إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

الذي أنابه الشعب المصري عنه، فالأولى باللجنة مفاوضته في الأمر. وأضرب صبيان المدارس والمحامون وعمال الترام عن العمل، كل فريق منهم في دوره وجعلوا يخرجون في مواكب ينضم إليها الصبية من تلامذة المدارس والغوغاء ويطوفون في الشوارع وهم حاملو الأعلام ويصيحون بأعلى أصواتهم بالدعاء على اللجنة وخصوصا اللورد ملنر، ويهتفون بالدعاء لزغلول باشا والاستقلال التام لمصر، ولم تقتصر هذه المظاهرات على الذكور بل شاركتهم فيها الإناث، فإن سيدات مصر القاهرة انتهزن تلك الفرصة فبرزن من خبائهن وركبن المركبات وطفن في الشوارع وهن يرددن ذلك النداء الحربي. وخروج مثل هذه المواكب أمر غير مألوف في بر مصر على الإطلاق، ولكنها كانت حسنة النظام فيما خلا الشغب الذي كان يحدثه صبيان المدارس والرعاع، فلولا النظام البديع الذي حافظ البوليس عليه-وكان رجال العسكرية يساعدونهم أحيانا في حفظه-لخرب الشيء الكثير في مصر، ولسفكت الدماء في شوارعها أيضا، ولكن غاية ما حدث من هذا القبيل تكسير بعض مركبات الترام ولم يقع ضرر يذكر فيما سوى ذلك. وبعد مرور أسبوع أو أسبوعين على وصولنا خف الاضطراب والإخلال بالنظام. على أنه وقع بعض التعدي على جنود من البريطانيين مدة إقامتنا بمصر وحاول المعتدون اغتيال بعض الوزراء ثلاث مرات متوالية فدل ذلك على أن العنصر المجرم كان لا يزال نشيطا وخصوصا بين فئة من الطلبة والذين على شاكلتهم.

        ولا حاجة بنا إلى إطالة الكلام عن ضروب العداوات التي قوبلت اللجنة بها، وأنواع المقاومات للغاية التي جاءت من أجلها، وإنما نذكر حادثتين من هذا القبيل لأنهما تدلان بوجه خاص على قوة التيار الذي كان الجمهور مسوقا به. ففي الأسبوع الثاني من وصولنا أرسل علماء الجامع الأزهر الذي هو معهد التعليم الديني الإسلامي منشورا إلى المعتمد السامي البريطاني أبانوا فيه حقوق مصر في طلب استقلالها التام وطلبوا خروج البريطانيين من البلاد. وهناك أسباب تحملنا على الاعتقاد أن العلماء الذين وقعوا ذلك المنشور لم يكونوا يهوون ركوب ذلك المركب السياسي وإنما ركبوه إذعانا لضغط الأساتذة والتلامذة الذين نشطت بينهم الدعوة لمعارضة البريطانيين؛ واشتد بينهم التحريض على ذلك منذ مدة، ثم تلا هذا المنشور-تصريح يشبهه مذيل بأسماء ستة من أمراء بيت محمد علي أقارب السلطان، وقد أرسل في كتاب إلى اللورد ملنر ونشر في الجرائد في الوقت عينه. ولا يبعد أن يكون أولئك الأمراء قد فعلوا ذلك لأسباب مختلفة ولكن لا ريب في أن السبب الأكبر منها هو رغبتهم في اكتساب حب الجمهور لهم بانحيازهم إلى حركة طغت على البلاد حينئذ كالسيل الجارف.

        وكان أقرب غرض للقائمين بهذه الحركة منع أعضاء اللجنة من الاتصال الودي بوجهاء المصريين الذين ينطقون بلسان أمتهم وأن يعلموا بأنفسهم قيمة الطلب المتواصل "للاستقلال التام" والطعن الدائم على الحماية، فلذلك كان مركز اللجنة دائما تحت مراقبة حراس خفيين من المعارضين، فلم يكن مصري ذو شأن يزورها حتى يبلغ خبره الصحف حالا فتحمل عليه بالإنذار والوعيد كأنه ارتكب جريمة، ثم يقصد ذلك المجرم جماعة من التلامذة إلى منزله ويستفسرون
<4>