إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



جواب جلالة الملك(*)

          من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، إلى فيصل الدّويش.
          ما عرفت كان معلوماً، تذكر أنك ما كنت تحسب أنك تضرب الدرب الذي ضربت، وأن الأَقدام عليها أحكام، وأن سبب ذلك الرجل الذي دبر الله عليه ما قدر، لا شك أن الأمور كلها بيد الله، وأن الإيمان بالقدر واجب؛ ولكن الحجة به باطلة. وأما أنك ما كنت تحسب أنك تضرب الدرب الذي ضربته فأنت ما حملت بالكره ولا حديت (أي: أُجْبِرت) عليه في دينك، ولا في دنياك، وأما احتجاجك بالرجل الذي دبر الله فيه ما دبر، فهذا باطل؛ لأن ذاك الرجل، يوم كنت على جراب (اسم مكان)، نصحك أن تترك علوم الناس، وتكون في نفسك، وأنت ترفض وتأبى، إلاّ أن تترك على هواك، وتقول له: (أما تعرفني أني فيصل؟). ثم بعد ذلك {تدخلني على الله(*)  أني ما أحدك (أي: ما أُجْبرك، أو أدفع بك) على الكفر} ويأبى الله أن أحدك أو أحد غيرك على ذلك. ولكن هناك عِلمٌ ثان، لم تذكره، ولكنك قلته للناس، وهو أنك ما رحت إلاّ ذلاً من ابن سعود، يوم ذبح ابن حثلين، وربط ابن بجاد. أما ذبحه ابن حثلين وحبس ابن بجاد، فما هو بذنب يتعذر منه؛ لأن لي الحق في ذبحهم، ديناً ودنيا؛ وكذلك أفعل في كل من شق عصا المسلمين، وادّعى بما ادعوا به. وأنت تقول، يوم ذبحت ابن عمك، ابن شقير، الذي هو خيركم، يا مطير والدوشان، ديناً، إنك ما ذبحته، إلاّ عند لوازمك، وأنت راعي من رعيان أهل نجد، فكيف الأمر بولاية المسلمين وحكامهم؟ ولكن إذا نزع الله خوفه من قلوب الناس، ونزع منهم الحياء، ألهمهم الشيطان الجواب، الذي لا خير لهم فيه، ولا حجة. وكان عليك، يوم خفت على نفسك، لو كنت صادقاً، أن تأخذ زيادة توثيق بالأمان، وأنت في محلك الذي أنت فيه. أو أنك، يوم خرجت، وأتيت قريّة، سكنت وراجعت. ولكنك لم تفعل، بل عنفطت (أي: خرجت عليهم في صَلَف وشراسة) على المسلمين بالشر، وخرجت عليهم، واستحللت دماءَهم وأموالهم، والتجأت إلى الذين تعيرنا (أي: تنتقصنا) بهم أنت وربعك (أي: قومك)، تدوّر (أي تبحث) للشر على المسلمين، إلى أن أذلك الله، وطردوك وخسرت الدين والدنيا.

          ولم تقصد في إركابك هذا الوفد إلينا، إلاّ لأربعة أمور. أولاً: سد الله عليك الطُرق، وأراك عجزك ومقته فيك، ولم يبق لك حيلة تستطيع فعلها. الأمر الثاني: تريد أن تقول للناس، بعد ذلك، إذا أردت تنكر وتمكر، مرة ثانية، إنني أفعل بابن سعود ما اشتهي، ثم أركب له راعي ذلول، يأتيني منه بالذي اشتهى. والثالث: تريد أن تصدق قولك للذين خاطبتهم بمساعدتك، ولم يساعدوك، إذ قلت لهم إذا لم تعطوني مطلبي، فإني أركب لابن سعود، وأصالحه ثم أَغِير (أي: اهجم) عليكم، وأفعل بكم كذا وكذا. الرابع: تريد أن تغيظ المسلمين، لأنك يوم بدأت الشر، في نجد، وبأسبابك، قامت الناس يذبح بعضهم بعضاً، حتى ميز الله الخبيث من الطيب، وأعز الله الطيب، وأذل الخبيث. ولا بد أن أخبارهم قد بلغك إياها البشراء، الذين جاءوا إليك: الدهينة والحمدة (من رؤساء الفتنة)، فبعد أن تكلف المسلمون ما تكلفوا، ثم ساروا على ضعف في جيشهم (أي إبلهم التي يركبون)، وهم يرجون أن الله ينتقم من أهل الشر بأيديهم، وأنت تريد أن تفل حزمتهم (أي: تفرِّقهم وتنتصر عليهم) فيأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

          والآن، والله الذي قامت السماوات بعدله، إنه يوم جاءني خبر مركوبك، كأني مضروب برمح. ولكن في جهة ثانية، شكرت الله على خذلانك. أما تألمي في المركوب، فلأني ما أحب ردها، من جهة، ومن جهة ثانية، ما أحب قربك ولا إعطاءك الأمان، ولكن لتقوم الحجة، أعطيك أماناً، إن قبِلته، سلمت ذمتي؛ وإن لم تقبَله، أعان الله عليك وعلى أعوانك على الباطل. إنك تعلم بأننا ما قاتلنا الذين هم أغلى وأنفع منك أهل (السّبَلَة)، إلاّ عند تقويم الشريعة وأداء حقوق المسلمين. فإن كنت تعلم أنه بقي لك شر، تستطيع التمادي فيه، والله خير كاف. إن كنت مضطراً، كما ذكرت، فأقبِل أنت ومن تبعك من مطير وغيرهم، وأنتم في وجهي، وأمان الله على دمائكم جميعاً، إلاّ ابن مشهور والرفدي والعنوز والشمامرة أهل مبايض (اسم مكان في نجد) والعتبان الذين حَدَروا (أي: نزلوا) منا، فهؤلاء يأبى الله أن نؤمنهم، والباقون في وجهي، أعطيهم أمان الله عن دمائهم. أما باقي أموركم، فأحكم فيها الشريعة. ولكم وجهى إني ما أتعدى حكم الشريعة فيكم، فإن قبِلتم هذا فالحمد لله ـ وإني، والله، كاره له ـ وإن لم تقبلوه، فالله حسبكم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وسينصف الله منكم.

الختم الملكي

28 جمادى الثانية سنة 1348


(*) جريدة "أم القرى"، العدد الرقم 294، الصادر في 29 صفر 1349هـ.

(*) أي تقول: "أدخل على الله ثم عليك"، أسلوب دارج يقال إذا أراد إنسان أن يستشفع على آخر بوجه الله في أمر من الأمور.