إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (34)

بيان من جلالة الملك
إلى المؤتمر الإسلامي(*)

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

أيها الإخوان:

لا أريد أن أتداخل في أعمالكم ولا أقيد حرية المؤتمر في البحث كما وعدت بذلك في خطاب الافتتاح، ولكني ألفت نظركم الكريم إلى بعض الأمور بصفتي زعيماً من زعماء الإسلام الذين ألقيت إليهم مقاليد أمور هذه البلاد.

إن الدعوة التي وجهتها إلى ملوك المسلمين وأمرائهم وشعوبهم والتي عليها أوفدت الحكومات والشعوب ممثليها تنحصر في إسعاد هذه البلاد وإنهاضها من كبوتها، وجعلها في المستوى اللائق بكرامة المسلمين دينياً وعلمياً واقتصادياً. ولقد كنت انتظر من حضراتكم كما ينتظر إخوانكم المسلمون في كل مكان أن تخطوا خطوات واسعة في هذا السبيل، ولكن يظهر أننا نحاول القيام بكل شيء في أول مؤتمر إسلامي، وأخشى أن حرصنا على القيام بكل شيء، يجعلنا نفقد كل شيء، وأفضل شيء التدرج في السير فرب عجلة وهبت ريثا.

أيها الإخوان:

إني وإن لم أحضر مجلسكم، واقف على مباحثكم بالتفصيل، فإني على اتصال دائم روحي بكم، ويهمني جداً أن تنجحوا حتى تبرهنوا للعالم أن المسلمين أهل للحياة، وأنهم يجب أن يأخذوا قسطهم من الحياة في هذا الوجود، وأن دينهم لا يحول دون رقيهم، وإن اختلفوا في الآراء والأفكار، فهم أمام المصلحة العامة كتلة واحدة لا تنفذ إليهم الأغراض والأهواء.

أيها الإخوان:

إني لا أريد علواً في الأرض ولا فساداً ولكن أريد الرجوع بالمسلمين إلى عهدهم الأول عهد السعادة والقوة عهد الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، لا شيء يجمع القلوب ويوحدها سوى جعل أهوائنا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بقعة في الأرض تصلح لهذا الغرس سوى هذه البقعة الطاهرة، التي منها بزغ شمس الإسلام، ولذا فإني أرى أن تكون الكلمة العليا، والرأي النافذ لجميع العلماء المحققين، الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وإن جميع البلدان الإسلامية مملوءة بالعلماء أولي البصيرة والخبرة، فلترسل كل أمة منهم جماعة ليقوموا بالوعظ والإرشاد وتقرير ما يجب تقريره في هذه البلاد.

كلنا يعلم أن هذه البلاد ينقصها شيء عظيم من الإصلاح دينا ودنيا، فشاركونا في ذلك نشكركم، ويشتد ساعدنا بكم. أما تركنا نسير وحدنا والوقوف موقف الناقد العاذل، فذلك لا يليق بالأخوة الإسلامية التي تربطنا جميعاً.

أيها الإخوان:

إننا لا نكره أحداً على اعتناق مذهب معين، أو السير في طريق معين في الدين، فذلك موكول أمره لعلماء الدين وحملة الشريعة، ولكني لا أقبل بحال من الأحوال التظاهر بالبدع والخرافات، التي لا يعتبرها الشرع وتأباها القطرة السليمة. لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين أو يثيروا فتنة عمياء بين المسلمين وخير لنا أن ننظر إلى صالح المسلمين ونترك هذه الأمور الجزئية للعلماء فهم أحرص منا على ذلك.

أيها الإخوان:

أرجو أن لا تضيع الفرصة الباقية قبل أن تستفيد البلاد المقدسة منكم، حتى يجيء الحج القادم وقد شعر المسلمون الوافدون أنكم قمتم بواجبكم نحو هذه البلاد. وبهذه المناسبة أقدم لكم خطتنا السياسية لهذه البلاد لترشدونا إن أخطأنا وتؤيدونا إن أصبنا:

  1. إننا لا نقبل أي تداخل أجنبي في هذه البلاد الطاهرة أياً كان نوعه.
  2. إننا لا نقبل امتيازاً لأحد دون أحد، بل جميع الوافدين لهذه البلاد يجب أن يخضعوا للشريعة الإسلامية.
  3. إن بلاد الحجاز يجب أن يوضع لها نظام حيادي خاص لا تحارب، ولا تُحارب. ويجب أن يضمن بعد الحياد جميع الحكومات الإسلامية المستقلة.
  4. النظر في مسائل الصدقات والمبرات التي ترد من سائر الأقطار الإسلامية، ووجوه صرفها، وانتفاع البلاد المقدسة منها.

هذا ما أحببت تقديمه إليكم، والله يتولانا وإياكم برعايته، ويوفقنا جميعاً لما فيه خير الإسلام وللمسلمين.

                               في 21 ذي الحجة سنة 1344


 (*) جريدة "أم القرى"، العدد 80، الصادر في 25 ذي الحجة 1344هـ/9 يوليه 1926م، ص1.