إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق









ماو تسي تونج Mao Tse-tung

سيرة ذاتية

عبد السلام محمد عارف[1]

(1339 ـ 1385هـ = 1921 ـ 1966م)

 

ولد عبدالسلام ـ الذي اشتُهر بـ (عبدالسلام عارف) ـ في 21 مارس 1921، في محلة سوق حمادة في منطقة الكرخ في بغداد، وهو حي شعبي من أحياء بغداد الفقيرة. وكان والده محمد عارف الجميلي (من عشيرة الجميلة) بزاراً (خياط)، وقد هاجر من مدينة الرمادي إلى بغداد .

وينتمي عبدالسلام إلى عائلة لها ماضيها في الجهاد ضد الاستعمار البريطاني، فخاله الشيخ ضاري هو الذي قتل الكولونيل لجمن، القائد البريطاني، أثناء ثورة العشرين، وعمه السيد عباس استُشهد على يد الإنجليز في الرمادي. ولا يزال أبناء عمومته وأبناء أخواله يسكنون في تلك المنطقة حتى يومنا هذا.

أنهى عبدالسلام عارف مراحله الدراسية في منطقة الكرخ في بغداد، وتخرج في ثانوية الكرخ الرسمية عام 1938. وفي السنة نفسها دخل الكلية العسكرية وتخرج فيها عام 1941، برتبة ملازم ثان، وعمره لا يتعدى العشرين عاماً.

اشترك في حركة مارس 1941 التحريرية، قائداً لإحدى سرايا المدرعات في القوة الآلية؛ وكانت مهمته محاصرة القصور الملكية. إلاّ أن هذه الحركة فشلت، ولم تَعْرِف السلطات الرسمية أن عبدالسلام عارف كان مشاركاً في الحركة، فظل في الجيش ولم يقدم للمحاكمة.

وفي نهاية عام 1941 نُقل عبدالسلام عارف من بغداد إلى البصرة، حيث عُين ضابطاً في الاستخبارات العسكرية. وظل في البصرة إلى عام 1944، ثم نُقل إلى لواء الناصرية. وفي عام 1946 اُختير مدرساً في الكلية العسكرية، فأمضى فيها عاماً ثم نُقل إلى كركوك، ومنها سافر إلى فلسطين للاشتراك في حرب عام 1948.

بدأت صداقة عبدالسلام عارف مع عبدالكريم قاسم منذ عام 1938، عندما كان عبدالسلام طالباً في الكلية العسكرية، وعبدالكريم قاسم محاضراً بها. وبعد تخرج عبدالسلام افترق الصديقان لمدة عام، التقيا بعده في البصرة. واستمرت صداقتهما على الرغم من نقل عبدالسلام إلى الناصرية وعبدالكريم إلى جلولاء.

وفي عام 1947، نُقل عبدالسلام عارف إلى كركوك، فالتقى مرة أخرى عبدالكريم قاسم، الذي كان قائداً للفوج، وعبدالسلام مساعداً له. وعندما نشبت حرب فلسطين في 15 مايو 1948، سافرا معاً وكان عبدالسلام في مدينة حنين، وعبدالكريم قاسم في مدينة كفر قاسم القريبة منها، وظل يلتقيان على نحو دائم.

وبعد انتهاء حرب فلسطين ورجوع القوات العراقية، عاد عبدالسلام عارف إلى بغداد، ثم نُقل إلى الموصل فكركوك. وعندما أصبح الفريق نورالدين محمود رئيساً لأركان الجيش، نقل عبدالسلام عارف إلى مقر قيادة الجيش وتولى فيها عدة مناصب مهمة.

وفي عام 1952، نُقل عبدالسلام عارف إلى "دائرة تدريب المناورات"، كما نُقل قاسم إلى الدائرة نفسها وعملا معاً حتى عام 1954. ثم نُقل قاسم إلى منصب قائد اللواء التاسع عشر، ونُقل عبدالسلام عارف إلى منصب قائد فوج في اللواء نفسه.

وفي عام 1954، أُرسل عبدالسلام عارف في دورة للالتحاق بالقطعات العسكرية البريطانية في دسلدورف في ألمانيا الغربية للتدريب. وبقى فيها حتى عام 1956. ولمّا عاد إلى بغداد أُبلغ بالاستعداد للسفر مع اللواء التاسع عشر، الذي يقوده عبدالكريم قاسم، إلى الأردن. وفي نوفمبر 1956 سافر اللواء التاسع عشر إلى المِفْرق، ليكون على أتم الاستعداد لمعاونة الأردن ضد الكيان الصهيوني، بينما كان الغرض الحقيقي من إرساله هو تهديد سوريا وإسقاط نظامها وضمها إلى العراق. ولكن عبدالكريم قاسم وزميله العقيد الركن عبدالسلام عارف، اتصلا بالضباط السوريين، ورئيس أركان الجيش السوري، اللواء عفيفي البزرى، وأكدا لهم أن الجيش العراقي لن يقوم بحركة عدائية ضد سوريا.

وفي عام 1957، انضم عبدالسلام عارف إلى اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار، بناءً على طلب عبدالكريم قاسم. وظل عبدالسلام عارف وفياً لعبدالكريم قاسم في اجتماعات اللجنة العليا للضباط الأحرار، وسانده في تولى رئاسة اللجنة العليا، باعتباره أعلى أعضائها رتبة عسكرية.

أدى عبدالسلام عارف دوراً رئيساً في التخطيط لثورة 14 يوليه 1958، ضد الحكم الملكي. وقد أذاع بنفسه البلاغ الأول للثورة من إذاعة بغداد. وبعد نجاح الثورة عُين نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية.

وعلى الرغم من الصداقة الحميمة بين عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم (رئيس وزراء العراق) فقد نشأ خلاف بينهما. مع أن صداقتهما كانت مثار إعجاب ودهشة الضباط الأحرار من أعضاء اللجنة العليا. ولكن ما أن نجحت ثورة 14 يوليه، حتى بدأ الخلاف يدب بينهما منذ اليوم الأول للثورة. وكان سبب الخلاف هو طموح قاسم وعارف نحو السلطة، ومحاولة إيجاد المبررات لإزاحة كل منهما الآخر. وقد حدث الخلاف الأول حول تصفية العائلة المالكة بالشكل الذي تمت به، إذ كان عبدالكريم قاسم غير مقتنع بقتلهم جميعاً. وبسبب تزمر أكثر الضباط الأحرار من هذه التصفية الدموية، استغل عبدالكريم قاسم هذه الحادثة واخذ يلقي اللوم على عبدالسلام عارف، متهماً إياه بأنه هو الذي أمر بتصفيتهم جميعاً.أمّا الخلاف الثاني فقد حدث بسبب التعيينات في المراكز الحساسة بعد الثورة، فأخذ كل منهما يُعين الأشخاص الذين يعتمد عليهم. واشتد الخلاف بينهما إثر زيارة عبدالسلام عارف لدمشق في 19 يوليه 1958، واجتماعه بالرئيس جمال عبدالناصر. وفي هذا الاجتماع عرض عبدالسلام عارف موضوع الوحدة الفورية العاجلة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة. ولكن عبدالناصر نصحه بالتريث وتدعيم الثورة الجديدة أولاً. فضلاً عن أن خطابه في دمشق أثار عبدالكريم قاسم لعدم ذكر اسمه أو دوره في الثورة.

وانقطعت الجسور بين الطرفين بعد أن علم عبدالكريم قاسم، أن عبدالسلام عارف أرسل برقية إلى سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد يعلمها بأنه سيسافر إلى القاهرة على رأس وفد من الضباط، وفي وقت مناسب، لعرض إعلان الوحدة، حتى لو اضطر إلى تنحية عبدالكريم قاسم من الحكم إذا ما عارض ذلك.

ومن ناحية أخرى، دخل عبدالسلام عارف في صراع مع العناصر اليسارية من الضباط والمدنيين. وقد أسفرت جولاته في المحافظات، والخطب الكثيرة التي كان يلقيها حول موضوع الوحدة ووجوب تحقيقها على الفور، عن احتدام الصراع بين القوى والأحزاب السياسية، وعلى الأخص الانشقاق الذي حدث بين القوميين، الذين كانوا يسيرون وراء شعار (الوحدة)، والعناصر الأخرى، بمن فيهم الديمقراطيون والشيوعيون، الذين كانوا يرفعون شعار "الاتحاد الفدرالي".

وكانت خطب عبدالسلام عارف الفتيل، الذي أشعل التمزق بين هذه القوى. فقد أدت الخطب، التي كان يلقيها عبدالسلام عارف دون تحفظ أو بعد نظر، إلى استفزاز كثير من الجهات، داخل العراق وخارجه، بينما الثورة مازالت في مراحلها الأولى. وكانت أغلب هذه الخطب تفتقر إلى الوضوح الفكري أو الأيديولوجي. فقد كان يبتدئ الخطبة بآية من القرآن الكريم، ثم يحي الجماهير باسمه واسم الرئيس جمال عبدالناصر، وقلما يذكر عبدالكريم قاسم. وغالباً ترد في الخطبة مثل هذه العبارات، أو ما يُشابهها، "إن جمهوريتكم عراقية متماسكة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وإِنها جزء لا يتجزأ من الأمة العربية" أو "اعلموا أن لكم أخواناً في الشام والشمال الأفريقي والجزيرة العربية هم جزء منكم، وعلى رأسهم أخونا جمال عبدالناصر" أو "باسم أخينا الأكبر بطل السلام أهديكم تحية جمال عبدالناصر، فقد حمّلني تحياته وأشواقه، وبذل كل ما عنده في خدمتكم، فليحيا أخونا جمال عبدالناصر" أو "لا إقطاع بعد اليوم ولا تفاوت ولا طبقات ولا جلالات ومعالي وفخامات، بل حرية وعدل ومساواة" أو "هدف واحد، مبدأ واحد، حزبٌ واحد، إن حزب الله هم المفلحون" أو "إنها جمهورية عراقية، شعبية، وطنية، اشتراكية، تحريرية، استقلالية، وهي في خدمتكم". كما كان يُقلد جمال عبدالناصر في التحدث باللغة العامية ... إلخ.

وأخذ عبدالكريم قاسم وضباطه في وضع الخطط للتخلص من عبدالسلام عارف. فأزاح الضباط الموالين له، ثم أبعده عن منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة في 11 سبتمبر 1958. وتمكن عبدالكريم قاسم في النهاية، من تجريد عبدالسلام عارف من جميع مناصبه في 30 سبتمبر 1958 وتعيينه سفيراً للجمهورية العراقية في بون، إلاّ أن عبدالسلام عارف رفض الالتحاق بمنصبه الجديد. وفي اليوم التالي قدم استقالته إلى عبدالكريم قاسم.

وفي 9 ديسمبر 1958 أُحيل عبدالسلام عارف إلى المحاكمة العسكرية العليا الخاصة، ليُحاكم عن تهم كثيرة، منها عدم ذكر اسم عبدالكريم قاسم أو ترديده أثناء خطبه في المحافظات، ومحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم والإعداد لانقلاب ضده. وفي 5 فبراير 1959 صدر الحُكم على العقيد عبدالسلام عارف بالإعدام شنقاً حتى الموت، والطرد من القوات المسلحة. كما صدرت فقرة خاصة في القرار تقول: "تودع الرأفة به لأمر عبدالكريم قاسم وذلك باستعمال سلطته الواردة في المادة 20 من قانون معاقبة المتآمرين".

وظل عبدالسلام عارف في السجن، كما ظل قرار إدانته في درج مكتب عبدالكريم قاسم دون تصديق أو إعفاء حتى سبتمبر 1961. وعقب انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، أُطلق سراح عبدالسلام عارف، ولكنه بقى تحت المراقبة حتى انقلاب 8 فبراير 1963.

وعندمـا نجـح البعثيون في حركتهم العسكرية ـ المــدنية ضد حكـم عبدالكريم قاسم 8 فبراير 1963، نصبوا عبدالسلام عارف رئيساً للدولة. وحكموا على عبدالكريم قاسم بالإعدام رمياً بالرصاص في 9 فبراير 1963. إلاّ أن عبدالسلام ما لبث أن استغل الخلافات الداخلية في الحزب، فتنكر للبعثيين وقام بانقلاب في 18 نوفمبر 1963 ضدهم، متحالفاً مع بعض الضباط البعثيين وبعض الضباط الناصريين. لكنه ما لبث أن عمل بدهاء وتصميم على التخلص من أركان التحالف العسكري المتنافر، الذي أوصله إلى الحُكم.

في 26 مايو 1964، أعلن عبدالسلام عارف عن تشكيل المجلس الرئاسي المشترك، بين العراق ومصر، للتخطيط والتنسيق في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، بغية الوصول إلى الوحدة الدستورية بين البلدين. كما نصّ اتفاق المجلس المشترك على إقامة الاتحاد الاشتراكي العربي العراقي أسوة بمصر. وفي هذا الجو أعلنت حكومة بغداد تأميم البنوك وشركات التأمين والمؤسسات الصناعية والتجارية الكبرى.

في4 سبتمبر 1965م حاول تحالف الضباط الناصريين وحركة القوميين العرب، استغلال غياب عبدالسلام عارف في مؤتمر قمة الدار البيضاء، والقيام بحركة انقلابية بقيادة عارف عبدالرازق، رئيس الوزراء ووزير الدفاع، إلاّ أن المحاولة منيت بالفشل، فاعتقل الآلاف منهم وبطش بهم. ومن ذلك التاريخ اتخذ حكم عبدالسلام عارف طابع النظام الشخصي القطري المحافظ (شبه الطائفي)، المؤيد شكلاً وقولاً للشعارات القومية.

أمَّا علاقاته بالدول العربية، اعتباراً من عام 1964، فكانت مضطربة؛ فعلاقاته مع مصر كانت طيبة في الظاهر، مهزوزة في الواقع، وكان يخشى حزب البعث في سورية. أمَّا الدول العربية الأخرى، فكانت تتوجس من التعاون معه، فقد كان يرفع شعارات وحدوية، ويتشدَّق بمعاداة الرجعية، كما كان لسانه منفلتاً، لا يكفّ عن كيل الشتائم والسباب للكويت، والمملكة العربية السعودية، والبحرين.

أمَّا علاقاته بدول العالم، فكانت مضطربة كذلك؛ فقد كانت كراهيته للشيوعية سبباً في عداوة المعسكر الاشتراكي، ولكنها لم تمكنه من الالتقاء بالمعسكر الغربي، الذي يضم بريطانيا، العدو التقليدي، والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة، التي تحمي إسرائيل، وتدفع كل من يفكر في التعاون معها إلى التردد كثيراً؛ لئلا يتهم بالتهاون في قضية فلسطين، قضية العرب الأولى.

أمَّا فكره السياسي والعقائدي، فقد كان مضطرباً كذلك، فهو يعلن إيمانه بالقومية العربية، وبالإسلام، ثم لا يجرؤ على اقتراح أي شكل من أشكال التعاون بين المسلمين؛ لئلاّ يُتهم بالرجعية والتخلف. وكذلك كان في سياسته الداخلية؛ فهو ينادي بالاشتراكية، وتم في عهده تأميم البنوك، وشركات التأمين، وكبريات الشركات الصناعية، ولكنه، في مجالسه الخاصة، يلعن الاشتراكية ويتبرَّأ منها.

اندلعت، في عهده، الثورة الكردية في شمالي العراق، يناير 1966، وعزم على مواجهتها بالقوة المسلحة، وأراد إقناع مصر بتزويده بالسلاح والعتاد لإنهاء مشكلة الأكراد، وقرر بدء الضربة العسكرية في 15 أبريل 1966، ولكنه مات قبل ذلك بيومين؛ ففي مساء 13 أبريل 1966، كان في حفل في منطقة الأهوار، وتأخرَّ هناك إلى المساء، ثم حلقت به طائرة عمودية إلى البصرة، وانفجرت في الجو، واحترقت بكل من فيها. وقيل إن السبب عاصفة ترابية، جعلت الطائرة تستدير بزاوية 90 درجة نحو اليسار، ثم استدارت نحو اليمين 90 درجة، وأخذ قائدها يرسل الاستغاثات، ثم انفجرت الطائرة. وتم تشييع جثمانه في 16 أبريل 1966. وتولى رئاسة الجمهورية بعده أخوه عبدالرحمن محمد عارف.



[1]  فيصل حسون، "مصرع المشير الركن عبدالسلام محمد عارف"، دار الحكمة، ط1، لندن، 1995، ص 11 ـ 64. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم (3)، الصادر بتاريخ 20 يوليه 1958. - صحيفة اتحاد الشعب، العدد الرقم (38)، الصادر بتاريخ 11 مارس 1959. - عبدالسلام محمد عارف، "مذكرات عبدالسلام محمد عارف"، المؤسسة القومية للتأليف والنشر، تقديم علي منير، بغداد 1967. - مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، `الموسوعة العربية العالمية`، الرياض، ط2، 1999، ج 16، ص 97.