إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



قتل ينخفض فيها الجزاء إلى الحبس، وفي القانون نصوص عامة، تقضي صراحة، عند توافر ما نصّت عليه، أن تهبط المحكمة بالعقوبة إلى أدنى حدٍّ. والقاضي الذي يغمض عينيه عن تلك الظروف، لا يؤدي واجبه على الوجه الصحيح.

          ومن خصائص الشريعة الإسلامية السمحة، أنها تطلب من قضاة الشرع، أن يلتمسوا سُبُل النأي عن إيقاع العقاب، أياً كان مقداره، كلما وجدوا لذلك مخرجاً سليما، تطبيقاً لقاعدة "ادرأوا الحدود بالشبهات". وقد بلغ القضاء الإسلامي، في تطبيق هذه القاعدة، مبلغاً من حقّه أن يُفاخر به أنظمة القضاء الأخرى، فقد أعفى الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غلماناً من حدِّ القطع المقرر للسرقة، لأنه وجد أن الذي يستخدمهم، يُجيعهم حتى دفعهم إلى الجريمة. بل إنه أوقف هذا الحدَّ لعامٍ كاملٍ، هو عام المجاعة، الذي شحت فيه الأرزاق، وقلّت الأقوات. وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منع الحدّ خلال الحرب، بقوله الشريف: "لا قطع في السفر".

          كل هذه أدلة وشواهد، تؤكد أن شريعة المسلمين، تُقيم للظروف الملازمة للجريمة وزنها. وليس في هذا - بطبيعة الحال - تعطيل للشريعة، ولا إشاعة للفتنة، وإنما هذا كله استلهام لروح القانون، واستيحاء، وهذا كله جزء لا ينفصل عن القانون، لا يستقيم بغيره، ولا يصلح المجتمع بسواه. وفي مصر، سوابق تعين على فهْم هذا المبدأ. ففي عهد الإنجليز، حين بلغ الطغيان أقصاه، وكان إهدار دواعي الرحمة بغير تحرج ولا أناة، أعفى الحكم البريطاني عبد الفتّاح عنايت1 من عقوبة الموت، بعد محاكمة ثبت فيها أنه شارك في قتل العديد من رجالات الإنجليز، عسكريين ومدنيين، لمجرد أن أخاه المرحوم عبد الحميد عنايت، حُكم عليه بنفس عقوبة الموت، بذات الحكم، فكبر على الإنجليز أن يقتلوا شقيقَيْن في حكم واحد، وينفذوا الحكم فيهما في يوم واحد.

          كما اتهم شابان بقتل مستشار مصري عظيم، له سابقة في العمل الوطني، هو المرحوم المستشار أحمد الخازندار، فكان مبرر قتله عند قاتليه، أنه أصدر حكماً قاسياً في قضية وطنية. وكان الظنّ عند جميع الناس، أن المستشارين الذين ينظرون قضية هذين الشّابيْن، لن يقضوا عليهما بأقل من عقوبة القتل، لأن قتل قاضٍ اعتراضاً على حكم أصدره، سيلغي معنى القضاء، ويتحدى رسالته. ولكن المحكمة، التي حاكمت


1 محام ومناضل سياسي، مصري الجنسية.

<2>