إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تعلن الحماية على مصر
تابع (3) احتجاج الأمة المصرية على اعتراف مؤتمر الصلح بالحماية على مصر

"
وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882- 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 30 - 32"

على أنها لا تفكر مطلقا في ضم مصر أو في إعلان الحماية عليها كرها، وإنما هي ترمي في سياستها إلى استقلال هذه البلاد.

        ونهاية القول أن العقل لا يمكن أن يرتاح لقرار المؤتمر كيفما قلبه، ومهما كانت العلة التي تتخذ أساسا لتبريره حتى إذا سلم بأنه بني على حق القوي على الضعيف؛ لأن حق القوة معناه الحرب والفتح، ولا شك في أن مصر لم تكن في حالة حرب مع إنجلترا، بل كانت تحارب بجانبها، ولم تفتح إنجلترا مصر بل إن الأمر على العكس من ذلك فإن مصر هي التي ساعدت إنجلترا على فتح ما فتحته من بلاد العدو.

        نعم إن بعض الصحف قد أيدت تلك النظرية القائلة بأن الشعوب الشرقية لا يمكن معاملتها بما تعامل به الشعوب الغربية، وأن المبادئ التي أعلنت في هذا الشأن قد نشأت عنها وعود لم تحسب عواقبها، فهل يريدون التمسك بمثل هذه النظرية ليهدموا في زمن السلم تلك المبادئ السامية التي أقامت الحرب بناءها، وليسحبوا بعد نوال النصر تلك الوعود بها ممن اشترك معهم في تشييد صرحها إذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يفسروا كيفية عدم تطبيق هذه النظرية في جميع الأحوال بلا استثناء؛ فإننا نرى بعض الأمم الشرقية التي آمنت بما صدر لها من الوعود قد تحققت آمالها فعلا.

        لم يبق إلا فرض واحد لا مفر من التسليم به؛ وهو أن الشعب المصري اعتبر سلعة من السلع التي يُتجر فيها. وهذا التصرف هو الذي كان ينقده الدكتور ولسن بشدّة في خطاباته التي كان يتكلم فيها عن حق القوة وعن وجوب انقضاء عصره. لأنه تصرف جائر لا يتفق مع روح العصر الحاضر. إنه ليشق علينا أن نفكر في أن المؤتمر قد عاملنا هذه المعاملة، غير أننا لسوء الحظ مضطرون لتقرير الواقع، ومهما يكن من بواعث الاحترام الواجب لهذه المحكمة العليا، فإنه لا يسعنا إلا إثبات الواقع كما هو لأن من الأوقات والظروف ما يكون فيه خطر على الإنسان إذا هو لم يضع كل شيء في سبيل تقرير الحقيقة، لقد كان للشعوب المهضومة الحق أن تجد فيما مضى في ذلك المثل الحكيم الذي وضعه الفيلسوف روسو وهو: "إن القوي مهما بلغت قوته لا يضمن أن تكون له الغلبة عل الدوام"- ما يساعدها على التذرع بالصبر. أما الآن وقد أثبت الرئيس ولسن بأجلى بيان أن من الأمور الممقوتة التي تنفر منها الطباع أن تسود أمة على أمة، فقد بلغ كره السيادة من نفوس الأمم المظلومة أنها أضحت تفضل الفناء على البقاء في قيود الذل، ولا شك أنه ما كان لتلك المبادئ الجديدة إلا أن تصادف في مصر وسطا مستعدا لقبولها، لأن مصر بلد من سلالة كريمة المحتد نشيطة المزاج، إذا تولد فيها الأمل أثار غضبها علي الذين يناوئونها في استقلالها.

        إن الأمة المصرية لا تقبل أبدا أن تكون تلك السلعة القديمة التي تتداولها أيدي الأقوياء ولا أشك أنها اليوم بعد التصريحات التي فاه بها ذلك الرسول الجديد في عالم السياسة الذي تشف كلماته عن أسمى معاني الأدب وأرقاها، أبعد منها في أي زمن مضى عن الرضى بمثل هذا المصير، فإن مجرد خوفها من عدم تطبيق مبادئ الدكتور ولسن على قضيتها قد رفعها إلى تعريض صدور
<2>