إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

في البلاد الأجنبية. ثم استطرد إلى ذكر تعيين اللجنة الخصوصية ومقاطعة أعضائها بسبب الإصرار على بقاء الحماية، وما جرى بعد ذلك حتى أفضى الأمر إلى زيارة الوفد المصري للندن، والمناقشات التي جرت فيها، وأعلن في الختام أن الاقتراحات التي نشأت عن تلك المناقشات ستعرض على الأمة على يد رسل منتدبين لذلك، فإذا قوبل المشروع بالاستحسان عين ممثلون للمفاوضة في عقد معاهدة على القاعدة المقترحة.

        ولخلوّ هذا المنشور من الجزم يظهر أنه أضعف الحماسة التي استقبلت بها لجنة الوفد المركزية في القاهرة إعلان التسوية في بادئ الأمر، ولكن لما وصل الرسل الأربعة إلى الإسكندرية في 7 سبتمبر قوبلوا بمظاهر الابتهاج، والترحيب، وأنعش وصولهم التفاؤل في النفوس، وأرسلت لجنة الوفد المركزية رسالة برقية إلى زغلول باشا أعربت فيها عن "ثقة البلاد كلها" بالوفد وعن الحماسة الغالبة على الجمهور. ظهرت في ذلك الوقت دلائل الفتور في الجذب والدفع اللذين اعتورا علاقات البريطانيين والمصريين مدة من الزمان، ولاحت تباشير المصالحة في كل مكان.

        صحيح أن الحزب الوطني وآخرين من المتطرفين حملوا على التسوية المنوية حملة منكرة في أول الأمر، وقال الناقدون إن الاستقلال المنوي لمصر ليس استقالا حقيقيا، واحتجوا خصوصا لعدم إدخال السودان في المشروع، وقام في مقدمة المعترضين أربعة من أمراء البيت الخديو الذين وقعوا المنشور المذكور، فانتهزوا الفرصة ونظروا في الجرائد في 11 سبتمبر سنة 1920 تصريحا بأن آراءهم لم تتغير، وأنهم لا يؤيدون اتفاقا يضيق نطاق استقلال مصر، ولكن هذه المظاهرة لم تؤثر في الجمهور تأثيرا يذكر. ولما رأى أولئك الأمراء أن تلك الاقتراحات وقعت وقعا حسنا عند الناس عموما تداركوا الأمر بأن نشروا كلاما يعفو أثر ما كانوا قد نشروه قبلا.

        ولم يتصل رسل الوفد الأربعة بالعالم السياسي في مصر مطلقا، ومع ذلك بذلت العناية التامة حتى يكونوا في عملهم كاملي الحرية مطلقي الحركة. أما الخطة التي جروا عليها فكانت أنهم يدعون إليهم جماعات صغيرة من وجهاء المصريين الممثلين لقومهم لكي يجتمعوا معا ويتناقشوا في التسوية المقترحة، فإذا عادت هذه الجماعات من عندهم أبلغت الأمر إلى جماعات أخرى في الأقاليم، فترد على الرسل الأربعة قرارات الموافقة والانضمام إلى القابلين بحيث لم يمض أسبوعان على وصول أولئك الرسل حتى اتضح أن أكثرية جسيمة من العناصر الممثلة للبلاد توافق على قاعدة المفاوضات التي عرضوها عليها. ولكن أهم الشهادات الناطقة بهذا الاستحسان العام شهادة الباقين من أعضاء الجمعية التشريعية في اجتماع عقدوه لمحادثة أعضاء الوفد في 16 سبتمبر، وكان عددهم تسعة وأربعين عضوا، فقر قرار خمسة وأربعين منهم بالموافقة على الاقتراحات، وامتنع اثنان عن إعطاء رأيهما وعارض اثنان فقط فيه. ولم يستطع عضوان آخران الحضور بنفسيهما إلى الاجتماع، فكتبا يعربان عن رأيهما بالموافقة على المشروع، وعليه أيد المشروع سبعة وأربعون عضوا من الواحد والخمسين عضوا الباقين أحياء من أعضاء الجمعية التشريعية.
<47>