إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (19)

نداء السلطان إلى أهل مكة وجدة(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، إلى كافة من يراه من إخواننا أهالي مكة وجدة وتابعيهما من الأشراف والأعيان والمجاورين والسكان، وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمّا بعد، فالموجب لهذا الكتاب، هو شفقتنا على المسلمين لصلاح أحوالهم في أمر دينهم ودنياهم. ولم نزل نكرر على الحسن بن علي النصائح ونحرص على ما يجمع شمل العرب لتكون كلمتهم واحدة، لكن الطبع يغلب التطبع. ولا نحتاج إلى تطويل الشرح بما انطوى عليه، لأن أكبر شاهد على ذلك ما رأيتموه منه، وشاهدتموه من أفعاله وأقواله في هذه البقعة المباركة التي هي مهابط الوحي مما ينكره عقل كل مسلم، وعلاوة على ذلك ينكره كل من يحب المسلمين ولو لم يكن منهم، فالرجل ترك مزايا الإنصاف، وهي ما انتسبت إليه من مزايا هذا البيت الكريم، وأهمل حقوق هذه البقعة المباركة في عدم اتباعه طريقة السلف الصالح التي هي شرفه وشرف المسلمين خصوصاً وشرف العرب عموماً.

ولا شك أن من ترك ما كان عليه النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وخلفاؤه وأصحابه، وهو يتسمى باسم الإسلام وخاصة إذا كان من أهل البيت الشريف، وطمح إلى غيرها من الزخارف التي هي أكبر شؤم على الإسلام خصوصاً وعلى العرب عموماً، فهو لا خير فيه، فمنذ دخل الحجاز جعل أكبر همه الإيقاع بنجد والنجديين، وقد تظاهر بذلك واضحاً منذ أن تفرد بالحكم وقبض على زمام الأمور فيه، وقد بلغ منه التهور أن منع أهل نجد قاطبة من حج بيت الله الحرام وهو أحد الأركان الخمسة.

هذا فضلاً عما يأتيه هو وعماله من المظالم والمعاملات القاسية تجاه حجاج بيت الله الحرام الذين يأتونه من مشارق الأرض ومغاربها. ومن هذه المدة قد تركنا التدخل في أمور الحجاز لأجل احترام هذا البيت، ورجاء السلم والأمان، لكنا مع الأسف لم نحظ بذلك منه. وفي هذه الأيام الماضية في سفره إلى الأردن، بانت نياته ومقاصده للمسلمين نحونا حينما طلب تجزئة بلادنا، وتشتيت شملنا حتى لقد يئسنا من الوصول إلى حسن التفاهم بجمع كلمة العرب.

ولا والله ما نعلم له شيئاً من النقمة علينا إلا كما قال الله تعالى:سورة البروج، الآية: 8.وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(*) . ولكننا ولله الحمد، لسنا متأسفين على شيء إذا سلم لنا شرفنا في أمر ديننا ودنيانا، وليس لنا قصد في زخارف الحسين وأتباعه، لا في ملك ولا خلافة ولكن غاية قصدنا وما ندعو إليه هو أن تكون كلمة الله العليا، ودينه هو الظاهر، ويسلم شرف العرب، فلذلك لحقتنا الغيرة الإسلامية والمحبة العربية أن نفدي بأموالنا وأنفسنا ما يقوم به دين الله، ويحمي به حرمه الشريف الذي أمر الله بتطهيره وتعظيمه واحترامه كما قال تعالى:سورة الحج، الآية: 26 وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(*) . وقد أرسلنا سرية من المسلمين لاحتلال الطائف لأجل القرب والتفاهم بيننا وبين إخواننا، فأحببت أن أعرض عليكم ما عندي، فإن أجبتمونا فنعم المطلوب وإن أبيتم فهذا الذي يعذرنا عند الله وعند المسلمين، وأبرأ إلى الله أن أتجاوز شيئاً مما حرمته الشريعة خصوصاً في هذا الحرم الشريف الذي قال الله تعالى فيه: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"، وحرمة هذا البيت معلومة حتى عند المشركين الأولين كما قال الشاعر:

إن الفضول تعاقدوا وتعاهدوا

 

ألا يقر ببطن مكة ظالم

وأمّا الأمر الذي عندي لكم فهو أني أقول لكم: يا أهل مكة وأتباعها من الأشراف وأهل البلد عموماً والمجاورين والملتجئين من جميع الأقطار، عهد الله وميثاقه أن نحافظ على أموالكم ودمائكم، وأن تحترموا بحرمة هذا البيت كما حرمه الله على لسان خليله إبراهيم ومحمد عليهما أفضل الصلاة والتسليم، وألا نعاملكم بعمل تكرهونه، وأن لا يمضي فيكم دقيق أو جليل إلا بحكم الشرع لا في عاجل الأمر ولا آجله، وأن نبذل جدنا وجهدنا فيما يؤمن هذا الحرم الشريف وسكانه وطرقه للوافدين إليه، الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأن لا نولي عليكم من تكرهونه، وأن لا نعاملكم بمعاملة الملك والجبروت. بل نعاملكم بمعاملة النصح والسكينة والراحة، وأن يكون أمر هذين الحرمين الشريفين شورى بين المسلمين، وألا يمضي فيهما أمر يضر بهما أو بشرفهما أو بأهلهما إلا ما توافق عليه المسلمون وأمضته الشريعة.

فهذا الكتاب شاهد لي وعلي عند الله ثم عند جميع المسلمين، وعلى ما قلته أعلاه أيضاً عليّ عهد الله وميثاقه، فهذا الذي يلزمنا ولابد إن شاء الله أن نفعل دائماً ما يسر خواطركم أكثر مما ذكرنا.

نرجو الله أن يهدينا وإياكم لما يحب ويرضى، ويصلح بنا وبكم البلاد والعباد، وأن يجعلنا وإياكم هادين مهديين، وأن يمنعنا وإياكم من سوء الفتن، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يذل أعداء دينه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

22 صفر سنة 1343

عبدالعزيز السعود


 (*) أحمد عبدالغفور عطار، "صقر الجزيرة"، مج 2، ص 745 ـ 748.

 (*) سورة البروج، الآية 8.

 (*) سورة الحج، الآية 26.