إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



مراحل المفاوضات في شأن الجلاء عن مصر
5 - مفاوضات سنة 1927- 1928 (ثروت- تشمبرلن)- تابع (4) ملاحظات عامة على المشروع البريطاني

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882- 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 251-263"

          لذلك يجوز القول بأن الأحكام الرئيسية للمشروع تخالف ما جاء في مقدمته التمهيدية من مقاصد؛ ولا نزاع في أن هذه الأحكام تترك في النفس أثرا واضحا بأن الحكومة البريطانية ليس لها بمصر كبير ثقة، وأنها تلمس بما تتخذه من التدابير وأساليب الحيطة والمراقبة عين الأغراض التي تتحقق عادة بين الحليفين الحريين بالثقة وبالفهم الصحيح للمصلحة. وإذا أتيح لبريطانيا العظمى بمثل هذا المشروع أن تحرز بالفعل كل ما ترمي إليه من النتائج الحسية المقصودة فإنه الثقة المتبادلة بين البلدين لن تستفيد من ذلك شيئا. أما بريطانيا العظمى. فإن شعورها بأن مصالحها لن تصان بغير الوصايا التي جاء المشروع بها. لا بد أن يقوي على توالي الأيام، وأما مصر فإن ثقل هذه الوصاية لابد مبهظها. وإن تشعر في صميم نفسها بأي فضل لها في محافظتها على المصالح البريطانية إذ كانت في أعمالها وتصرفاتها في هذا السبيل مسيرة بإرادة الدولة الوصية لا صادرة عن وحي نفسها.

          وربما قيل إن المصالح البريطانية تتطلب التدبر والحذر. وتقتضي أن يبدأ بوسائل الحيطة ينزل عنها شيئا فشيئا إلى أن تنقطع تماما، تاركة مكانها ثقة بلتها إنجلترا وجربتها فحمدت آثارها، ولست أنكر هذه الحقيقة. بل لقد اتخذتها نبراسا لي في وضع المشروع الذي تشرفت بتقديمه، غير أني لا أزال أرى بكل احترام أن المشروع البريطاني قد تجاوز الغرض المقصود منه بما احتواه من نظام وصاية ضاغطة ومراقبة لا تني ولا تغفل لها عين.

          ولا بد في إنماء الصداقة. وجعلها قوية لا تتزعزع. بما ترتكز عليه من تداخل وتشابك في المصالح ويحوطها من ثقة واحترام متبادلين؛ من الاجتزاء بالضمانات الضرورية. وإني لمدرك جد الإدراك أن الواجب في السياسة تقدير أسوأ الفروض. ولكن لا لكي تبنى عليه المعاملات اليومية وإنما لكيلا يغيب عن النظر، وإنه ليكفي بعد تقديره. أن توفر الوسائل لاتقاء تحقق ذلك الفرض السيء أو لمعالجته إذا تحقق. ومن هذه الناحية أستطيع أن أقرر أنه ليس في المشروع الذي قدمته ما يفقد بريطانيا العظمى أي مزية محسوسة يمكن أن يكفلها لها المشروع الآخر. نعم إن المشروع البريطاني يربو على المشروع الذي قدمته في الاحتياطات ولكن ليس في تلك الاحتياطات ضمانة أكبر للمصالح البريطانية، وكل ما فيها أنها تدل على عدم الثقة وعلى الرغبة في وضع مصر تحت الوصاية.

<2>