إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 438 - 446"

في بناء الانسان الفلسطيني المؤهل لبناء المستقبل الفلسطيني، وليس فقط لتعبئته لمواجهة تحديات الحاضر.

          وتعتز منظمة التحرير الفلسطينية بأنها وهي تخوض المعارك المسلحة، وتواجه قساوة الارهاب الصهيوني، قامت بمآثر عديدة حضارية وثقافية، فشكلت مؤسسات البحث العلمي، والتطوير الزراعي والرعاية الصحية واحياء التراث الحضاري لشعبنا، وتطوير الفولكلور الشعبي، وخرجت من بين صفوفها عدداً من الشعراء والفنانين والكتاب الذين يسهمون في تطوير الثقافة العربية، وربما امتد ذلك الى الثقافة العالمية. وكان المحتوى لكل ذلك يحمل طابعاً انسانياً عميقاً أثار إعجاب كل الاصدقاء الذين اطلعوا عليه، وكنا بذلك النقيض لعدونا الذي قام على هدم الحضارة والثقافة بترويج الافكار العنصرية والاستعمارية وكل ما هو معاد للشعوب والتقدم والعدل والديمقراطية والسلام.

          السيد الرئيس،
          لقد اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها من طليعتها في التضحية ومن قيادتها للنضال بكافة اشكاله، واكتسبتها من الجماهير الفلسطينية التي أولتها قيادة العمل واستجابت لتوجيهها، واكتسبتها من تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية. وقد تدعمت هذه الشرعية بمؤازرة الامة العربية كلها لها. كما تكرس هذا الدعم في مؤتمر القمة العربي الاخير بتأكيد حق منظمة التحرير الفلسطينية في إقامة السلطة الوطنية المستقلة على كل الاراضي الفلسطينية التي يتم تحريرها بصفتها الممثلة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني.

          كما ان شرعيتها تعمقت من خلال دعم الاخوة في حركات التحرر ودول العالم الصديقة المناصرة التي وقفت الى جانب المنظمة تدعمها وتشد ازرها في نضالها من اجل حقوق الشعب الفلسطيني.

          وهنا، لا بد ان اعلن بكل اعتزاز شكر ثوارنا وشعبنا للمواقف المشرفة التي وقفتها مع نضال شعبنا دول عدم الانحياز، والدول الاشتراكية، والدول الاسلامية، والدول الافريقية، والدول الصديقة في اوروبا، وكذلك الاصدقاء في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.

          سيادة الرئيس،
          ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بهذه الصفة المعبرة عن رغبات واماني هذا الشعب، وهي بهذه الصفة تنقل اليكم تلك الرغبات والاماني وتحملكم مسؤولية تاريخية كبيرة تجاه قضيتنا العادلة.

          سيادة الرئيس،
          لقد تعرض شعبنا لويلات الحرب والدمار والتشريد سنين طويلة، ودفع شعبنا من دماء ابنائه وارواحهم ما لا يتعوض بثمن، وعانى من الاحتلال والتشريد والنزوح والارهاب ما لم يعان منه شعب آخر. ولكن ذلك كله لا يجعل شعبنا حاقداً يحلم بالانتقهام، كما انه لا يجعلنا، يا سيادة الرئيس، نقع في سقطة عدونا العنصرية، او نفقد الرؤية الحقيقية في تحديد اعدائنا واصدقائنا.

          اننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود، وكل انواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية.

          سيادة الرئيس،
          انني ثائر من اجل الحرية، واعرف أن كثيرين من الجالسين في هذه القاعة كانوا في مثل المواقع النضالية التي اقاتل منها الآن، واستطاعوا من خلال نضالهم ان يحولوا احلامهم الى حقائق. انهم شركائي في الحلم اذن. من هنا أسألهم ان نمضي في تحويل الحلم المشترك بمستقبل السلام في هذه الارض الفلسطينية المقدسة الى حقائق ساطعة.

          لقد وقف المناضل اليهودي اهود اديف في المحكمة العسكرية الاسرائيلية قائلا: انا لست مخرباً، انا من المؤمنين باقامة الدولة الديمقراطية على هذه الارض. انه الآن في غياهب سجون الزمرة العسكرية الصهيونية مع زملاء له.

          ويمثل الآن، امام هذه المحاكم ذاتها، امير شجاع من امراء الكنيسة المسيحية هو المطران كبوجي. انه يرفع اصابعه بعلامة النصر - شعارثوارنا - ويقول: " انني أعمل من اجل السلام في فلسطين، ليعيش الجميع على ارض السلام بسلام ". وسيلقى هذا الامير الراهب المصير ذاته في غياهب السجون.

          فلماذا لا أحلم، سيادة الرئيس، وآمل، والثورة هي صناعة تحقيق الاحلام والآمال. فلنفعل معاً على تحقيق الحلم في ان أعود مع شعبي من منفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي واخوانه في ظل دولة واحدة ديمقراطية، يعيش فيها المسيحي واليهودي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء.

          ألا يستحق هذا الهدف الانساني النبيل ان اناضل من اجل تحقيقه مع كل الشرفاء في العالم؟ ولعل أروع ما في هذا الهدف العظيم هو انه من اجل فلسطين، ارض القداسة والسلام، ارض الاستشهاد والبطولة.

          لقد ناضل اليهود، يا سيادة الرئيس، في اوروبا وهنا في اميركا، من اجل أوطان لا طائفية تنفصل فيها الدول عن الكنيسة، وقاتلوا ضد التمييز على اساس الدين. فكيف يمكن لهم ان يرفضوا هذا النموذج الانساني المشرف على الارض المقدسة، ارض السلام والمساواة؟ وكيف يمكن لهم ان يستمروا في دعم اكثر دول العالم انغلاقاً وتمييزاً وتعصباً.

          انني اعلن امامكم هنا، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائد للثورة الفلسطينية، اننا عندما نتحدث عن آمالنا المشتركة من اجل فلسطين الغد، فنحن نشمل في تطلعاتنا كل اليهود الذين يعيشون الآن في فلسطين ويقبلون العيش معنا في سلام ودون تمييز على ارض فلسطين.

<8>