إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

        وفى اليوم التالى ليوم وصولنا قدَمنا اللورد أللنبى كلنا إلى عظمة السلطان فكان ذلك الزيارة الرسمية وإنما تقدمتها زيارة قصيرة قابل فيها عظمته اللورد ملنر مقابلة ودية غير رسمية، وكان ذلك أول حديث من عدة أحاديث جرت لرئيسنا وبعض أعضاء لجنتنا مع عظمته، فكان عظمته يعاملنا فيها دائما بتمام الصداقة ويعرب في أثنائها بصراحة عن رأيه في الحالة السياسية بمصر والحوادث التي حدثت بها في السنوات القليلة الماضية وعن صعوبة مركزه. ولكنه امتنع عن أن يشير برأى؛ أو أن يعطى نصيحة في الموضوع الذي انتدبنا له، أي دستور مصر في المستقبل. ولم يحاول قط أن يدير زمام مداولاتنا أو أن يؤثر فيها أقل تأثير، وإنما اقتصر على النصح لنا بالتأني في استنتاج النتائج والاحتراس من الفضوليين، ودلنا على بعض من ذوي المقامات الذين يحسن بنا استشارتهم مثل رشدى باشا وعدلي باشا ومحمد سعيد باشا ومظلوم باشا وكلهم من الوزراء السابقين وكان موقفه بإزاء غرض اللجنة موقف الملتزم جانب الحياد.

        وقد كان الاحتراس أشد ظهورا من ذلك فى الوزراء - وهبه باشا ورفاقه - الذين تعرفنا بهم فى حفلة أقامها اللورد أللنبى بدار الحماية فى 11 ديسمبر والذين كنا نحن وإياهم على غاية الوداد طول مدة إقامتنا بمصر وكانوا دائما على استعداد لمساعدتنا فى بحثنا ولموافاتنا بكل أنواع المعلومات وجمعنا بكل موظف نروم مقابلته. ولم يكن ثمة ريب على الإطلاق فى رغبتهم فى تمكيننا من انتهاز كل فرصة تمكننا من معرفة نظام الحكومة وكيفية إدارتها لأعمالها ومن الاطلاع على حالة البلاد، ولكنهم كانوا شديدى العناية بتركنا وشأننا حتى نستنتج النتائج بأنفسنا، ولما طلبنا منهم صريحا أن يفصحوا لنا عن آرائهم أظهروا عدم رغبتهم فى اقتراح شئ من عندهم فى المسائل الدستورية الخارجة عن المسائل الإدارية، ولم يظهروا أدنى رغبة فى معرفة الجهة التي تتجه إليها أفكار اللجنة من جهة حكومة مصر فى المستقبل. غير أن هذا الاحتراس والتمنع اللذين بديا فى رجال الحكومة الوطنيين كانا على نقيض ما فعله جمهور الوطنيين والجرائد الوطنية فإنهم أثاروا عواصف الاحتجاج والاستنكار على اللجنة حين وصولها، ولم نكد نقيم أياما بل ساعات في القاهرة حتى رأينا الأدلة الكثيرة على وجود معارضة شديدة لها منظمة لمقاومتها، فان التلغرافات انهالت علينا معلنة عزم مرسليها على الاعتصاب احتجاجا منهم على وجودنا فى البلاد وكان كثير من هذه التلغرافات مرسلا من صبيان المدارس وتلامذتها، ولكن تلغرافات أخرى وردت من هيئات عمومية كمجالس المديريات وبعضها من موظفى الحكومة وكثير من النقابات والجماعات المتفاوتة في الأهمية وعظم الشأن. وقد بلغ عدد التلغرافات التي وردت علينا مدة إقامتنا بمصر 1131 تلغرافا كلها من هذا القبيل، ولم يصلنا غير 29 تلغراف تهنئة معظمها من أناس يعرفون بعض رجال اللجنة بأشخاصهم. أما الجرائد الوطنية فكلها ماعدا القليل النادر منها أفرغت جعبتها فى القدح والتعريض منادية بأن كل اعتراف باللجنة يؤوَل بكونه رضى عن الحالة الحاضرة، وأن كل مصري تكون له علاقة بأعضائها يرتكب جناية خيانة الوطن. واتفقت كلمة معظم الكتاب طبعا لمقتضى ذلك على أن سعد زغلول باشا المقيم بباريس هو الوكيل
<3>