إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



          أخواني: أنا لا ألوم الأخ الغزاوي فيما تطرق إليه في موضوع السنّ، لأن السنّ له حكمه، وأرى أمامي بعض الوجوه من إخوان كنت أعرفهم في مكة أطفالاً، والآن، ولله الحمد، أصبحوا رجالاً في أكمل رجولتهم، وربما يكون بعضهم قد أصبح جداً، ولكن المسألة ليست مسألة السن، وإنما هي مسألة الإرادة والعزيمة الصادقة فابن السبعين لا يختلف عن ابن العشرين، إذا كانت العزيمة شديدة، وإذا كانت الإرادة صادقة، وابن العشرين لا يختلف عن ابن الستين؛ فيما لو، لا سمح، الله حدث انحراف أو حدث تخاذل؛ لذلك أرجو أن يكون الجميع من ابن الثماني عشرة إلى سن الثمانين متكاتفين، متعاونين على ما فيه خير هذا البلد، وهذا الشعب لخدمته بإخلاص، وعزيمة صادقة، وإيمان راسخ لا يتزعزع مع الهوى، أو المغريات أو الترهات.

إخواني:

          نحن أبناء هذا البلد، لنا تراث، ولنا تاريخ، ولنا أمجاد، فيجب علينا أن نتحرى السبل التي توصلنا إلى هذا التاريخ، وهذا التراث، وهذا المجد، فها هي السبل واضحة، فعلينا أن نؤمن بالله، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، صلوات الله وسلامه عليه. ولكن ما هو معنى الإيمان؟ هو العقيدة والعمل، ولا يكفي أن يقول الإنسان: أنا مسلم، فيكون مسلماً. أو يقول: أنا مؤمن، فيكون مؤمناً. لا يكفي أن يقول الإنسان: أنا مخلص، فيكون مخلصاً، وإنما يجب أن يعمل لذلك بجهد، ونحن لدينا أعظم وأشرف وأنبل بضاعة وهي القرآن، فما يأمرنا به القرآن يجب أن نتبعه، وما ينهانا عنه يجب أن ننتهي عنه. نحن لنا أجداد، وأمجاد، وتاريخ، وتراث، لماذا نتنصل عن كل هذا، ونلتفت يمينا وشمالاً، كأننا ليس لنا أصل، أو تراث أو تاريخ؟ ونتلمس الطرق، ونتلمس السبل، ونتلمس المناهج، ونتلمس المبادئ؟ نحن تراثنا أشرف تراث، وتاريخنا أشرف تاريخ، وأمتنا خير أمة أخرجت للناس، إنما الذي ينقصنا في ذلك هو أن ندرس هذا التاريخ، وهذا التراث، وأن نتفهم معنى شريعة الإسلام وروحها، وأن نتفهم هذه الروح، وأن نتعمق في دراستها. نحن الكثير منا، وأنا منكم، يمكن لو يأتي أي واحد من الناس ويسألنا بعض الأسئلة عمّا في شريعتنا، ونحن نقف حيارى لا نرد جواباً، أليس هذا من قصورنا نحن المسلمين. يجب علينا أن ندرس شريعتنا، ندرس ديننا، ونحن لا نقبل أبداً بأن يقال عن ديننا، وعن شريعتنا أنه دين التأخر والجمود، أو دين الانحطاط، كما يصفه بعض الواصفين المغرضين.

          ولكن - لسوء الحظ - أغلب المسلمين اليوم لا يعرفون حقيقة دينهم، وليس عندنا في هذا البلد، وإنما في كل بلاد العالم، والسبب في ذلك أنه مرت على المسلمين حقبة حكموا بالاستعمار، فصدّهم عن دراسة دينهم وشريعتهم، ووجههم وجهات أخرى لدراسة المبادئ والتيارات والأهداف التي يريد الاستعمار من ورائها القضاء على الإسلام. حاول الاستعمار أن يقضي على الإسلام بالقوة فلم يقدر،

<2>