إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) التقرير السياسي الأساسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 4، ص 653 - 671"

(يونيو) بحرب شعبية تمتزج فيها مهمات الطوابير النظامية بحرب العصابات الشعبية ضمن القانون العام لحروب التحرير الشعبية في مراحله الثلاث: الدفاع، التعادل، الهجوم، لإحراز النصر عبر حرب طويلة الأمد تعتمد على النفس، قاسية ومضنية، وعالية التضحيات على امتداد الأرض الفلسطينية والعربية حيث مواقع ومصالح الامبريالية الصهيونية. أو الاختيار الآخر بانتهاج طريق التراجع المتصل أمام قوى الثورة المضادة، والقبول بقرار مجلس الأمن التصفوي. وقد اختارت البورجوازية الصغيرة الاختيار الذي يتفق مع مصالحها وامتيازاتها الطبقية والأيديولوجية والسياسية، لان الطريق الفيتنامي له ثمنه الباهظ - مجموع امتيازاتها الطبقية والسياسية. وبالطبع فقد باركت أنظمة نكبة 48، أنظمة الإقطاع والبورجوازية الكبيرة هذا الاختيار واندفعت على طريقه. وإذا اتخذ بعضها مواقف المزايدة الديماغوجية فحماية للمصالح الاستعمارية - البترولية خاصة - في بلده، وهو ما يكفي لفضح زيف هذه الديماغوجية القذرة.

         وحركة التحرر الوطني الفلسطينية (بكافة فصائلها وفي اطاراتها البشرية الأساسية) هي من ذات التكوين الأيديولوجي والطبقي والسياسي لحركة التحرر الوطني العربية التي تقودها البورجوازية الصغيرة. وهي، في الوقت ذاته، تمثل حلقة من أضعف حلقات حركة التحرر الوطني في المنطقة بفعل العديد من الخصائص الذاتية والموضوعية، وعلى رأسها ملابسات القضية الفلسطينية، والتجمعات البشرية الواسعة غير الإنتاجية في صفوف شعب فلسطين المتشرد - وليس هنا مجال البحث في هذه الخصائص. وهذا ما سمح للبورجوازية الكبيرة الفلسطينية وبعض العناصر الإقطاعية أن تبقى متمتعة بأوضاع قيادية في الحركة الوطنية، رغم انها قد حكمت على نفسها قبل 48 وبعد 48، بحكم أوضاعها ومصالحها وارتباطاتها الطبقية والسياسية، بالفشل والعجز الكامل عن حماية الوطن وقيادة حركة الكفاح الوطني المسلح وغير المسلح.

         من هنا نلمس ظاهرة اساسية في حركة التحرر الفلسطينية، ففي الوقت الذي تمكنت البورجوازية الصغيرة القائدة لحركة التحرر العربية من تصفية قوى الإقطاع والبورجوازية الكبيرة عن أية مواقع قيادية في الحركة الوطنية وتعرية تحالفات وانحيازات هذه القوى للاستعمار والامبريالية. فقد فشلت البورجوازية الصغيرة الفلسطينية التي أخذت تلعب دورا بارزا في قيادة الحركة الوطنية بعد 48، فشلت في تعرية وإزاحة هذه البورجوازية الكبيرة العاجزة عن ممارسة أي دور وطني حقيقي وبقي لها موطئ قدم توظفه باستمرار بالاستيلاء على قيادة حركة التحرر الوطني أو تطويعها لافاقها ومصالحها الأيديولوجية والسياسية الطبقية - لهذا كله - وعلى امتداد الفترة التالية على حزيران (يونيو) 67، فقد تمكن اليمين الرجعي الفلسطيني، مدعوما من اليمين الرجعي العربي، أن يتمدد على جبهة حركة المقاومة في ظل شعارات ديماغوجية براقة ليقفز على رأس حركة المقاومة ويقودها ضمن آفاقه الفكرية والسياسية التي تخدم في التحليل الأخير مصالحه ومصالح الرجعية العربية، وتطمس معالم طريق "الخلاص الوطني الفلسطيني والعربي من الاحتلال الامبريالي- الإسرائيلي. وهذه السياسات ذاتها لا تخدم، في التحليل الأخير والنتيجة، حركة المقاومة، بل تحولها إلى مجرد ورقة تكتيكية ضاغطة على الجماهير العربية من جهة لكبح اندفاعتها الوطنية الثورية، وعلى معسكر الامبريالية - الصهيونية من جهة أخرى لتقليل حجم التنازلات وصولا الى تسوية قرار مجلس الأمن التصفوي والذي يتهدد مجمل القضية الفلسطينية بالتصفية. ان الإطارات البورجوازية الصغيرة التي تقود فصائل حركة المقاومة، بحكم مواقفها الأيديولوجية والسياسية المتذبذبة والمترددة، وبحكم بعدها عن الرؤيا السياسية الوطنية الجذرية للوقائع والأحداث، وبحكم سيادة أيديولوجية اليمين الرجعي في قطاع هام منها، فشلت من انتشال نفسها، ومعها حركة المقاومة، من بحر الممارسات الخاطئة التي قادت اليها حركة المقاومة.

         وبرغم صور الكفاح الرائعة، وارتفاع الروح المعنوية لدى أبناء فلسطين والأمة العربية، فان قيادات حركة المقاومة البورجوازية الصغيرة والكبيرة قد وضعت حركة المقاومة في مأزق تاريخي صارم حولها إلى ورقة تكتيكية ضاغطة تنتظر مصيرها كجزء لا يتجزأ من التسوية السياسية المنتظرة!

طريق الخلاص الوطني

         ان حركة الكفاح المسلح ستفرز، بالضرورة، عملية جدل أيديولوجية وسياسية تتكلم بصوت مسموع في

<17>