية، التي عقدت في المغرب، في الفترة من 23 إلى 26مايو 1989، ورقة عمل، توصي بتكوين قوة عربية عسكرية، تحت علم جامعة الدول العربية؛ تمكن اللبنانيين من تحقيق الأمن، وتهيئة الظروف لإجراء حوار لبناني – لبناني؛ بعد انسحاب القوات السورية، ثم الميليشيات الإيرانية، والقوات الإسرائيلية، من لبنان. إلا أن الرؤية العراقية، لم تجد استجابة عربية كاملة.

و. الأزمة في أعقاب غزو العراق للكويت

عقب غزو العراق للكويت، في 2 أغسطس1990، أعلنت سورية موقفها المعارض للغزو.  ووافقت على قرارات القمة الطارئة، المنعقدة في القاهرة، في 10 أغسطس1990، والمطالبة بانسحاب الغزاة. وانضمت إلى التحالف الدولي على بغداد. وأرسلت فرقة مدرعة إلى الأراضي السعودية، للمشاركة في تحرير الكويت.

ز. انفراج العلاقات في نهاية حكم الرئيس الأسد

ظلت العلاقات السورية - العراقية في توتر كامل، وقطيعة دائمة، حتى عام 1997، حين زار دمشق، في21 نوفمبر 1997، طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء العراقي. وبادرت سورية، في العام نفسه، إلى الاشتراك في المعرض التجاري العراقي. ثم توالت الزيارات المتبادلة. وقد حاول العراق بذلك التقارب الخروج من عزلته وانحصاره، من خلال فتح الحدود السورية- العراقية، وتشغيل خط أنابيب النفط، المار بسورية. وقد استجابت سورية، تدريجاً، لهذا التوجه، في سبيل حصولها على ميزات: تجارية واقتصادية، دعمت بتوقيع اتفاقية على إنشاء منطقة تجارة حرة، عام 2001، بينها وبين العراق.

3. التدخل العسكري السوري في لبنان

ترى سورية أن ما يحدث في لبنان، يمس أمنه الوطني. وقد أثر، سلباً، تدخّلها العسكري في ذلك البلد، في بداية النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين، في علاقاتها الخارجية.

أ. أهداف التدخل السوري العسكري في لبنان

(1) الحفاظ على تعادُل القوى بين الطوائف اللبنانية، بما يحُول دون اختلال÷ الذي يسفر عن غالب ومغلوب، فيحوِّل لبنان إلى ساحة، تهدد الأمن السوري الوطني.

(2) محاولة تقييد حرية إسرائيل في اجتياح أراضي لبنان، التي أسست "ساحة قتال مفتوحة"؛ إذ إن  وجود القوات الإسرائيلية فيه، يتهدد الأمن السوري الوطني.

(3) تحقيق أهداف سورية قديمة، بتكوين سورية الكبرى، التي كان لبنان، قبل تقسيم المنطقة، جزءاً منها.

ولهذا فقد سخرت سورية كلّ إمكانياتها للتدخل العسكري في لبنان، وجعلت منه المجال الحيوي ذا الأسبقية المطلقة؛ كي تمسك بخيوط الأزمة في يدها.

وتدخّل سورية في لبنان، بدأ سياسياً، لدى اشتعال الحرب الأهلية، عام 1975؛ تأييداً للقوى: الوطنية والفلسطينية عل القوات المسيحية المارونية. وقد تمكنت، من خلال المفاوضات بين الأطراف، من صياغة "الوثيقة الدستورية،" في فبراير 1976. إلا أن الجهود السياسية، لم يقدر لها النجاح؛ بل ازدادت المعارك عنفاً بين الطوائف اللبنانية، واستطاعت القوى: اللبنانية التقدمية والفلسطينية، السيطرة على ميادين القتال.

وقد رأت سورية في ذلك تهديداً للتوازن داخل لبنان وبدأت، منذ 9 أبريل 1976، تدفع إليه بقوات عسكرية. ثم قررت التدخل العسكري الشامل، فطلبت من المقاومة الفلسطينية والقوى التقدمية إخلاء جميع الطرق بين البقاع وجنوب بيروت وشرقها. كما حاصرت الشواطئ اللبنانية، لمنع وصول إمدادات إلى القوى: التقدمية والفلسطينية.

وفي 31 مايو 1976، اجتاحت القوات السورية لبنان، فتصدت لها القوات: التقدمية والفلسطينية، التي لم تتمكن من الصمود، منيت بخسائر فادحة. وتمكنت القوات السورية من احتلال سهل البقاع، والمناطق الرئيسية في بيروت، ومناطق الثقل في لبنان.

ب. إيجاد شرعية للوجود السوري في لبنان

في مواجهة التدخل السوري في لبنان، والخسائر التي لحقت بالمقاومة الفلسطينية، عقد في الرياض، في 16 و18 أكتوبر 1976، قمة سداسية، ضمت قادة مصر وسورية والمملكة العربية السعودية ولبنان، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والكويت؛ لبحث الأوضاع في لبنان. وتمخضت بقرار، ينشئ قوة ردع عربية، للسيطرة على الموقف في لبنان، وإطفاء الحرب الأهلية. وتتكون من القوات السورية في لبنان، وقوى عربية أخرى؛ وتتحمل نفقاتها المملكة العربية السعودية. ومن ثَم، فقد اكتسب الوجود السوري في لبنان شرعية عربية، أدت إلى تهدئة الانتقادات الموجهة إلى سورية. وجاء هذا الاعتراف من خلال مؤتمر القمة العربية، الذي عقد في القاهرة، في الفترة من 25 إلى 26 أكتوبر 1976.

استمرت القوات السورية في لبنان، بقوة تراوح بين 30 و40 ألف رجل، طوال فترة حكم الرئيس حافظ الأسد. وتركزت جهودها في حفظ التوازن بين الطوائف اللبنانية، من دون التعرض للقوات الإسرائيلية. وانفردت القوات السورية بالعمل في لبنان"؛ لأن القوات المشاركة في قوة " الردع العربية"، طبقاً لاتفاق الرياض، كانت قوات رمزية،من الإمارات العربية، والمملكة العربية السعودية والسودان"؛ وما لبثت أن انسحبت، تاركة القوات السورية وحدها، التي استمرت حتى بعد اتفاق الطائف، عام 1989، الذي أوقف الحرب اللبنانية الأهلية.

ج. القوات السورية في مواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان

    لم يردع إسرائيل الوجود السوري في لبنان عن الاعتداء عليه بتوجيه ضربات شديدة إليه، ثلاث مرات؛ فضلاً عن عدوانها شبه اليومي على حدوده:

العدوان الأول: في 15 مارس 1978، "حملة الليطاني". وفيها لم تتحرك القوات السورية في مواجهة القوات الإسرائيلية، وبقيت ثابتة في أوضاعها؛ ما حمَّل سورية خسارة أدبية ضخمة. وتعالت صيحات التشكيك في نياتها. كما فقد الرأي العام العربي ثقته بقدرة القوات السورية على مواجهة إسرائيل.

العدوان الثاني: في 6 يونيه 1982، " عملية سلام الجليل". وهي العملية التي اجتاحت فيها إسرائيل الأراضي اللبنانية، وحاصرت بيروت. فيما تجنب سورية أيّ مواجهة مباشرة للقوات الإسرائيلية. وقد فسرت إسرائيل ذلك " بأن سورية تراهن على إيجاد صيغة، تتفق مع إسرائيل حول لبنان؛ بأن تتغاضي عن الوجود الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، في مقابل السماح لسورية بالوجود في البقاع".

العدوان الثالث: "عملية عناقيد الغضب"، في 11-26 أبريل 1996. نُفذت خلالها مذبحة قانا، في 18 أبريل. وفيها لم تحرك القوات السورية ساكناً؛ بل كانت حربها بالوكالة، من خلال دعم ميليشيات حزب الله.

د. التمسك السوري بالوجود العسكري في لبنان

أمسى بقاء القوات السورية في لبنان إستراتيجية تحرص دمشق على تحقيقها. ويقابلها صمت عربي، وعدم اهتمام عالمي؛ على الرغم من انسحاب إسرائيل، في مايو2000، من الجنوب اللبناني.

4. الأزمة بين سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية

حكمت العلاقات السورية – الفلسطينية عوامل شتى، انبثقت من الصراع العربي- الإسرائيلي. وأهمها: استقلال القرار الفلسطيني؛ وأسلوب النضال، المسلح هو أم سياسي. والدور الفلسطيني في القضية اللبنانية؛ والموقف من إعلان الدولة الفلسطينية.

ومن المعروف، أن سورية كانت من أشد المؤيدين، في مؤتمر قمة الرباط، عام 1974، لجعل منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً، للشعب الفلسطيني؛ وإحباط السعي الأردني إلى المشاركة في تمثيل الشعب الفلسطيني.

إلا أن هذا التأييد انهار، نتيجة الدور السوري في لبنان، عام 1976، الذي أدى إلى انشقاق كبير في صفوف المقاومة الفلسطينية، وضرب المنظمة في تل الزعتر وسهل البقاع، وجنوبي لبنان.

وتستضيف سورية الفصائل الفلسطينية العشرة، المعارضة للرئيس ياسر عرفات؛ للضغط على السلطة الفلسطينية. وتسمح لتلك الفصائل بحملات إعلامية على عرفات، والحشد للمحافل  والمسيرات الشعبية؛ ولكنها لا تسمح لها بتنفيذ أيّ عمليات ضد إسرائيل، انطلاقاً من الأراضي السورية.

وعارضت سورية اتفاق أوسلو، الذي وقعه الفلسطينيون مع إسرائيل، عام 1993. كما تعارض أيّ مفاوضات أو لقاءات فلسطينية- إسرائيلية، وتتشكك في إمكانية إنشاء الدولة الفلسطينية. وتعارض أيّ اتفاقيات سلام منفردة، بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وقد ظل الرئيس الأسد مقاطعاً للرئيس ياسر عرفات. ولم تفلح الجهود في التقائهما، عدا مرة واحدة، في أواخر حكم الرئيس الأسد.

5. الجمود في العلاقات السورية – الأردنية

على الرغم من أن من سورية والأردن دولتا جوار، تربطهما حدود مشتركة؛ إلا أن علاقاتهما السياسية، مرت بما يشبه الجمود التام. وربما تحسنت أثناء حرب أكتوبر 1973، إلا أنها سرعان ما تلاشت. وترى سورية أن الجمود ناشئ عن:

أ. التعامل الدائم بين إسرائيل والأردن، والذي توج باتفاق "وادي عربة" للسلام، الذي وقع عام 1994.

ب. تتهم سورية الأردن، بأنه كان وراء إضعاف الجبهة الفلسطينية، في مواجهة إسرائيل.

ج. تتهم عمّان دمشق، بأنها كانت وراء تصدير الإرهاب إليها باستغلالها الفصائل الفلسطينية الموجودة بها.

6. العلاقات السورية – السعودية

تتميز العلاقات بين الدولتَين بهدوء ظاهر، يواري اختلافهما، ويظهر حرصهما على استمرار علاقاتهما في إطار ودي دائم.

وعلى الرغم من أن سورية دولة تقدمية، فإنها رأت أن تكون علاقاتها بالمملكة العربية السعودية نموذجاً للتعاون بين الدول: التقدمية والمحافظة.

واضطلعت الرياض بدور رئيسي في الوساطة بين سورية وأطراف أخرى، لتهدئة أزمات حادة، نشأت بينهما، في فترات مختلفة؛ وأهمها وساطات عديدة بين مصر وسورية، وبين سورية وأطراف عالمية فاعلة في لبنان، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (اتفاق الصواريخ) والفلسطينيون (الخروج بسلام من بيروت وطرابلس).

ويتعدى الدور السعودي مساعدة سورية على بعض أزماتها السياسية ، إلى مساعدتها، اقتصادياً، إذ نالت دعماً سعودياً وافراً، لكونها دولة مواجهة مع إسرائيل. ولم تتردد الرياض في تعديل ميزان المدفوعات السوري، في كثير من السنوات.




[1] الاستخبارات الجوية في سورية منفصلة تماماً عن الاستخبارات الحربية، وتقدم تقاريرها إلى الرئيس مباشرة.

[2] هذه الجبهة أعلن عن الشروع في تأسيسها عقب زيارة الرئيس للقدس في نوفمبر1977، وعقد مؤتمرها التأسيسي في ديسمبر 1977بمدينة طرابلس ليبيا ، وأنسحب العراق من هذا المؤتمر، ولم تتحقق أي فعالية لهذه الجبهة والتي كانت تضم (سورية والعراق وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية).

[3] تعتبر مسألة السيطرة على الساحل الشمالي لبحيرة طبرية، هي الأساس التي تسعي إليه إسرائيل من أجل ضمان السيطرة على موارد المياه من البحيرة، وهو ما لا تقبله سورية، وكانت هذه النقطة بالذات نقطة خلاف أدت إلى عدم التوصل إلى سلام.