إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة، حول معركة فلسطين
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 295 - 299 "

          وانما تناولت هذه الجزئيات بالشرح لارفع الالتباس ولأبين انه لا يمكن التغاضي عن المشكلة وتجاهلها ما دام العرب موجودين وما دام ابناؤهم مشردين مقيمين على الحدود يعيشون في وضع مزر في هذا العصر الذي تحررت فيه كل الشعوب وانهارت فيه الامبراطوريات الاستعمارية وتحرر سكان افريقيا الوسطى والغربية والشرقية وحتى البلدان التي كانت ضحية الاستعمار التوطيني، كما استقلت بلدان الشرق الاوسط بأجمعه وانتهت الوصاية عليها الا شعب فلسطين المسكين الذي اعترض طريق تحرره وعد ( بلفور ) والحلفاء عند ابرام معاهدة فرساي ليخلي المكان لليهود المضطهدين الذين تألمنا لاضطهادهم من طرف شعوب كنا نظنها في مستوى ارقى من مستوى شعوب الشرق الاوسط. ونحن لا يمكن لنا أن نتساهل في حق شعب فلسطين باعتبار ان اليهود منكوبون من طرف النازية اذ لا يجوز بحال رفع مظلمة بتسليط مظلمة اخرى.

          هذا ما لم انفك أردده وهو ما قلته للامريكيين أنفسهم في نيويورك وواشنطن، وقد ذكرت لهم انه لا يليق بجمهورية كبرى كأمريكا التي تدعي حمل لواء الديموقراطية والحرية وتنادي بمبادئ نقدسها وتدعو لاعلاء كلمة الحق ان تدعم مظلمة كهذه وتنتصب لتقوية جانبها والدفاع عنها - وهو ما يعسر فهمه ويتنافي مع المنطق السليم - ثم تريح ضميرها ببذل بعض الاغذية إلى اللاجئين وبالمصادقة على ميزانية غوثهم في الامم المتحدة.

          ان للعرب كرامة هي أولى وأهم بكثير من مساعدات الارز والقمح، ومما يجرح هاته الكرامة اخراج شعب من دياره لاحلال اناس آخرين محله، فهذا ما لا يمكن احتماله من طرف اي انسان تملي عليه المبادئ مواقفه بدون اي اعتبار آخر.

          لقد قلنا انه عندما يجد الجد ستكون تونس حاضرة في المعركة بامكانياتها وان كانت متواضعة لانها دون امكانيات بلدان اخرى، بالاضافة إلى الوضع الجغرافي الذي يؤثر في هذه الامكانيات، ولو كنا اجوارا لفلسطين لكانت مساهتنا أوفر. وقد أقمنا الدليل على ذلك في حرب الجزائر الشقيقة التي بذلنا لها مساندتنا الكاملة وتعرضنا لقنابل العدو وانتقامه وينبغي ان لا ننسي نحن والشعوب العربية التي على خط النار اننا في المغرب العربي على بعد الاف الكيلو مترات من ميدان المعركة، ولذلك فان مساهمتنا تختلف عما تكون عليه لو اننا متاخمون لحدود فلسطين، كما ان اعانة شعوب الشرق الادنى للجزائر اختلفت نظرا للوضع الجغرافي: عن اعانة تونس والمغرب. ولكننا رغم المسافة مستعدون في دائرة الامكان ان نساهم بما نعتبره واجبا علينا، ثم بما من شأنه ان يرفع من معنويات الشعوب العربية ونعتبره تدعيما ومساندة لحق شعب مهضوم الجانب مقهور مغلوب على امره.

          هذا ما اردت ان الفت اليه نظر الشعب التونسي وبقية الشعوب المحبة للحرية والانصاف حتى يدرك المجتمع ان موقف تونس ليس صادرا عن تعصب او عنصرية وليس فيه حقد على اليهود، وانما هو مستوحى من مبادئ سامية لا نفكر عندما ندافع عنها ونساندها في لون من نناصرهم او في جنسهم أو موقعهم الجغرافي سواء تعلق الأمر بالجزائر أو بانغولا أو بأي شعب يكافح من أجل حريته واستقلاله. وتونس لم تنفك مناصرة لقضايا الحق والعدل والحرية.

          ان هذا الموقف لا لبس فيه، غير ان هناك بعض الدعايات صورت الفلسطينيين بصورة المعتدين رغم انهم اخرجوا من ديارهم وأوطانهم ليحتلها بقوة السلاح اناس قدموا من اوروبا بدعوى انه كانت هناك دولة يهودية قبل أربعة آلاف سنة.

          هذا هو موقفنا الذي اتخذناه منذ واحد وعشرين عاما بالضبط، على ان امر الصهاينة لم يلتبس علينا ابدا بأمر اليهود الموجودين في تونس. ومن الخطأ الظن بأن كل اليهود صهاينة او انهم يؤيدون كلهم اسرائيل. والخطر كل الخطر على قضية فلسطين اذا جعلنا منها قضية عنصرية فتتألب علينا كل العناصر الاخرى.

          ولقد كنا نحن اول من اخرج هذه القضية من اطارها العنصري فجملناها قضية استعمارية، خاصة في هذا الظرف الذي تقف فيه الشعوب الحرة ضد الاستعمار، حتى ان فرنسا نفسها التي كانت من اكبر الدول الاستعمارية تخلصت من جرثومته فأصبحت تحترم الشعوب واضحى موقفها اليوم في موقفها عام 1956. فإذا وضعنا القضية في مستوى حرب من أجل الحرية والكرامة والانعتاق كسبت مزيدا من الانصار.

          لقد قلنا لاصدقائنا ان بورقية مهما بلغ اعترافه

<2>