إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5،ص 441 - 444"

         تاسعا: وكانت أزمة مخيم نهر البارد هي أعجب الأزمات التي اصطنعتها بعض أجهزة السلطة اصطناعا وحاولت أن تجعل منها سببا في تفجير صدام عنيف بين قوات الأمن من جهة والمواطنين الفلسطينيين في المخيم من جهة أخرى. وقد بدأت هذه الأزمة المدبرة باتصال هاتفي بين ممثل فتح في بيروت ومندوب السلطة العسكرية الرائد سامي الخطيب تم على أثرها الإذن ببناء غرفة لقيادة الكفاح المسلح في مخيم نهر البارد. إلا أن ممثل الحركة هناك اتصل يقول إن السلطة قد داهمت المخيم وأمرت بوقف البناء. مرة أخرى عاد ممثل الحركة في بيروت واتصل بالرائد المذكور الذي كرر موافقته على الاستمرار في البناء ووعده بإبلاغ ذلك إلى السلطة العسكرية في منطقة الشمال.

         وحين جرى استئناف العمل بالبناء في أعقاب الاتصال الثاني عادت السلطة من جديد وداهمت المخيم وقامت بعملية الاعتداء المعروفة.

         هذه هي حقيقة أزمة نهر البارد .. عناصر السلطة المشبوهة تأذن بالبناء .. ثم تعود فتعترض .. ثم مرة أخرى تعود لتعترض من جديد وتختلق أسباب الصدام وافتعال الفتنة وهكذا لم يعد عندنا شك في أن العناصر المشبوهة في قيادة الجيش تخطط عن عمد وبوعي تام وسابق إصرار وتصميم على خلق ظروف للصدام الدموي بين قوات الجيش والفدائيين لتتمكن في ظل هذه الظروف من تحقيق مخططاتها في السيطرة والتسلط. وقد تذرعنا كعادتنا دائما بضبط النفس غير المحدود لمواجهة هذه المؤامرة والمحاولات الشرسة لإشعال نار الفتنة. لنفوت على هذه الفئة أغراضها وأطماعها.

         عاشرا: أما عن مجزرة مجدل سلم فقد بدأ الحصار بقيادة العميد انطون سعد والعميد أحمد زكا في وادي السلوقى .. وتفاديا للصدام المسلح انسحبت مجموعات الفدائيين إلى مجدل سلم إلا أن الحصار استمر ستة أيام خانقة كانت السلطة الحاكمة تصر فيها على أحد خيارين: الاستسلام أو تدمير القرية تدميرا كاملا ولقد رفضت السلطة العرض الذي قدمه لها أهل مجدل سلم في أن يفتحوا طريقا لانسحاب الفدائيين. ولقد فوجئنا بتحرك الجيش وبحجم القوات المتحركة ونوعيتها إذ بلغت لواء مشاة تدعمه المدرعات. فأرسلنا مندوبين من كبار المسؤولين العسكريين في الحركة للاتصال بالمجموعات المحاصرة والاطلاع على الموقف والاتفاق على حل .. إلا أن السلطة اللبنانية استعملت أسلوب المراوغة، فبعد أن منحتهما إذنا بالدخول إلى المنطقة المحاصرة أوحت إلى قواتها هناك بإهانتهما وإعادتهما ومنعهما من الوصول إلى منطقة القتال حتى يتسنى لها إحاطة الموضوع بالكتمان الشديد.

         ومن أجل مزيد من التكتم حول خبر تطويق الفدائيين والاعتداء عليهم قامت السلطة التي أزعجها الإعلان الصادر عن منظمة التحرير بهذا الخصوص بتعطيل الصحف اللبنانية التي نشرت هذا الخبر متذرعة كذبا بأن هناك اتفاقا مشتركا بيننا وبينها على الصمت.

         حادي عشر: أما عن رواية الاتصالات والمفاوضات والاتفاقات بين ممثلي الثورة الفلسطينية والسلطات اللبنانية، فإنها رواية مختلقة وليس لها أساس. فلم يكن بيننا وبين السلطة سواء في الجيش أو الحكومة أو الشعبة الثانية أي اتفاق سابق. إن المحاولة الوحيدة للاتفاق كانت محصورة بالاتصالات التي تمت اثر حوادث نيسان (أبريل) المعروفة .. تلك المحاولة التي جاءت تصرفات المسؤولين المشبوهين في الجيش ورسالة الرئيس شارل حلو لتقضى عليها.

         غير أن العناصر التي تدعي الوطنية في الشعبة الثانية في الجيش اللبناني استغلت حرصنا على عدم الانزلاق إلى المهاترات الإعلامية فبادرت إلى خداع الجماهير اللبنانية وتضليلها وعزلها عن حقائق القضية بادعاء واختلاق روايات خيالية من الاتصالات والاتفاقات المزعومة.

         ثاني عشر: ولقد كنا نحسب أن رئاسة الجمهورية اللبنانية وباقي المراجع السياسية الحاكمة ستحرص على تفهم حقيقة الأمور وملابسات المجزرة التي نفذتها الفئة العسكرية المشبوهة من وراء ظهر بعضها وبالتواطؤ مع بعضها الآخر، إلا إننا فوجئنا مرة أخرى بأن رئاسة الجمهورية اللبنانية كان همها في كل ما بعثت به من رسائل إلى رؤساء الحكومات العربية تغطية لتحركات هذه الفئة المشبوهة ورفض التحقيق بكل ما قامت به من مجازر.

         غير انه مهما اجتهدت هذه المراجع الحاكمة في التبرير والتغطية والتنصل فإن ثمة حقيقة بارزة لا يمكن طمسها ولا التستر عليها وهي ان عناصر من الجيش اللبناني قامت بأمر من ضباط لبنانيين معروفين بتوجيه سلاح لبناني عربي إلى صدور مناضلين عرب متجاوزة باستهتار وحدة المصير والنضال العربيين في وجه العدو الصهيوني بل مشاركة القوى الصهيونية والإمبريالية مخططها المفضوح لضرب العمل الفدائي وتصفية القضية الفلسطينية.

         هذه بإيجاز حقيقة الأحداث التي جرت مؤخرا في الساحة اللبنانية نكشف ملابساتها بصدق ووعي وثورية على اخوتنا أبناء الشعب اللبناني الصامد وأبناء الشعب الفلسطيني المناضل، وأبناء العروبة المتحفزين في كل مكان ليسمع الملأ صوت الحقيقة وليكون على بينة من كل المؤامرات التي تحاك لشعب لبنان في الظلام.

         لقد رفضنا ونرفض أن نتدخل في شؤون لبنان الداخلية ورفضنا ونرفض أن نتحول إلى قوة محلية يراد لها أن تلعب دورا في ميزان القوى وفي لعبة الصراع على السلطة. لقد رفضنا ونرفض كل ما من شأنه أن يجرنا بعيدا عن أرضنا المحتلة حيث يجثم عدونا الغاشم.

         إن بنادقنا ستبقى مصوبة إلى العدو الصهيوني في عكا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة ويافا والقدس وغزة وبقية مدننا وقرانا في الأرض المحتلة ولن نسمح للعدو ولا لعملائه أن يستدرجونا إلى معارك جانبية في صور وصيدا وبيروت وطرابلس.

<3>