إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في العراق









ماو تسي تونج Mao Tse-tung

سيرة ذاتية

نوري السعيد[1]

(1306 ـ 1377هـ = 1888 ـ 1958م)

 

نوري بن سعيد بن صالح بن الملاّ طه، من عشيرة القره غولي، البغدادية: سياسي، عسكري المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولد ببغداد، وتعلم في مدارسها العسكرية. وتخرج في المدرسة الحربية بالأستانة (1906)، ودخل مدرسة أركان الحرب فيها (1911)، وحضر حرب البلقان (1912ـ1913)، وساهم في نشاطات القوميين العرب أيام ظهورها في العاصمة العثمانية؛ فكان من أعضاء (جمعية العهد) السرية. وقامت ثورة الشريف حسين في الحجاز (1916)، فلحق بها، فكان من قادة أركان جيش الشريف (الملك) فيصل بن الحسين، في زحفه إلى سورية. ودخل قبله دمشق، وانحاز إلى السياسة الإنجليزية في المنطقة؛ فكان المؤيد لها في البلاط الفيصلي بسورية، ثم العراق، مجاهراً بذلك إلى آخر حياته. ظل في خدمة الأمير فيصل بن الحسين، بعد أن أصبح ملكاً على العراق. تمرَّس في العمل السياسي، وتولى رئاسة الوزارة العراقية لأول مرة عام 1930، ثم تولاها مرات كثيرة، في أيام الملك فيصل، وابنه الملك غازي، والملك فيصل بن غازي. كما تولى كذلك وزارة الدفاع عام 1926، ووزارة الخارجية عام 1941.

حضر مؤتمر المائدة المستديرة، الذي أُقيم في لندن، في فبراير 1939، لمناقشة قضية فلسطين، وكانت هناك اتصالات بينه وبين هتلر، أثناء الحرب العالمية الثانية، عن طريق السفير الألماني في بغداد، ولكنها لم تسفر عن شيء؛ نظراً لولاء نوري السعيد المعروف لبريطانيا. كان هو صاحب فكرة مشروع الهلال الخصيب، الذي ينادي بتوحيد سورية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن في دولة واحدة، وعرض هذا المشروع على الأمم المتحدة. وقيل إنه صاحب فكرة إنشاء الجامعة العربية، وتقدم بها عام 1941، عندما كان سفيراً للعراق في مصر، وأقنع بها محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك.

تفاوض، باعتباره رئيساً للوزراء، لإبرام معاهدة، تحفظ لبريطانيا نفوذاً أكبر في العراق. وفي عام 1955، وافق على انضمام بلاده لحلف بغداد، الذي ضم بريطانيا وباكستان وإيران وتركيا. ويؤكد الكثيرون أن نوري السعيد هو صاحب فكرة مشروع حلف بغداد، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع مصر، والهجوم الشديد من جمال عبدالناصر على نوري السعيد. كذلك كان نوري السعيد لا يؤمن بسياسة "الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، التي كانت تنادي بها مصر والهند ويوغوسلافيا، ويرى أن الحياد بالنسبة للدول الضعيفة، هو مجرد خدعة؛ لأنها لا تمتلك القوة المادية والعسكرية الثابتة للدفاع عن أنفسها، ومن ثم فقد عرض على نهرو زعيم الهند، في مارس 1954، أن ينضم إلى حلف بغداد!. وكان يوالي بريطانيا، ويسعى دائماً إلى ربط العراق بها.

وائتلف مع الشريف عبدالإله بن علي، الوصي على عرش العراق، في أيام فيصل الثاني. وقامت ثورة عبدالكريم قاسم في بغداد (14 يوليه 1958)، فكان فيصل وعبدالإله من قتلاها.

موت نوري السعيد

توجهت قوة عسكرية، بقيادة الرائد بهجت سعيد، في صبيحة يوم الثورة، 14 (تموز) يوليه 1958، إلى بيت نوري السعيد، بهدف القبض عليه. وحين وصلت القوة إلى بيت نوري السعيد، لم تجده؛ فقد لاذ بالفرار وهو بملابس النوم، حاملاً مسدسه معه، بعد أن أخبرته خادمته البدوية، بأن قوة عسكرية على وشك الهجوم عليه. وقيل إن المقدم وصفي طاهر، الذي عمل حارساً شخصياًّ لنوري السعيد سنوات عديدة، هو الذي أخبرها بذلك، وقيل إن وصفي طاهر جاء إلى منزل نوري السعيد، قبل الفجر، وأخبره بما يُدَّبر له، ونصحه بالفرار، وإن وصفي طاهر فعل ذلك ليثبت إخلاصه لنوري السعيد، إذا فشلت الثورة.

وعلى شاطئ نهر دجلة، وجد نوري السعيد قارباً به رجل مسن، فأمره أن يحمله إلى الرصافة، كانت الخطة التي فكر فيها نوري السعيد، هي الوصول إلى الساحل المقابل، ثم الاتجاه رأساً إلى وزارة الدفاع، قبل أن يعبر جيش الثائرين الجسر للوصول إلى داخل المدينة؛ فيتصل تليفونيًّا برئيس أركان الجيش، ورؤساء الفرق الأولى، ويأمرهم بفتح جسر العبور لإحباط الانقلاب.

طلب الصياد المسن من نوري السعيد أن يرقد في قاع القارب، وأسدل عليه شباك الصيد حتى لا ينكشف أمره، وعندما سمع نوري السعيد أصوات القنابل والمدافع التي أطلقها الثائرون، خشي، إن نزل إلى الشاطئ، أن تراه الجموع المكتظة وينفضح أمره، فطلب من الصياد أن يعيده إلى ضفة الكرادة، ثم توجه إلى منزل صديق له، يدعى الدكتور صالح مهدي البصام، وهو منزل لا يبعد كثيراً عن منزله.

دبر له صديقه صالح مهدي البصام طريقة للهرب، في الصندوق الخلفي لسيارة شقيقه، مرتضى البصام. وانطلقت به السيارة إلى حي الصالحية، ثم من هناك إلى حي الكاظمية، حيث منزل صديقه القديم محمود الأسترابادي، كان نوري السعيد يود أن تأخذه السيارة رأساً من الكاظمية إلى حيث ترابط الفرقة الرابعة، وقائدها وفيق عارف في الشمال، ولكن خطورة الموقف جعلته يعدل عن ذلك، ويبقى في منزل صديقه.

وقضى نوري السعيد ليلته هناك، واستمع إلى الإذاعة وهي تذيع بياناً لحكومة الثورة، تحذر فيه أفراد الشعب من التستر على نوري السعيد، أو إيوائه، أو مساعدته بأي شكل من الأشكال، وتدعوهم إلى القبض عليه فوراً، حياًّ أو ميتاً. وتضمَّن البيان أن حكومة الثورة رصدت جائزة كبرى، قدرها عشرة آلاف دينار، لمن يأتي بنوري السعيد حياً أو ميتاً، في ذلك الوقت كان الأمل الوحيد، الذي تعلق به نوري السعيد، هو تدخل قوات الدول الأعضاء في حلف بغداد، والطائرات البريطانية على وجه الخصوص، ولكن ذلك لم يحدث.

بعد ظهر اليوم التالي، 15 (تموز) يوليه 1958، خرج نوري السعيد، مذعوراً، متنكرًا في زي النساء، ومعه زوجة محمود الأسترابادي وخادمتها. ركبوا سيارة محمود الأسترابادي، وقادها مظفر ابن محمود الأسترابادي، وتوجه بهم إلى منزل هاشم جعفر، شقيق الدكتور ضياء جعفر، الوزير السابق. عندما رآه عمر بن هاشم جعفر، وعلم أنه نوري السعيد، وجدها فرصة سانحة للفوز بالجائزة القيمة، والتقرب إلى الحكومة الجديدة؛ ومن ثم خرج مسرعاً إلى وزارة الدفاع، وتمكن، بصعوبة، من مقابلة عبدالكريم قاسم، وأخبره الخبر.

          أمر عبدالكريم قاسم بأن تسرع قوة من العسكريين إلى مكان نوري السعيد، واعتقاله على الفور. ولكن، مرة أخرى، حين وصلت هذه القوة، لم تجد نوري السعيد؛ فقد ارتاب في الأمر وتوجس شراًّ حين علم بخروج عمر هاشم جعفر، فأسرع بالهرب، وهو بملابسه النسائية، ومعه زوجة الأسترابادي وخادمتها.

راح نوري السعيد يبحث عن مكان آمن يأوي إليه، وهداه تفكيره إلى التوجه إلى منزل صديقه الشيخ محمد العريبي، في منطقة البتاويين، فربما يمكنه الوصول إليه، ويختفي بين رجال قبيلته حتى يتسنى لهم تهريبه إلى الحدود، فيعبرها إلى إيران. حاول أن يتذكر المنزل وموقعه، وخانته ذاكرته، وسار، وإلى جواره أم عبدالأمير زوجة الأسترابادي، وخادمتها، فراح يسأل المحلات التجارية، وتعرف إليه أحد أصحاب هذه المحلات، فصرخ: "أمسكوه، هذا نوري السعيد، أمسكوه"! تجمهر الناس حوله، وتوجهت إليه شاحنة تحمل عدداً من رجال الشرطة، ومعهم وصفي طاهر، فأخرج نوري مسدسه، وأخذ يطلق النار عشوائياًّ، وهو في رعب وهلع شديدين.

وأسرع الجنود الموجودون في مكان الحادث، ومعهم الجماهير، وأخذوا يطلقون النار عليه، فأُصيب إصابة قاتلة، واقترب منه أحد الجنود، وانتزع المسدس من يده، وأطلق النار عليه فأرداه قتيلاً. وقيل إن نوري السعيد هو الذي أفرغ مسدسه في صدره حين أيقن بهلاكه. ولما وصل إليه وصفي طاهر كان نوري السعيد يلفظ أنفاسه الأخيرة، فصاحت أم عبدالأمير: "هذا باشتنا يا وصفي، هذا أبوك وأبو الكل، أنقذوه"، وظن وصفي أنها رجل متنكر في زي امرأة، فأطلق عليها الرصاص، ثم أخذ يفرغ رشاشه في جثة نوري السعيد. وكان وصفي طاهر يفخر، بعد ذلك، في الصحف والإذاعة بأنه هو الذي قبض على نوري السعيد وقتله. وكانت الأهازيج الشعبية تلقبه بعد ذلك بـ "قاتل الأسد الميت"، فتقول:

"لعنة عليك سبع لعنة          جتّال السبع الميت"

أمَّا ولدا السيد هاشم، فقد قبض كل منهما خمسة آلاف دينار قيمة الجائزة. حمل الجنود جثة نوري السعيد إلى وزارة الدفاع، وألقوا بها أمام عبدالكريم قاسم، الذي نظر إليها، ومعه مجموعة من الضباط والوزراء، ثم أمر بتركها مكانها إلى أن يحل الظلام، ثم التوجه بها لدفنها في مقبرة باب المعظم في بغداد. ولكن بعض العناصر نبشت القبر، في اليوم التالي، وسحبت الجثة، وراحت تسحلها في شوارع بغداد، إلى أن أوصلتها إلى ميدان منطقة الوزيرية، بجوار السفارة المصرية، وكان هناك عدد من سيارات الشرطة وبعض الدبابات، فأمر قائد الشرطة أن تُسحق الجثة تحت جنزير الدبابة، ولما تم ذلك، أشعلوا النار فيها. ويُقال إن سائق الدبابة حين مر بعجلاته فوق القسم الأسفل من الجثة انتصب القسم الأعلى فجأة، فأصاب السائق الهلع، ونقل بعد ذلك إلى مستشفى الأمراض العصبية.

أعلن السفير الأمريكي، أن وفاة نوري السعيد خسارة كبرى للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وبعث كثير من السياسيين البارزين في العالم رسائل تعزية إلى زوجة نوري السعيد، ومنهم: هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا السابق، وسلوين لويد وزير خارجية بريطانيا السابق، وفرانسيس همفريز المندوب السامي البريطاني في العراق، وأول سفير بريطاني فيها.

ولنوري السعيد كتب مطبوعة، منها (أحاديث في الاجتماعات الصحفية)، و(استقلال العرب ووحدتهم)، و(محاضرات عن الحركات العسكرية للجيش العربي في الحجاز وسورية).

 



[1] عصمت السعيد، "نوري السعيد. رجل الدولة والإنسان"، لندن، 1992، ص 26 ـ 64، 106 ـ 108، 295 ـ 307. - خير الدين الزركلي، "الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين"، دار العلم للملايين، بيروت، ط 8، 1989، مج 8، ص 53. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم 16، بتاريخ 14 أغسطس 1958. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم 17، بتاريخ 15 أغسطس 1958. - صحيفة الجمهورية العراقية، العدد الرقم 42، بتاريخ 3 سبتمبر 1958. - دزموند ستيوارت، "تاريخ الشرق الأوسط الحديث"، ترجمة زهدي خيرالله، دار النهار، بيروت، 1974، ص 343. - والتر جولمان، "عراق نوري السعيد"، مؤسسة الإنتاج، بيروت،ط1 ، 1965، ص 338. - خليل كبة، "العراق أمسه وغده"، دار الريحاني للطباعة، بيروت، ط1، 1966، ص 306. - ناجي شوكت، "مسيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894 ـ 1974"، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط2، 1975، ص617. - الوقائع العراقية، العدد 1، بتاريخ 23 يوليه 1958، بغداد ، ص13. - الموسوعة العربية العالمية، نشِر مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ط2، الرياض، 1999، ج12، ص 294. - توفيق السويدي، "مذكراتي ـ قرن من تاريخ العراق والقضية العربية"، ط2، دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1999، ص 591.