إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (11)

ملخص خطاب السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل،
الذي ألقاه في الناس، بمكة المكرمة(*)

آداب القرآن

          إن الأمور كلها بيد الله وأن الله قد ضرب الأمثال في القرآن، ولم يترك شيئاً يؤدي لتأديبنا إلاّ ذكره في كتابه ولقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم ـ الذي من أحبّه فقد أحب الله ومن أطاعه فقد أطاع الله ـ يأخذ نفسه بآداب القرآن الذي نزل به أمين السماء جبريل على أمين الأرض محمد، صلى الله عليه وسلم. ولا أظن رجلاً عنده ذرة من عقل، وعَرَف ما جاء في الكتاب الكريم من الآداب العالية إلاّ قدر هذه الآداب حق قدرها، ورأى أن الخير كله في اتباع هذا الهدي الحكيم ومع ذلك ـ فلا حول ولا قوة إلا بالله ـ فقد أعطى الله الناس أمور أو سلط عليهم أحوالاً فكل يعمل لما هو موفق له (ليميز الخبيث من الطيب) و (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) قال تعالى:
سورة إبراهيم، الآية: 7. لئن شكرتم لأزيدنكم.

          وتتفاوت درجات الناس بمقدار كبحهم لجماح أهوائهم، وما جاءت الرسل إلاّ ليبينوا للناس طريق الهدى حتى يسيروا عليها ويحذروهم من الطرق الشيطانية فيبتعدوا عنها.

          وأنتم تعلمون أن رسولنا ونبينا محمداً عليه الصلاة والسلام ما جاء إلاّ ليدلنا على طرق الخير ويبين لنا السبيل الأقوم.

          جاء الرسول عليه السلام بهديه فتقبله الناس، وعملوا به ولكنكم تعلمون أن الزمان طويل، وأن الأهواء قد لعبت ولولا أن الله قد حفظ كتابه وبيته لما وجدنا من هدى الرسول الذي جاءنا به شيئاً ولكن الرسول قاللا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهو على ذلك.

الشرف بالعمل الصالح

          إن أفضل البقاع هي البقاع التي يقام فيها شرع الله، وأفضل الناس من اتبع أمر الله وعمل به وهذا ثابت محقق. فهل تعلمون قبيلة من العرب خير من قريش؟ ولو لم يكونوا أفضل العرب، لما بعث الرسول عليه السلام منهم. وهل في البلاد أفضل من مكة؟ ولو لم تكن كذلك، لما كان بيت الله فيها، ولما نشأ الإسلام والرسول فيها. أو ليس كذلك؟ أو لم يقاتل الرسول عليه السلام قريشاً وهم أهله وذووا قرباه؟ أو لم يهاجر من مكة إلى المدينة؟ أو لم يقاتل من كان بمكة؟ نعم، كان هذا وذلك، لأن قريشاً عصوا الله وأعرضوا عن الحق. أو لم يشرف بلال الحبشي وسلمان الفارسي بالإسلام؟ والأول عبد حبشي، والآخر رجل فارسي. أو لم يذل أبو لهب وأبو جهل بالكفر؟ وهما عما رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ فالشرف ليس بالحسب ولا النسب وإنما هو بالعمل الصالح.

          نعم إن هذا البيت هو شرف الإسلام الخالد، وما عمل فيه من الأعمال الحميدة يضاعف الله أجرها وما عمل فيه من السيئات ضاعف الله وزرها. ونتمنى لجميع من في هذا البيت وجواره من أهله أو ممن جاوروه أن يهدي الله قلبهم للايمان والعمل الصالح فإن هؤلاء المجاورين إذا صلحوا وعلموا الحقائق استفادوا وأفادوا المسلمين عامة.

          إن لهذا البيت شرفه ومقامه منذ رفع سَمْكه بيد سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد عظم العرب أمره في جاهليتهم فتحالفوا وتعاقدا أن لا يقر ببطن مكة ظالم صيانة لهذا البيت أن يقع الظلم فيه، وأولئك كانوا على الشرك والضلالة فهل يليق بنا ونحن المسلمون أن نقر فيه ظلماً أو نتعدى فيه حدود الله؟

دين الله واحد

          إن العقائد التي جاء بها الأنبياء من قبل ذات أصل واحد، وهي إخلاص العبادة لله وحده، وينحصر ذلك في قول (لا اله إلا الله) فلفظ (إلا الله) معناه إثبات العبادة لله وحده فكل عمل صالح إذا لم يكن مبنياً على هذا الأساس فهو باطل قال تعالى:سورة الكهف، الآية: 110فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، فدلت هذه الآية الكريمة على أن النجاة لا يكفي لها العمل الصالح وحده بل لا بد فيها من إخلاص العبادة والدعاء لله وحده من جميع المخلوقات.

ما كان يتمناه للحسين

          ووالله وبالله وتالله ورب هذا البيت ـ والمقدر كائن ـ لقد كان من أحب الأمور عندي أن الحسين بن علي في هذا البيت المبارك يقيم شرع الله ولا يعمل لأبادتنا من الوجود وإنني وقد أفد عليه مع الوافدين أحبّ (أقبّل) على يده، وأساعده في جميع الأمور على كل شيء يريده، ولكن هكذا شاءت إرادة الله ولو لم يلحق الأمر الأديان والنفوس لما أقدمنا على ما أقدمنا عليه. فقد قرر الحسين تقسيم بلادنا وتوزيعها وأصرّ عليه وأخذ يعمل له ـ وهذه جريدة (القبلة) عندكم تعرفكم عن نواياه بنا ـ فإذا كان الحسين اتى لهذه الديار مؤمّراً من قبل الترك، وأقام فيها ثم خلع طاعتهم، فنحن في ديارنا لم يؤمرنا غير سيوفنا واتباع ما أمر الله به.

          إن هذا المحل ليس بالذي يبحث فيه بالسياسة، ولكن أتذكركم بما كان يسعى له الحسين حتى اضطرنا لأن نقوم بما قمنا به نحوه من الأعمال.

ما يطلبه ويرجوه

          وصلنا لهذا الحد ـ والحمد لله ـ ولا ينفعنا غير الإخلاص في كل شيء، إخلاص العبادة لله وحده، والإخلاص في الأعمال كلها. وليس عندنا مما يتعلق بحقيقة معتقدنا غير ما رأيتموه في الهداية السنية. وقد بعثت لكم بنسختين منها والذي ابتغيه في هذه الديار، هو أن يعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية أما في الأمور الفرعية الأخرى فاختلاف الأئمة فيها رحمة.

          والكلام في هذا طويل والآن أنا بذمتكم وأنتم بذمتي والدين النصيحة وأنا منكم وأنتم مني والكلام غير الصحيح، لا يليق في هذا المقام وهذه عقيدتنا في الكتب التي بين أيديكم فإن كان فيها خطأ يخالف كتاب الله فردونا عنه،وما أُشكل عليكم منها، فسلونا عنه والحكم بيننا وبينكم كتاب الله وما جاء في كتب الحديث الستة،سورة النساء، الآية: 59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلا.

          إننا لم نطع بن عبدالوهاب ولا غيره إلا مما أيدوه بقول من كتاب الله وسنة نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم أما أحكامنا فنسير فيها طبق ما اجتهد في الإمام أحمد بن حنبل.

دحض الأكاذيب

          لقد أشاع الترك الشيء الكثير عن عقائدنا، وشنعوا عليها من قبل. وكذلك فعل من جاء بعدهم وبلغني أنّهم قالوا في جملة ما كذبوه عنا، أننا لا نصلى على محمد وأننا نعد الصلاة عليه شركاً بالله (نعوذ بالله من ذلك). أو ليست الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة وأنها لا تتم بغيرها.

          ويقولون أننا ننكر شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، معاذ الله، أن نقول هذا وإنما نطلب من الله أن يشفّع فينا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم:سورة البقرة، الآية: 255.من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنهوندعو الله أن يشفع فينا الولد الصغير ونقول (اللهم اجعله فرطاً لأبويه) ولا نطلب الشفاعة من الطفل. وأمّا محبة الأولياء والصالحين فمن ذا الذي يبغضهم منا؟، ولكن محبتهم الحقيقية هي العمل بما عملوا به، واتباع سننهم في التقوى. ومن هم أولئك الأولياء؟ هم الذين قال الله فيهمسورة الحج، الآية: 41الذين أن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. فهؤلاء هم الذين هم الذين نحبهم واقتفي آثارهم ولكننا لا نرفعهم فوق المرتبة التي يريدونها لأنفسهم ولا يريدها لهم الله هذا الذي نحن عليه وهذا الذي ندين الله به فإن كان عنكم ما ينقضه في كتاب أو سنة فاتونا به لنرجع عنه.

تعالوا لكتاب الله

          فإن كان هذا مقبول عندكم، فتعالوا نتبايع على العمل بكتاب الله وسنة رسول لله وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.

------------------------



(*) جريدة أم القرى، العدد الأول الصادر في 15 جمادى الأولى 1343هـ / 12ديسمبر 1924م، ص 2 ـ 3. اُنظر كذلك: أحمد عبدالغفور عطار، "صقر الجزيرة"، مج2، ص 789 ـ 793.