إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
المصدر:"الوثائق الفلسطينية العربية لعام،1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 438 - 446"

تعكير السلام وارهاب الآخرين. ولان هنالك بينكم، وأعني الولايات المتحدة الاميركية وغيرها، من يمون عدونا بطائراته وقنابله وكل أدوات الفتك والتدمير، ويقف منا موقف العداء، ويعمد الى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الاميركي، وعلى حساب رفاهيته، وعلى حساب الصداقة التي نتطلع اليها مع هذا الشعب العظيم الذي نكن له ولتجاربه في النضال من اجل حريته ووحدة أراضيه، كل تقدير.

          وانني لأنتهز هذه المناسبة لأتوجه الى الشعب الاميركي وأخاطبه من مكاني هنا، ان يقف مع شعبنا الشجاع المناضل. ان يقف مع الحق والعدالة. ان يتذكر بطله جورج واشنطن الذي ناضل لاستقلال اميركا وحريتها، ويتذكر ابراهام لنكولن الذي وقف مع المحرومين والمعذبين، ويتذكر وصايا ويلسون الاربع عشرة والتي يتبناها شعبنا ايماناً بهذه المبادئ الانسانية العظيمة.

          وأتوجه الى الشعب الاميركي وأتساءل: هل هذه التظاهرات المعادية التي تنطلق في الخارج هي وجهه الحقيقي، وما هي الجريمة التي ارتكبها شعبنا ضد الشعب الاميركي؟
          لماذا هذا الوجه المعادي؟ هل هو لصالح اميركا؟ هل هو لصالح الجماهير الاميركية؟ حتماً لا. وأرجو ان يتذكر الشعب الاميركي ان صداقته مع أمتنا العربية هي اهم، وهي أبقى، وهي أنفع.

          سيدي الرئيس،
          ان شرحنا لجذور قضيتنا نابع من ايماننا بأن العودة الى اصول القضايا التي تشغل العالم أمر ضروري عند تلمس الحلول لها. وهذا منهج نطرحه على السياسة الدولية لتأخذ به بعد ان عانت الكثير وعانت الشعوب معها من محاولات تجاهل الاصول والقفز عليها او إنكارها رضوخاً واستسلاماً للامر الواقع.

          ترجع جذور المشكلة الفلسطينية الى اواخر القرن التاسع عشر، او بكلمات اخرى الى ذلك العهد الذي كان يسمى عصر الاستعمار والاستيطان وبداية الانتقال الى عصر الامبريالية، حيث بدأ التخطيط الصهيوني - الاستعماري لغزو ارض فلسطين بمهاجرين من يهود اوربا، كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لافريقيا، في تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاة الاستعمار القادمين من الغرب الى افريقيا وآسيا و اميركا اللاتينية، للاستيطان، واقامة المستعمرات، وممارسة أشد اشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث. انها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الافريقي، وكذلك في فلسطين.

          وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون افكار " التمدين والتحضير " لتبرير الغزو والنهب والعدوان في افريقا وغيرها، كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين بموجات المهاجرين الصهاينة. وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون الدين واللون والعرق واللغة لتمرير عملية استغلال الشعوب واخضاعها بالتمييز والتفرقة والارهاب في افريقيا، كذلك استخدمت هذه الاساليب لاغتصاب الوطن الفلسطيني، واضطهاد شعبه، ومن ثم تشريده، وكما استخدم الاستعمار، وقتئذ، المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنار عدوانه ومرتكزات للاستيطان، كذلك استخدم الاستعمار العالمي والقادة الصهاينة اليهود المحرومين والمضطهدين في اوروبا كوقود للعدوان ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري. ان الايديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب، استخدمت في الوقت ذاته لاقتلاع اليهود من جذورهم في اوطانهم المختلفة ولتغريبهم عن الامم.

          انها ايديولوجية استعمارية استيطانية عنصرية تمييزية رجعية تلتقي مع اللاسامية في منطلقاتها، بل هي الوجه الآخر للعملة نفسها. فعندما نقول ان تابعي دين معين، هو اليهودية، اياً كان وطنهم، لا ينتسبون الى ذلك الوطن، ولا يمكنهم ان يعيشوا كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين من الطوائف الاخرى، فان ذلك التقاء مباشر مع دعاة اللاسامية. وعندما يقولون ان الحل الوحيد لمشكلتهم هو ان ينفصلوا عن الامم والمجتمعات التي هم جزء منها عبر تاريخ طويل، ثم يهاجرون ليستوطنوا ارض شعب آخر ويحلون محله بالقوة والارهاب، يأخذون من غيرهم الموقف نفسه الذي اخذه دعاة اللاسامية منهم.

<3>