إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



تابع الملحق الرقم (5)

د. رسالة من والي الشام سليمان باشا

إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

من سليمان والي أقاليم الشام من طرف الدولة العثمانية أيّدها الله إلى يوم القيامة وثبتها على عقيدة أهل السنة والجماعة، إلى سعود بن عبدالعزيز.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وآله الطيبين الطاهرين ومن يتبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فقد وصل إلينا كتابكم المرسل إلى سلفنا يوسف باشا المنبئ عن أحوالكم كما لا يخفى، وقرأناه، وفهمنا معناه وفحواه، وما ذكرتم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فعلى غير ما أمر الله ورسوله من الخطاب إلى المسلمين، بمخاطبة الكفار والمشركين، وهذا حال الضالين وقسوة الجاهلين كما قال تعالى:سورة آل عمران، الآية: 7 فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ، وأما نحن أهل الجماعة والسنة من الملة المحمدية نؤمن ونقر بتلك الآيات الشريفة القرآنية والأحاديث النبوية، ولكن نقرأها على الكفرة الفجرة، لا على الملة الإسلامية، فإن ذلك يوجب كفراً بإجماع الأئمة الأربعة، وبهذا إن اعتقادكم غير اعتقاد أهل السنة والجماعة. وكذلك فيما أرسله عليان الضبيبي(*) الحاوي للافتراق والشبهات، وإننا بحمد الله والمنة على الفطرة الإسلامية، والاعتقادات الصحيحة، ولم نزل بحمده تعالى وتوفيقه، عليها نحيا، وعليها نموت، كما قال تعالى:سورة إبراهيم، الآية: 27 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ .

فظاهرنا وباطننا بتوحيده تعالى وصفاته كما بيّن في كتابه، قال تعالى:سورة النساء، الآية: 36 وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

وقال تعالى:سورة النساء، الآية: 59 أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .

وقال تعالى:سورة الأنفال، الآية: 4 أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا .

وقال عليه الصلاة والسلام: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وكما قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، فنحن بحمد الله وتوفيقه معاشر أهل السنة والجماعة متمسكون بالكتاب والسنة، قائمون بالأركان الإسلامية والإيمانية، آمنا بالله وبما أُنزل إلينا، ولا نشرك به شيئاً، نُحِلّ ما أحلَّ الله، ونحرم ما حرم الله، وأطعنا على ذلك إمام المسلمين سلطاننا، وولاتنا، ونقاتل أعداء الدين كأعدائنا، فنحن مسلمون حقاً، وأجمع على ذلك أئمة المذاهب الأربعة ومجتهدو الدين المحمدي من الكتاب والسنة.

وأما طلبكم منا أربعة من علمائنا، أو إرسال مطوعيكم لأجل المباحثة والمناظرة، فقد وقع ذلك مرات من غيرنا، وقد تبين الرشد من الغيّ، وحصحص الحق، والحق أحق أن يتبع، وماذا بعد الحق إلا الضلال. وهذا ما قيل وما يقال والتزلزل محال. وأما ما اعترينا وما ابتلينا به من المعاصي والذنوب، فليست أول قارورة كسرت في الإسلام، ولا يخرجنا من دائرة الإسلام، كما زعمت الخوارج من الفرق الضالة، الذين عقيدتهم على خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة من الملة المحمدية، وقد بشرنا الله تعالى بآيات لا تعد ولا تُحصى، وكذلك سنن الهدى، بما يكفرها ويمحوها، وما يوجب حدودها وردّ مفاسدها، قال تعالى:سورة هود، الآية: 114 إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .

وقال تعالى:سورة الرعد، الآية: 22 وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ .

وقال تعالى:سورة النساء، الآية: 48 إن اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .

وقال تعالى:سورة التوبة، الآية: 102 وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ .

وقال : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وقد وقعت الحدود الشرعية في زمن خير الورى، وجرت إلى زماننا هذا، ونحن بحول الله تعالى نقيمها كذلك إلى ما شاء الله تعالى، ولا عصمة لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا لسان الملة الإسلامية وعقيدة أهل السنة والجماعة، قال تعالى:سورة فاطر، الآية: 32 فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وكل ميسر لما خلق له، فمسيره كالجهل والفتنة، قال تعالى:سورة التوبة، الآية: 97 الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ .

أنتم أعراب سكان البادية، فئة نجدية، فئة مسيلمة الكذاب، اعتقاداتكم محدثة وبدعة، قوم جهلة بقواعد أئمة الدين أهل السنة والجماعة، أنتم طائفة باغية، خوارج عن اعتقاد أهل السنة والجماعة السلطانية، فإن كانت شهوتكم في إعانة الإسلام بالمقاتلة والمعاندة، فقاتلوا أعداء الدين الكفرة الفجرة، لا الملة الإسلامية، ولا افتتانها، قال عليه الصلاة والسلام: المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه. وكيف تخاطبون أهل الإسلام مخاطبة الكفار، وتقاتلون قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قال : الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وقال تعالى:سورة فاطر، الآية: 8 أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ، وقد قال : من قال إن الناس هلكوا فهو أهلكهم كما في الحديث … فأي حالة أسوأ وأضل وأعظم ظلماً من قتال المسلمين، واستباحة أموالهم وأعراضهم، وعقر قراهم من نواحي الشام، التي هي خيرة الله في أرضه، وتكفير المسلمين، وأهل القبلة والتجري على ذلك، وعلى مخاطبة المسلمين بما خوطب به الكفار؟، فلم يُسمع ذلك من أئمة الدين إلا من الفرق الضالة. وكيف تدَّعون العلم وأنتم جاهلون، بل أنتم خوارج، في قلوبكم زيغ تبغون الفتنة، وتريدون الملك بالحيلة، وقد خلت أمثالكم زائلة، والأمور بأوقاتها مرهونة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، واحتسبنا بالله وتوكلنا على الله، ويكفيكم عبرة قصة الشيخ النجدي، ونسبتكم إليه، ومسكنكم واديه، وتكفينا شامنا، وعزة ربه، فإن كان لكم فهم ورشد وهدى، يكفيكم هذا القدر من الكلام مختصراً، فارجعوا إلى أوطانكم كما كنتم، وكفُّوا شركم من قريب وبعيد، فلا بأس عليكم، وإلا فنغمد سيوفنا فيكم، واحتسبنا بالله عليكم، قال تعالى:سورة الحجرات، الآية: 9 فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ . وجزاء الذين يسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا في شريعة الله، والسلام على من اتبع الهدى وترك الفتنة والأذى.

حرر في شهر رجب سنة 1225


(*) د. منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية، الجزء الثالث، عهد الإمام سعود الكبير،  ص218-221، نقلاً عن (تاريخ جودت) باللغة التركية.