إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في بروسيا









ماو تسي تونج Mao Tse-tung

سيرة ذاتية

كارل (فيليب جوتليب) فون كلوزفيتز

Carl (Philippe Gottlieb) Von Clausewitz

(1780 ـ 1831م)

 

 

أولاً مولده ودراسته

ولد الجنرال فون كلوزفيتز يوم 1 يونيه 1780م، في مدينة بيرغ Burg، قرب ماجدبورغ Magdeburg، في إقليم بروسيا Prusse (شمال ألمانيا الحالية)، من أسرة فقيرة من الطبقة المتوسطة، معظم أفرادها من أصحاب الحِرَف أو المهنيين.

انضم إلى الجيش البروسي عام 1792م، وشارك في الحملة المعروفة بحملة نهر الراين The Rhine Campain، عامي 1793 ـ 1794م ضد الجيش الثوري الفرنسي. ثم قضى عددا من السنوات في العمل ضمن إحدى الحاميات العسكرية.

درس العلوم العسكرية في المعهد الحربي ببرلين Berlin على أستاذه جيرهارد فون شارنهورست Gerhard von Scharnhorst، كما درس الفلسفة والأدب، ومبادئ الإستراتيجية العسكرية.

ثانياً: المهام والوظائف التي أداها

وبفضل أستاذه فون شارنهورست، أمكن لفون كلوزفيتز دخول البلاط الملكي، والتعرف على أعيان المجتمع البروسي آنذاك، والزواج من الكونتيسة ماري فون برول Countess Marie von Brühl. كما ساعده أستاذه على الحصول على وظيفة معاون للأمير أغسطس Prince Auguste، أحد أمراء سكسونيا (شمال شرقي ألمانيا اليوم) آنذاك. وبهذه الصفة، شارك فون كلوزفيتز في معركة يينا The Campain of Jena، عام 1806م، ضد الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت Napoléon Bonaparte (1769 ـ 1821م)، ووقع أسيراً في أيدي الفرنسيين في بريسلاو Prezlau، (فروتسلاف Wroclaw في اللغة البولندية)، جنوب غربي بولندا، وظل قيد الأسر حتى عام 1808م، حين عاد إلى بروسيا.

وانضم للخدمة في صفوف الجيش الروسي خلال حملة نابليون على روسيا عام 1812م. وهناك، تميز فون كلوزفيتز كواحد من أبرز الضباط في هيئة أركان الجيش الروسي، كما يعود إليه شيء من الفضل في نجاح عملية الانسحاب الإستراتيجي التي نفذها الروس في تلك المعركة، وكذلك في نجاح المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية توروجن The Convention of Tauroggen، التي مهدت السبيل عام 1812م إلى إقامة تحالف بين بروسيا وروسيا وبريطانيا ضد نابليون.

ثم عاد فون كلوزفيتز للعمل من جديد في الجيش البروسي، وأصبح رئيساً للأركان خلال معركة ووترلو Waterloo، عام 1815م، وكان له إذاك دور كبير في هزيمة الجيش الفرنسي، والخلاص نهائياً من خطر نابليون.

وفي عام 1818م، رُقي فون كلوزفيتز إلى رتبة لواء (أو جنرال)، وعُيّن مديراً للمعهد الحربي. وأتاح له منصبه الجديد خلال السنوات الاثنتي عشرة التي تلت، مجالاً واسعاً لكتابة دراساته التاريخية الشهيرة، وخصوصاً منها كتابه الشهير، "عن الحرب" -Von Kriege- On War فقد ساق فيه خلاصات تجارب الملك فردريك الثاني الملقب "بالأعظم" Frederick the Great، ملك بروسيا (1712 ـ 1786م)، وتجارب نابليون بونابرت، في حروبهما المختلفة، لاكتشاف مقومات العبقرية العسكرية وتحليلها، وبيان العلاقة الوثيقة بين السياسة والحرب، وذلك بهدف تحديد العوامل المؤدية إلى الانتصار في الحرب. ويبدو أنه استوحى بعضاً من أفكاره كذلك من الكتاب القديم المعروف باسم "فن الحرب" The Art of War، والمنسوب إلى القائد العسكري الصيني القديم صن تزو Sun Tzu، الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد. وقد ظلت النتائج التي توصل إليها في ذلك الشأن قابلة للتطبيق بشكل عام، كما أن حرصه فيما كتب على تجنب الخوض في التفاصيل المتخصصة جعل عمله يحظى بقبول واسع واستحسان بين مختلف طبقات القراء.

لم يحاول فون كلوزفيتز في كتابه "عن الحرب" تقديم مفهوم محدد للإستراتيجية بوصفها نظاماً صارماً. لكنه حاول أن يبين دور العوامل النفسية والأحداث العارضة التي تتخلل الحروب، والتي يصعب توقعها أو حسابها بشكل دقيق. ومن خلال مقولته الشهيرة عن الحرب بأنها "مجرد امتداد للسياسة، لكن بوسائل أخرى"، حاول فون كلوزفيتز تأكيد مفهومه عن الحرب بوصفها جزءاً من الممارسة السياسية العادية والعملية.

وقد أكد في هذا السياق ضرورة أن يكون لدى القائمين على وضع السياسة العامة للبلاد إلمام، ولو محدود، بالشؤون العسكرية. ومن منطلق إدراكه لحقيقة أن معظم قادة الحكومات ليسوا خبراء عسكريين، فإنه يوصي بأن يكون القائد الأعلى لقوات أي بلد واحداً من أعضاء الحكومة التي تدير شؤون ذلك البلد. ويبدو أن عدداً كبيراً من الساسة في عصرنا الحالي قد أخذوا بهذه الوصية، واستفادوا منها، وأدركوا مدى صحتها من خلال النجاحات العسكرية التي حققتها بلادهم في مختلف النزاعات التي خاضتها.

وقد بينت كثير من التجارب العسكرية المعاصرة، تأكيداً لصحة ما أشار إليه فون كلوزفيتز، أن مستوى النجاعة والفاعلية في استخدام الوسائل العسكرية المتاحة لدعم توجهات السياسة الخارجية في بلد ما، وتحقيق أهدافها، يتوقف على مدى قوة العلاقة بين كبار القادة العسكريين في ذلك البلد وحكومتهم. ويتوقف ذلك بدوره، كما يقول فون كلوزفيتز، على مدى قدرة القائد العسكري على إيصال وجهات نظره، وقدرة رجل الدولة على إدراك العلاقة الكامنة بين طبيعة الحرب، وأهدافها، وأسلوب إدارتها. وقد وصف فون كلوزفيتز تلك العلاقة بأنها علاقة لا تخلو من شيء من المفارقة، وتقوم على محاور ثلاثة: الشعب، والقائد العسكري مع جيشه، والحكومة. فللشعب، كما يقول، علاقة بطبيعة الحرب، والقائد العسكري مجاله إدارة الحرب، في حين تهتم الحكومة بأهداف الحرب.

وفي الكتاب نفسه، ناقش فون كلوزفيتز بشكل مستفيض أنواعاً عديدة من المواقف التي يمكن أن تواجه القائد العسكري، وسعى من وراء تلك المناقشة إلى أن يُنمّي لدى القارئ تلك القدرة على أن يكوّن وجهة نظر حول المسائل العسكرية يكون لها ما يدعمها من الناحية النظرية، مع القدرة على تقييم كل العوامل ذات الصلة بموقف معين.

وفي الوقت نفسه، بين فون كلوزفيتز أن من الضروري لأي إستراتيجية أن تستهدف أموراً ثلاثة: قوات العدو، وما لديه من موارد، ومدى تصميمه على مواصلة القتال؛ أي أن من الضروري في أي معركة حربية اعتماد إستراتيجية تهدف إلى تحقيق أقصى ما يمكن من الانتصارات العسكرية وأكملها، باستخدام كل الوسائل المتاحة. كما بين أن اعتماد أسلوب الحرب الدفاعية هو الأفضل من الناحيتين العسكرية والسياسية.

نُقل فون كلوزفيتز للعمل في مدينة بريسلاو Breslau، جنوب غربي بولندا، قبل أن ينهي تأليف كتابه "عن الحرب"، ثم تولى قيادة القوات البروسية التي تم نشرها لمراقبة الأحداث في بولندا، في أعقاب ثورة 1830م. وهناك، أصيب بداء الكوليرا، وتوفي يوم 16 نوفمبر 1831م، بُعيد عودته إلى بريسلاو. وقد تولت أرملته نشر كتابه وأعماله بعد وفاته.

ثالثاً: ملاحظات عامة

تميز فون كلوزفيتز بتأثره الشديد بالأدب والفلسفة الألمانيين. وكان إلى جانب ذلك خجولاً ومرهف الإحساس، منطوياً وميالاً إلى الاحتفاظ بآرائه لنفسه. ولم يتقلد طوال حياته العسكرية منصباً قيادياً أعلى، بل كان عمله في الأغلب ضمن هيئة الأركان؛ إلا أنه كان دائماً يتميز بشجاعته في القتال، وبآرائه السديدة عند المشورة.

وفي دراساته ، حاول فون كلوزفيتز أن يؤرخ لمختلف المعارك والحروب التي قادها نابليون بونابرت. لكن أهمية تلك الدراسات تبقى منحصرة في الجوانب الفنية العسكرية الخالصة، ويظل كتابه "عن الحرب" هو أبرز أعماله من حيث تأثيره العميق في كثير من خبراء الإستراتيجية والمؤرخين المعاصرين، وكذلك في عدد من المفاهيم الإستراتيجية الحديثة.

لقيت كتابات فون كلوزفيتز اهتماماً واسعاً من الدارسين الألمان، وتركت آراؤه المختلفة أثرها في نمط التفكير العسكري الألماني بشكل عام.

كما لقيت أعمال فون كلوزفيتز إقبالاً من الدارسين من خارج ألمانيا. واهتم بأفكاره ضباط وعسكريون من هولندا، والنمسا، والسويد، وسويسرا، وظهرت ترجمات مبكرة لمعظم كتاباته باللغات الفرنسية، والإنجليزية، والروسية، والإيطالية، كما تُرجمت بعض أعماله إلى اللغات الإسبانية، والمجرية، والعبرية، والصربية. وبحلول عام 1900م، انتشرت أفكار فون كلوزفيتز في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية. غير أن أولى الترجمات الأمريكية لأعماله لم تظهر إلا خلال الحرب العالمية الثانية.

كما ناقش كل من كارل ماركس Karl Marx (ما بين1818 ـ 1883م) وفريدريش أنجلز Frederich Engels (1820 ـ 1895م) أفكاره في كتاباتهما، وانكبّ نيقولاي لينين Nikolai Lenin (1870 ـ 1924م)، زعيم الثورة الشيوعية في روسيا، على دراسة نظرياته السياسية، أيام كان يعيش في المنفى بسويسرا. كما أن النظرية الشيوعية حول طبيعة الحرب مستمدة في جانب كبير منها من أفكار فون كلوزفيتز، بما في ذلك المفاهيم الشيوعية من قبيل مفهوم "الحرب الإمبريالية" " imperialistic war".

وبحلول منتصف القرن العشرين، وابتكار أنظمة متطورة من الأسلحة الطويلة المدى، تضاءلت أهمية نظريات فون كلوزفيتز عن الإستراتيجية الحربية، خصوصاً لاقترانها الوثيق بأشكال الحرب البرية، لكن كثيراً من أفكاره الأساسية تظل ذات جدوى ونفع ملحوظين.