إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الفيصل في الحفل السنوي لتكريم وفود بيت الله الحرام(1)

أيها الإخوان الكرام:

          باسم جلالة الملك المعظم ونيابة عنه أحييكم تحية الإسلام. أحييكم في بلد الله الحرام، وفي مهابط وحيه هذا البلد الذي شع منه نور الإسلام، فانشقت حجب الظلمات، واستنارت البصائر، وحقق العدل والمساواة والأخوة، وانطلقت هذه الإشعاعات من هذه البقاع تعم أرجاء العالم بنورها، وعرفانها، وتعاليمها، وعدلها، ومساواتها، أيها الإخوة الكرام: إننا نحييكم في بلد هو وطنكم الروحي، وإننا في هذه البقاع قد شرفنا الله سبحانه وتعالى بالقيام على خدمة وفود بيت الله الحرام، وحراسة مواطن وحيه، والذب عنها، وإقامة العدل فيها، والنهوض بأبنائها؛ ليكونوا أهلاً للمسئوليات الجسام التي تنتظرهم في مستقبل الأيام، لسنا، أيها الإخوة، ندعي زعامة ولا رئاسة، فما نحن إلا إخوة في الإسلام، نرى هذه المسؤوليات امتحاناً من الباري، سبحانه وتعالى، ليميز الخبيث من الطيب، وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُه (التوبة:105) فمن عمل لله لقي جزاءه من الله.

          أيها الإخوة الكرام: منذ نشأة هذه الدولة وهي تدعوا إلى كلمة التوحيد، كلمة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" لقد شرف الله العرب بأن ابتعث منهم محمداً، صلوات الله وسلامه عليه، ولقد كان لهذا التشريف أثره في رفعة العرب، وفي تقدمهم، حتى بلغوا مشارق الأرض ومغاربها ـ بلغوها بماذا ؟ بلغوها بتحكيم كتاب الله، والإيمان بالله، والإخلاص لله، والسير على هدى الله، وسنة نبي الله. ليس للعرب فضل على أحد إلا بهذه الرسالة المباركة فهذه الرسالة جعلت من العرب أن يكونوا في خدمة هذا الدين، ولذلك حينما تنكر العرب لهذه المبادئ، ولهذه الأسس، لقوا ما لقوا من إذلال وعنف، واستعمار وظلم واحتقار.

          أيها الإخوة المسلمون: إنكم اليوم تردون إلى هذه البقاع من كل قطر في العالم، وإنكم تفدون بنية خالصة لله سبحانه وتعالى، لا لغرض دنيوي، ولا لمكسب مادي، وإنما لغاية واحدة هي حج بيت الله الحرام، وزيارة مسجد رسوله، عليه الصلاة والسلام، والتكفير عما يلحقنا جميعاً من آثام. وأرجو أن تكون نيتنا صادقة لوجهه الكريم، بأن ما ارتكبناه من آثام نعقد العزم على أن لا نعود إليه مرة ثانية.

          أيها الإخوة الكرام: إن دستورنا هو القرآن، وأن خالق البشر هو الله سبحانه وتعالى، وهو العالم بمصالح خلقه، وهو العالم بكل ما كان ويكون؛ ولذلك فقد أنزل بحكمته هذا القرآن على لسان رسوله، صلوات الله وسلامه عليه، ليكون دستوراً للعالم أجمع، ولم يفضل به أمة، على أمة، وفرداً على فرد. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات:13) فإذا كنا، أيها المسلمون، نريد أن نستعيد مجدنا، وأن نوطد أركاننا، وأن نقوم بواجباتنا، فلنَعُد إلى ما كنا عليه، وعلى الأصح، ما كان عليه أسلافنا أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تزال فئة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالف أمرهم حتى تقوم الساعة قيل مَنْ يا رسول الله؟ قال: من سار على ما أنا عليه اليوم وأصحابي.

          أيها الإخوة الكرام: إننا في هذه البلاد ندعو إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وإلى تحكيم شريعته، وإلى الإخلاص في ذلك بنية صادقة، وعزم أكيد، وإننا لعلى يقين لو أن المسلمين ساروا على هذا النهج القويم، لما كانوا في حاجة إلى أن ينظروا، ويلتفتوا، أو يفتشوا على مبادئ، ومذاهب، وأسس، تختلف تماماً عما جاء به محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهي لا تمت إلى الحقيقة بصلة. إن ديننا أيها الإخوان، يحتوي على كل ما ينفع البشر من عدالة ومساواة، وحفظ للأمن، وحسن في التعامل، وإقامة للحدود، حتى في معاملة الرجل لأهله، أو في معاملة الجار لجاره، أو في معاملة البائع للشاري، ونحو ذلك. فماذا نريد بعد ذلك؟! إذا كان المراد هو المصلحة فإن شريعة الإسلام كفيلة لكل مصلحة للبشر. أما إذا كان بين المسلمين من لم يطبق الشريعة على حقيقتها، أو لم يفهم معناها، فهذا ليس ذنب الشريعة، ولا ذنب المشرع، وإنما هو ذنب المطبق وذنب الفاهم، لماذا، أيها الأخوة، نستبدل الأسس الحقيقية بأسس أقل ما يقال عنها: إنها ليست مكتملة العناصر، لتحقيق سعادة البشر والإنسانية؟!! فإننا في هذه اللحظة المباركة التي يجتمع فيها ضيوف بيت الله الحرام، نرجو من جميع إخواننا المسلمين أن يتفهموا أمر دينهم وشريعتهم، وأن يتأسوا بنبيهم، صلوات الله عليه، وأصحابه.

          وإنَّ كل محتج بأن هذا الدين الحنيف هو حجر عثرة في سبيل التقدم، أو في سبيل الرقي، أو سبيل النهوض بالأمم، فإن حجته مردودة عليه. وهو معاند ومكابر، وبيننا وبينه كتاب الله وسنة رسوله قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم (آل عمران:64)، وهو كتاب الله وسنة رسوله.


1. أم القرى العدد 1969 في 17 ذو الحجة 1382 الموافق 10 مايو 1963

<1>