إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (5)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
في المأدبة، التي أقامها تكريماً لرجالات اليمن
الطائف، 13/8/1965(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني، أبناء اليمن الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة الكرام

        في مثل هذه الأيام، وفي هذا المكان، من قبل اثنين وثلاثين عاماً، وقعت اتفاقية الأخوة والصداقة، بين اليمن والمملكة العربية السعودية. وإنني حين أتذكر تلك الأيام، وهذه الأيام، لأجد شيئاً من التشابه. فإذا كانت تلك الأيام، قد حملت في طياتها شيئاً من سوء التفاهم، أو الاحتكاك بين الإخوة، في اليمن وفي المملكة العربية السعودية؛ فإن التاريخ يعيد نفسه. وتحمل هذه الأيام شيئاً من سوء الفهم والاحتكاك والتنابذ، بين أبناء اليمن نفسه. ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ عودنا الخير والنعم، فأزال ما كان فيها من سوء تفاهم واختلاف، بين إخوة في اليمن وفي المملكة العربية السعودية. وهو، الآن، يمنّ علينا، ويزيل ما كان من اختلاف وسوء تفاهم، بين أبناء اليمن أنفسهم. فعلينا، الآن، أن نتخذ من الماضي عبرة ودرساً، نقتدي به كل ما نتعرض إليه في المستقبل، من شرور وآثام. وإنني، أيها الإخوة، لست في حاجة لأن أكرر ما قاله الإخوة الكرام، قبلي، الأخ أحمد الشامي، والأخ إبراهيم الوزير؛ فقد أبانوا كل شيء، وقد أوضحوا كل ما يجب إيضاحه؛ وإنما لي ملاحظة واحدة، وهي تختص بالمستقبل، فإننا، في هذه اللحظة ـ بحول الله وقوته ـ كما قال الأخ، شيعنا الماضي، بآلامه وآثامه ومآسيه وحوادثه. فعلينا أن ننظر إلى المستقبل، فماذا أعددنا له؟ يجب أن نستعد ونهيئ أنفسنا لمقابلة المستقبل، ومواجهته بإخلاص؛ وباتجاه إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفقنا، لأن نسلك سبيل الصواب؛ وأن نتناسى كل ما مر، وكل ما انتهى من آلام، ومن جروح دامية؛ وأن نكرس جهودنا لمستقبلنا الزاهر ـ بحول الله وقوته ـ لنبني، ولنشيد، ولنتقدم، ولنتطور، متكاتفين ومتعاونين، مخلصين لله ثم لوطننا، ولأمتنا، في كل ما يتطلبه منا واجب خدمة البلاد والأمة، والمحافظة على معتقداتنا، وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله، والبناء للمستقبل الزاهر ـ بحول الله وقوته.

أيها الإخوة الكرام
         إن لي رجاء واحد، وهو أن تتناسوا كل ما مرّ من آلام وأحزان؛ وأن تشدّوا على أيدي بعضكم البعض؛ وأن تنهضوا بوطنكم، غير ملتفتين إلى ما يجركم، أو يدفعكم إلى ما ليس فيه خير وطنكم، ولا خير دينكم، ولا خير أمتكم. وإنما الواجب عليكم جميعاً، أن تتعاونوا، وأن تتناصحوا، وأن تخلصوا لله، ولأنفسكم ولأمتكم، ولوطنكم. هذا ما يرجى منكم في المستقبل. وأن تأخذوا من الماضي، كما قال الأخ، عبرة ودرساً، فإن كل خلاف، وكل تنابذ، وكل تصادم بين أبناء البلد ـ ليس هو في صالحهم؛ وإنما في صالح أعدائهم، وهو السبب الأساسي لإضعافهم، وتأخيرهم عن كسب التقدم والحضارة والرقي. فأرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ مخلصاً، أن يمنّ علينا جميعاً، باتباع كتابه وسنة رسوله، وأن يجعلنا متعاونين، متكاتفين على ما فيه خير أمتنا ووطننا. وإننا، أيها الإخوة، إذ كنا قمنا بشيء من واجبنا تجاهكم، كإخوة وكأحبة، فإن هذا لا يستحق الشكر؛ وإنما هو واجب علينا. ربما أننا قصرنا في بعض الشيء، ولكن ـ بحول الله وقوته ـ في حسن أخلاقكم وأقوالكم، ما يطمننا بأنكم ستغضون النظر عما وجدتموه منا، من فتور أو نقص؛ لأنكم في بيتكم، وبين أهلكم؛ وكما قال المثل السائر: صاحب المكان لا يكرم ولا يهان. وأنتم أهل المكان، وأهل البيت، ونرجو أن تحملوا لإخوتنا في اليمن، تحياتنا وتمنياتنا، بأن يمن الله عليهم بالاستقرار والأمن والاستقلال، حتى يتفرغوا لخدمة بلدهم، وللتعاون لإصلاح ما أفسدته الفتن؛ إنّه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

آسف، أيها الإخوة، فإنني أذكر، في هذه المناسبة، بأننا، هذه الأيام، في مساع واتصالات مع إخواننا في الجمهورية العربية المتحدة، فلربما أن هذه الاتصالات، تنتج عن تفاهم، يكون فيه ـ بحول الله وقوته ـ خير لنا، ولكم، ولهم، ولعامة العرب والمسلمين. هذا ما أردت أن أذكره لكم، حتى تكونوا على علم؛ وليس القصد بأننا نبحث أو نتفاهم من وراء ظهوركم أبداً؛ وإنما هو لخيركم، أيها الإخوان، والطلب الوحيد، هو أن نسعى لما فيه خيركم وخيرنا جميعاً ـ بحول الله وقوته. هذا ما أردت أن أقوله لكم، في المناسبة الكريمة.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2084، الصادر في 23 ربيع الثاني 1385هـ، الموافق 20 أغسطس 1965م، ص2.