إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) التقرير الذي أقره المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث في العراق عن حرب أكتوبر
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 11 - 19 "

والثاني من المعركة، مساحات من اراضي الجولان، وجدت نفسها، ودون حسابات متوقعة من جانب القيادة السورية، محاطة بشبكة معادية من الدفاعات الصاروخية الارضية المقاومة للدروع، بالاضافة الى السلاح المدرع للعدو، مما أنزل خسائر جسيمة جداً بالقوات المدرعة السورية.

          وعندما اجتاز العدو صدمة الضربة الاولى، وتمكن من حشد احتياطه، شن على القوات السورية هجوماً مضاداً جعلها تتراجع حتى أصبح العدو على مشارف مدينة دمشق، وباتت الجبهة بكاملها معرضة لانهيار خطير. وإذا أخذنا بالاعتبار الطبيعة التكتيكية التي ارادها النظامان المصري والسوري للحرب، فان احتلال دمشق كان سيؤدي إلى كارثة عسكرية وسياسية بالنسبة لهما، وبالنسبة للموقف العربي الرسمي الرافض لمنطق اسلوب الحرب الطويلة الأمد تلك الحرب التي لا يكون لاحتلال الارض والمدن أهمية حاسمة في نتائجها الاسترايجية.

          لقد وصلت طلائع القوات المدرعة العراقية في الوقت الذي كانت دمشق فيه مهددة بالاحتلال الوشيك، وفي الوقت الذي كانت الدوائر الرسمية وقسم كبير من الاهلين يعدون فيه العدة لمغادرة دمشق، بتبليغ رسمي من الحكومة السورية، وكما اعترف بذلك مسؤولون سوريون، فاستطاعت باستبسالها ان تدفع العدو الى الوراء. كما استطاعت القوات العراقية، بتدفقها المتزايد ابان المعركة وبعنفوانها القتالي، الذي شهد به الاعداء، قبل الاصدقاء، ان تثبت الجبهة الشمالية امام هجمات العدو الواسعة والهستيرية والتي زج فيها بقدرات عسكرية هائلة. وبعد تكامل القوات العراقية على الجبهة، كانت قد استعدت تماماً للمباشرة بهجوم شامل على الجبهة لتحرير الجولان. وكانت ساعة الصفر المقررة لذلك الهجوم هي الساعة الثالثة من صباح يوم 23/10، غير ان الحكومة السورية، طلبت تأجيل الهجوم، ثم اعلنت في يوم 24 موافقتها على وقف اطلاق النار.

          إن الدور الحاسم الذي لعبه القطر العراقي على الصعيدين العسكري والسياسي، بعد تأميم حصة اميركا في شركة البصرة، ومن ثم تأميم حصة هولندا في الشركة المذكورة، والعنفوان القتالي الرائع الذي ابدته القوات العربية على الجبهتين الغربية والشمالية، والهبة الجماهيرية العارمة التي انطلقت في طول الوطن العربي وعرضه مساندة للمعركة، ودفعا لها الى أمام، خلقت موقفاً مختلفاً تماماً عن النتائج التي كانت قد خططت لها الانظمة التي أعدت "طبخة حرب التحريك".

          لقد اصبحت المصالح الاميركية في المنطقة معرضة الى تهديد خطير، ووجدت الانظمة الرجعية والوسطية نفسها مضطرة الى اتخاذ مواقف تبدو متشددة من حيث الظاهر، وكانت الاوضاع في الساحة العربية تبشر بولادة جديدة معمدة بالدم لحركة الثورة العربية وقضية الوحدة العربية.

          وخوفاً من هذا التطور الخطير، تضافرت اطراف عديدة لتطويق الموجة الثورية العارمة بالسعي الى وقف اطلاق النار، والعودة الى حلبة المساومات مع العدو الصهيوني والامبريالية الاميركية.

          ان الجهات التي بنت خطة المعركة على اساس "التحريك " والانتقال، في ما بعد، الى المساومة، كانت لها رغبة ومصلحة اكيدتان في وقف اطلاقه النار والظهور، في الوقت نفسه، امام الجماهير بمظهر الذي قاتل وحقق " نصرا" وان كان جزئياً. وكان للامبريالية الاميركية والرجعية مصلحة اكيدة ايضاً في ذلك، خوفاً من التطور الثوري في الاوضاع العربية. اما الانظمة الوسطية الاخرى، فانها كانت تريد تبرئة ذمتها من المسؤولية القومية، والتخلص من الاعباء الثقيلة التي يفرضها عليها استمرار الحرب.

          ولا بد من الاشارة الى مسألة الخرق الذي حدث في الجبهة الغربية. ان نتائج هذا الخرق ادت الى خلق نوع من " التعادل " في الموقف العسكري والسياسي الجديد، بعد ان كان الموقف خلال الايام العشرة الاولى من الحرب لصالح العرب تماماً. وقد أدى ذلك، ايضاً، الى اضعاف الموقف السياسي للانظمة، حتى في اطار السعي الى " الحل السلمي"، مما جعل العدو يرفض الانسحاب الى خطوط 22 تشرين الاول [ اكتوبر] في الجبهة المصرية قبل الجلوس على مائدة المفاوضات مع العرب المعنيين، برغم كل التنازلات التي قدمتها الحكومة المصرية له وللامبريالية الاميركية. وهكذا، وبرغم اثر الحرب على الاوضاع في المنطقة، فان المسألة الاساسية في نظر الانظمة، اي الانسحاب من كل الاراضي المحتلة عام 1967 والاعتراف بالحقوق المشروعة لشعب فلسطين، لم يجر حولها حتى الآن، اي كل او بحث جاد.

          وتشير المعلومات العسكرية المتوفرة ودراسة موازين القوى على الجبهة الغربية اثناء الحرب، الى ان عملية الخرق هذه لا يمكن تبريرها بأسباب عسكرية صرف. وهناك عدة احتمالات تنطوي على مغزى سياسي خطير:
          1 - ان الخطة العسكرية المصرية لم تتضمن غير صفحة واحدة، هي اجتياز القناة والتمركز على شريط ضيق في ضفتها الشرقية. اي ان القيادة المصرية لم تخطط لاحتمالات التقدم شرقاً، كما لم تخطط لاحتمالات رد فعل استثنائي من جانب العدو، كما حصل فعلا في عملية الاختراق. ويكشف هذا الاحتمال الجانب السطحي والخاسر، في النهاية، في النظرة التكتيكية الى المعركة العسكرية، تلك النظرة التي انطلقت منها الانظمة.

          2 - ان العنفوان القتالي الذي اظهرته القوات المسلحة المصرية في الايام العشرة الاولى من الحرب، اصيب

<4>