ثانياً. التراث والمعاصرة، ودورة التأهيل، والتدريب العسكري

1. التراث والمعاصرة

أ. تأسست الأكاديمية العسكرية ساندهيرست في 1947، لتحل محل الأكاديمية العسكرية الملكية في وولوتش، التي تأسست عام 1741، والكلية الملكية العسكرية، في ساندهيرست، التي تأسست عام 1801. وأصبحت ساندهيرست المؤسسة العسكرية لتدريب الضباط، بعد إغلاق مدرسة مونز للطلاب الضباط في عام 1972، والكلية العسكرية الملكية للنساء في 1984. ومنذ عام 1992 أصبحت برامج ساندهيرست تشمل الطالبات أيضاً.

ب. على الرغم من أن أكاديمية ساندهيرست تستمد قوتها من المحافظة على تقاليدها العريقة، إلاّ أنَّ هذا لم يمنعها من التطور ومواكبة كل عصر، ووضع ما يناسبه من برامج. وجديرٌ بالذكر أن ساندهيرست تقبل الطلاب من خارج بريطانيا. وقد استقبلت طلاباً من حوالي 80 دولة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي التدريب والدراسة، ينتظم "الطلاب الأجانب" مع أقرانهم البريطانيين، وتسود روح التعاون والتكامل بينهم، ليصبحوا وحدة متكاملة. وقد وصلت نسبة "الطلاب الأجانب"، في وقت من الأوقات، إلى 10%، من إجمالي طلاب دورة التأهيل.

ج. تتطلب برامج ساندهيرست التعليمية والتدريبية قدرات بدنية وذهنية عالية، لأنّها تمثل تحدياً حقيقياً. وتوفر الأكاديمية الفرصة لجميع الملتحقين بها، لممارسة ما يروق لهم من هوايات واهتمامات، وتسود كافة أنشطة ساندهيرست روح الحماسة والنشاط.

د. عند انتهاء الطالب من دورة الضباط الأصاغر Young Officers Course، يصبح جاهزاً لقيادة الجُنْد، إذ يتعلم، في هذه الدورة، المهارات الخاصة بالفرقة أو السلاح الذي يختاره.

2. دورة التأهيل

أ. تشتمل دورة التأهيل على التعليم الأساسي لفن القيادة، وعلم التكتيك، وقراءة الخرائط، ومهارات الأسلحة، والتدريب، والاتصالات، والتنظيم، والإدارة، والدراسات المهنية الأكاديمية. وتُعد فصيلة المشاة، نموذجاً لكل التدريبات والمناورات التكتيكية الميدانية، التي تُعدّ جزءاً أساسياً من البرنامج. يتضمن برنامج الدورة ثلاث فترات، مدة كل منها 14 أسبوعاً، يتخللها إجازة (3 ـ 4 أسابيع). خلال فترة الإجازة الأولى، يشارك الطلاب في دوراتٍ للتدريب على اقتحام الأخطار، يكتسبون خلالها القدرات اللازمة، حتى يتمكنوا، خلال فترة الأجازة الثانية، من الاشتراك في دورة تدريبية أشد قسوة، مدتها سبعة أيام، يضعون هم خططها، وينظمونها بأنفسهم.

3. التدريب العسكري

أ. يُعد الضابط، قبل كل شيء، وأيّاً كان تخصصه، جندياً، لديه الاستعداد لقيادة الآخرين أثناء القتال، مع القيام، في الوقت نفسه، بمهام إسناد أخرى، مع التركيز، خلال جميع مراحل المعركة، على استخدام الأسلحة والتكتيكات. ويتضمن المقرر الدراسي ما يلي:

(1) التعاون مع الأسلحة الأخرى في إطار "السرية المشاة".

(2) مقدمة أساسية عن جميع الأسلحة وخصائصها.

(3) المشاكل التي تنطوي عليها الحرب النووية والبيولوجية والكيماوية.

وتجري تدريبات الرماية، على أسلحة المشاة، في ميدان الرماية، ومن خلال مواقف تكتيكية ميدانية.

يتعلم الطالب، كذلك، الهيكل التنظيمي والإداري للجيش، كما تُشرح له الوظائف المختلفة لكل سلاح، مما يساعده على اختيار السلاح الذي يرغب في التأهل له. ويركّز التعليم في الإدارة على مسؤوليات الضابط تجاه من سيكون تحت قيادته من الأفراد، وكذلك ما يُوكل إليه من معداتٍ وأموالٍ عامة لحمايتها. كما تُدّرَس المبادئ الأساسية للقانون العسكري، حتى يعرف الضابط حديث التخرج، النظام داخل الجيش، ويطبقه بلا تحيز.

4. القيادة

تهدف المناهج العسكرية، قبل كل شئ، إلى تنمية وتعميق صفات القيادة لدى الطلاب، على المستوى الفردي. فتُدرّس المناهج النظرية للقيادة، وتطويرها من خلال القدوة والممارسة. فيُمنح الطالب الفرصة لممارسة القيادة عملياً، في كل مناسبة تُتاح، أثناء البرنامج الدراسي، من خلال التدريبات التكتيكية، في المملكة المتحدة وخارجها. كما يُنظِّم الطلاب تدريباتٍ وألعابٍ، وغيرها من الأنشطة الترفيهية، التي يغلب عليها طابع المغامرات، تحت الإشراف العام للأساتذة.

5. اللياقة البدنية

ترتبط اللياقة البدنية بالألعاب والرياضة ارتباطاً وثيقاً. ومن هذا المنطلق، تعمل الأكاديمية، إضافة إلى تحقيق مستوى رفيع في اللياقة البدنية لدى الطلاب، على تعليمهم كيفية تنظيم وإجراء التدريبات البدنية والألعاب الترفيهية. ففي دورة التدريب على الموانع، يتعلم الطالب اكتساب الثقة، والاعتماد على النفس، بينما يتعلم، في حمام السباحة، إنقاذ الغرقى والسباحة في ملابس القتال. وفي صالة الألعاب الرياضية، تُنمى القوة وخفة الحركة. وتزيد طوابير السير واختراق الضاحية قوة التحمل والقدرة على مقاومة التعب. يضمن المنهج، في مجمله، أن يتخرج الطالب وهو في قمة لياقته البدينة، وأن يكون قادراً على الإشراف على تدريبات اللياقة البدنية لمن سيكون تحت قيادته من الجنود.

6. التدريب على اقتحام الأخطار

تشجع الأكاديمية رحلات التدريب على اقتحام المصاعب، تشمل التسلق، والإبحار، واستخدام الزوارق، والغطس، والرحلات الشاقة، وغيرها من الأنشطة. وتُعدّ المغامرات من أكثر الأنشطة إثارة وقبولاً في ساندهيرست. وأثناء مراحل التدريب المختلفة، تُقدم النصائح المختلفة للطلاب، ولكن يعتمد نجاح أو فشل أي من الرحلات التدريبية، على المبادرة الذاتية، وسعة الأفق، وشجاعة الطلاب أنفسهم.

وفي هذا الصدد، يقول الأمير خالد في كتابه"مقاتل من الصحراء": "يرتكز أسلوب التعليم في ساندهيرست إلى تحويل كل نشاط عسكري إلى مجموعة من الإجراءات تسمى "إجراءات العمل المستديمة". فسواء أكان الأمر متعلقاً بالمشي، أم بإطلاق النار، أم بتفكيك أجزاء السلاح، أم بإصدار الأوامر، أم باستخدام اللاسلكي، أم بقراءة الخرائط، أم بكتابة تقديرات عسكرية، أم بالقتال، أم بأخذ الأسرى، فثمة أسلوب صحيح متفق عليه للتعامل مع كل أمر من هذه الأمور. هناك قواعد دقيقة تحكم كل حركة وسكنة وكل شاردة وواردة. فكل شيء يتم تعليمه بالأسلوب نفسه وإن اختلف الموضوع. تُعطى في البداية شرحاً نظرياً، يليه تطبيق عملي، ثم يُطلب منك أداء العمل، وأخيراً يخضع أداؤك للتقييم. وتتكرر هذه الخطوات إلى أن تتقن الأداء. وتُراقب مهارة الطالب في كل مرحلة لمعرفة مدى اقترابه من المستوى المطلوب. فإذا لم يحقق ذلك المستوى، فإنه يعيد فصلاً دراسياً أو فصلين أو يُفصَل آخر الأمر من الأكاديمية نهائياً.

الهدف النهائي من كل تلك القواعد مساعدة الضابط على السيطرة على نفسه وعلى رجاله في مواقف المعركة المشحونة بالإجهاد والذعر. ويوضح هذا الهدف جون كيجان John Keegan، وهو معلم سابق في ساندهيرست ومعلق عسكري، في كتابه القيّم "وجه المعركة"، الذي نُشِرَ في لندن عام 1976 حين يقول: "إن الهدف، هو تحويل إدارة الحرب إلى مجموعة من القواعد ونظام من الإجراءات. وبذلك تتحول الأفعال الفوضوية الغريزية إلى أعمال مرتَّبة ومنطقية".

ولا شك أن التغلب على الخوف الغريزي من الموت والاحتفاظ برباطة الجأش تحت النيران مع القدرة على اتخاذ القرارات السريعة، كلها أعمال تتطلب قدراً هائلاً من القدرة الجسدية والعقلية. وهذه صفات لا يُفْطَرُ عليها معظم الناس، بل يقتضي الأمر اكتسابها وتنميتها".

7. التعليم الأكاديمي

تُعدّ الدراسات النظرية المهنية جزءاً لا يتجزأ من دورة التأهيل، إذ تلازم الضابط طيلة حياته العملية. فيتعرف الطلاب، خلال الدارسة، على القضايا المهمة، التي تُعد من المبادئ الجوهرية للضابط حديث التخرج، حتى ينجح في عمله. وفي شؤون الدفاع والشؤون الدولية، يدرس الطلاب، الظروف السياسية والاستراتيجية، التي تحدد السياسات الدفاعية والأمنية، ويتم التركيز على العلاقات الدولية، وأصول سياسة الدفاع البريطانية، والأبعاد الدستورية والاجتماعية للعلاقات العسكرية المدنية. ويتناول قسم الدراسات الحربية Department of War Studies، النظريات الحربية وتحليل أنواعٍ مختلفة من الحروب، في ضوء دراسة بعض الحملات الحديثة. ويتم التركيز، بوجهٍ خاص، في الحروب الشاملة والمحدودة، والمناورات الحربية، وحالات العصيان، وحفظ السلام. ويهدف قسم دراسات الاتصالات Communication Studies Department، إلى ضمان اكتساب الطلاب المهارات الأساسية في الاتصالات، كتابةً ومشافهةً. ولتحقيق ذلك الهدف، تستخدم وسائل محاكاة Simulation متعددة، وتُجرى تدريباتٍ باستخدام أشرطة فيديو، إضافة إلى أداء البيانات العملية. كذلك، يتعلم الطلاب كيفية إجراء المقابلات، والمشاورات، والمفاوضات، علاوة على الوقوف على كيفية عمل وسائل الإعلام.

وتتم كافة البرامج الدراسية بساندهيرست، ضمن مجموعات دراسية صغيرة، يراعى خلالها مشاركة الطالب ومدى إيجابيته في المناقشة. وحيث أن 85% تقريبا من طلاب الأكاديمية البريطانيين، من خريجي الجامعة، فليس من الصعب تحقيق ذلك!

7. الألعاب والأنشطة الرياضة والترفيهية

تشجع الأكاديمية الطلاب، على ممارسة سلسلة واسعة من الأنشطة الرياضية. فإضافة إلى ألعاب الرجبي، والكريكت، والهوكي، وكرة القدم، يمكن للطلاب ممارسة الاسكواش، والسباحة، والجولف، والراكيت، والتجديف، والتنس، والملاكمة، والعدو. وبالنسبة للمهتمين بالرياضة الميدانية، فهناك الصيد بالكلاب، والصيد بالشباك، وصيد الأسماك. وهناك نادي للفروسية. ولمن يطلبون مغامرات أكثر إثارة، هناك رياضة المظلات والتزحلق، وتسلق الجبال، والاستكشاف، والرياضات المائية، وبناء الأكواخ، والرحلات الشاقة، والإبحار بعيداً عن الشاطئ في قوارب الأكاديمية، والتزلج على المياه. وهناك مجموعة من الأندية، التي يديرها الطلاب أنفسهم، يوجد بها جميع الأنشطة الرياضية الممكنة. كما يوجد في ساندهيرست العديد من الأندية "الداخلية"، التي تُمارس فيها لعبة البريدج، إضافة إلى حلقات النقاش، والرسم، والتصوير، والتمثيل والإخراج المسرحي للهواة، وغير ذلك.