إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) التقرير الذي أقره المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث في العراق عن حرب أكتوبر
المصدر:"الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 11 - 19"

يتم عبر سلسلة من مناورات التغطية والخداع المعروفة.

         4 - ان تأثير الجانب العسكري الذي كان زمامه - اثناء الحرب - بيد النظامين المصري والسوري، يسير باتجاه الضعف تدريجياً، وفي ظل وقف اطلاق النار وسيادة جو المساومات والتنازلات، وامساك الرجعية بزمام الموقف.
         ومن الجهة الاخرى، فان ما حققه الجانب العسكري من ايجابيات اثناء الحرب، لن يكون بنفس القدر من الناحيتين المادية والمعنوية في حالة استئناف القتال. فالعدو الصهيوني الذي كانت الحرب مفاجأة له، والذي ارتكب اخطاء جسيمة في تقدير الموقف، وبخاصة بالنسبة لقدرة القوات المسلحة العربية وكفاءتها القتالية، بات يدرك هذه المسائل جيداً، ويحتاط لها. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، فان المقاتل العربي الذي اندفع ببسالة خارقة في 6 تشرين الاول [اكتوبر]، بهدف التحرير، لن يندفع بنفس الحماسة والاقدام في معارك يعرف مسبقاً انها جزء من التسويات التي يجري في نهايتها التنازل عن حقوقه ومصالحه الاساسية.

          5 - ان " المرونة " التي كان يبديها العدو الصهيوني حتى حرب تشرين الاول [ اكتوبر]، بصدد الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967، تختلف من قطر الى آخر. فبالنسبة الى سيناء، كان هناك، منذ البداية، قدر واضح من " المرونة " النسبية في ما عدا شرم الشيخ وغزة وشريطاً ساحلياً. وبالنسبة الى الضفة الغربية، كان هناك، ايضاً، قدر من " المرونة" عبر عنه مشروع آلون، وحتى مشروع حسين المسمى بالمملكة المتحدة الذي هو ليس ببعيد عن الاوساط الاميركية والصهيونية. اما بالنسبة للجولان، فلم يبد العدو اي قدر من المرونة بشأن الانسحاب منها. ومن الواضح ان مواقف العدو الصهيوني السابقة لحرب تشرين الاول [اكتوبر]، لن تبقى على ما كانت عليه تماماً. فالظروف الجديدة يمكن ان تسفر عن تغيير في هذه المواقف، ولكن مهما بلغ هذا التغيير من مدى، فان من غير المتوقع ان يصل، في اطار الظروف والمؤشرات الراهنة، الى درجة الانسحاب الكامل، مما يعني السماح للعدو باغتصاب قدر من الاراضي التي احتلها في - حزيران [يونيو] 1967. وتبرز هذه النقطة في الجولان اكثر من غيرها من المناطق. وتشكل هذه الحقيقة عنصر إحراج خطير للنظامين السوري والمصري. فبرغم كل محاولاتهما الرامية الى تصوير التسوية وكأنها تحقق شيئا مهماً، فانهما لا بد ان يصطدما، في مرحلة من مراحل التسوية، بهذه الحقيقة المرة والصعبة جداً. ويبلغ الامر درجة كبيرة من الحساسية والخطورة بالنسبة للحكومة السورية، لاعتبارين اساسيين: اولهما وجود حزب البعث العربي الاشتراكي على رأس الثورة في القطر العراقي، وادعاء النظام السوري تمثيله للحزب، وثانيهما، التراث الوطنى في سورية الرافض للصلح مع اسرائيل ولاي تنازل عن الحق العربي في فلسطين، فكيف اذا شمل التنازل جزءاً من الارض السورية نفسها؟!

         6 - بالاضافة الى ما يكتنف مسألة الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967 من صعوبات بالغة، وبرغم ان الانظمة مستعدة للتنازل عن الاراضي الفلسطينية المغتصبة قبل عام 1967 والاعتراف بالكيان الصهيوني، فانها ستواجه معضلة " حقوق الشعب الفلسطيني " ضمن الاطارات والمفاهيم الرائجة في الاوساط الرسمية العربية والدولية لهذه الحقوق. فالنظام الاردني يعتبر نفسه ممثل الشعب الفلسطيني. وفي الوقت نفسه، هناك المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تبرز كممثل للفلسطينيين وسعي بعض اجنحتها وقياداتها الى ان تكون هي الطرف الذي يجلس الى مائدة المحادثات في جنيف. ويتطلب الامر وقتاً طويلا، وجهوداً بالغة التعقيد قبل ان تصل الانظمة الى حل لهذه المعضلة، وما يمكن ان يتفرع عنها من ازمات.

         7 - ان اميركا لن تحاول الضغط على اسرائيل بالقدر الكافي الذي يدفعها الى الانسحاب من الاراضي المحتلة، بالشكل الذي يمكن للانظمة ان تقبله وتبرره امام الشعب، على ما في ذلك من صعوبات ومخاطر كبيرة، الا اذا حصلت علي مواقع اكيدة داخل النظامين المصري والسوري، وشعرت بالاطمئنان الى مستقبل مصالحها الستراتيجة الخطيرة في المنطقة. ويعني ذلك تغييرات جوهرية في سياسة الحكومتين السورية والمصرية الداخلية والخارجية، وفي الكثير من اوضاع المنطقة. وبرغم استعداد النظامين المصري والسوري لاجراء تنازلات كثيرة في جميع المجالات امام اميركا والرجعية العربية، تبقى هناك حدود لا يستطيعان تجاوزها بسهولة، وبخاصة النظام السوري. فهناك الثورة في القطر العراقي التي تشكل عاملا معوقاً وفاضحاً لاي اتجاه من هذا النوع، وهناك القوى والاوساط التقدمية في هذين القطرين، وفي الوطن العربى عموماً. ويتطلب ذلك - فيما لو تم - صراعاً داخليا في هذين القطرين بالغ الصعوبة والتعقيد، كما يتطلب زمناً ليس بالقصير.
         هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، فان الادارة الاميركية الحالية لا تمتلك القدرة الكافية على الضغط على اسرائيل، بسبب ضعفها وحاجتها الى مساندة الصهيونية الاميركية. وهذه النقطة تزيد الموقف تعقيداً، او تؤدي اما الى ضعف الضغط الاميركي على اسرائيل، وبالتالي صعوبة الوصول الى تسوية يمكن ان تقبل بها الانظمة، او مطالبة الانظمة بمواقف وسياسات لصالح اميركا، لا تجد الانظمة نفسها قادرة علي تلبيتها بالشكل الذي تريده

<8>