إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الفيصل
في حفلة افتتاح مجلس الشورى لعام 1369 الحالي
(أم القرى العدد 1320 في 4 شوال 1369 الموافق 19 يوليه 1950)

          في مثل هذا اليوم، من كل عام، نلتقي أولاً لشكر الله عز وجل، على ما أنعم به علينا، من نعم كثيرة، ثم لافتتاح عهد جديد، في حياة البلاد والأمة. ولا شك أن هذا العهد، هو عهد المسؤوليات، والواجبات، يشترك فيا الراعي والرعية، ويشترك فيها المسؤول وغير المسؤول، ولكن هذا الاشتراك، وهذه المسؤوليات، تختلف باختلاف إمكانيات المسؤولين وغير المسؤولين. وغني عن البيان أن حكومة جلالة الملك، والمجلس، والشعب مرتبطون بأوثق الروابط، من الناحية الأخوية، والدينية، والوطنية، وكل العناصر المهمة، ولكن، كما تقدم، على كل مسؤوليته، ولكل اقتداره. وهنا تفضل سمو الأمير فعرف هذه المسؤوليات، بقوله: فمسؤولية المجلس هي القيام بما يجب عليه، من توجيهات، وإقرار ما يلزم؛ لتقدم هذه البلاد والأمة، ومراقبة ما ينفذ وما لا ينفذ، وملاحظة ما تقصر عنه القوانين أو الأوامر أو القرارات.

          ومسؤوليات الحكومة، هي القيام بما يجب عليها، من إنفاذ جميع ما يتقرر، والسعي بالإصلاح من شتى نواحيه، واتخاذ أنجع الطرق لتأمين المقاصد التي من أجلها سنت القوانين، وأصدرت الأوامر.

          وواجب الرعية هو مساعدة الجهات المنوط بها أمر التنفيذ؛ لتسهيل مهمات السير، بحسب هذه الأوامر والتوجيهات، التي توجه إليهم، والتقليل، بقدر الإمكان، من إشغال الجهة المسؤولة، بما لا طائل تحته، أو الأشياء التي لا يقصد منها إلاَّ التشويش، والادعاءات التي لا نتيجة من ورائها.

          ثم قال سموه الكريم: "لا شك أنه إذا تضافرت الجهود، فإن الأمة والبلاد، بحول الله تعالى، ثم بحسن توجيه صاحب الجلالة الملك، واجتهاد وإخلاص العاملين، كل في حقله، ستبلغ الغاية المنشودة، بحول الله، فحكومة جلالته لا تزال تستهدف ما يكون فيه خير هذه البلاد، سواء في الحقل الداخلي والخارجي".

          أما من ناحية سياسة حكومة جلالته الداخلية، فهي نشر العلم، وتوسعة المدن، وتأمين المرافق الصحية بقدر الإمكان، والسهر على صحة الشعب والوافدين، وتنفيذ وإقرار المشاريع النافعة للبلاد والأمة.

          ولا شك أن الطفرة محال. ولكن المهم، في كل الأشياء، هو أن الإنسان يسلك الطريق القويم، بكل إخلاص وجد ومثابرة. ثم استعرض سموه الكريم شتى نواحي التقدم، في السنوات القليلة الماضية، فقال:

          في السنوات الماضية، حصل بعض التقدم، وإن كان ليس كل ما أريد، ولكن على كل حال، أحسن من لا شيء. من الناحية الصحية، توسعت إدارة الصحة، في ميزانيتها، وفي ترتيباتها.

          ومن الناحية العلمية، توسعت إدارة المعارف العامة، في فتح المدارس، وإيجاد الفصول النافعة فيها، وأقرت، بموافقة الحكومة، وتشجيع جلالته، فتح كليتين في هذا العام، وهما كلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، وفعلاً فتحت كلية الشريعة، وبدأت الدراسة فيها، من هذا الشهر، كما تأسست مدرسة للصناعات بجدة.

          ومن الناحية العمرانية، أنشئت بعض الطرق، وأكمل إصلاح البعض الآخر، واتخذت الأسباب للشروع في إصلاح الطريق الطائف، وسيكون الابتداء به في هذه السنة، بعون الله تعالى، والطريق الموصل بين المدينة والمطار، وإصلاح طريق جدة المدينة. وتوسيع الطريق بين مكة جدة، أو إيجاد خط آخر مع الخط الموجود، حالياً، وربما تفتح في بحر السنة، بعض الطرق الداخلية، في العاصمة، لتخفيف الضغط وتسهيل حركة المرور.

          واتخذت الأسباب لبناء بعض السدود، في الطائف؛ لحفظ المياه، ويؤمل أن يبدأ العمل بها في بحر هذه السنة.

          ومن ناحية المواصلات، قامت إدارة البرق والبريد العامة، باستحضار ما يلزم؛ لإنشاء خطوط تليفونية جديدة، تربط مكة ـ جدة ـ الطائف، والأمل أن يتم إنشاء هذه الخطوط، في بحر هذه السنة، هذا ما يتعلق بالحقل الداخلي.

          أما ما يتعلق بالحقل الخارجي، فقد قال سموه الكريم، عنه، ما يأتي:

          إن سياسة حكومة جلالة الملك، هي توطيد وتثبيت العلاقات الأخوية والودية، مع البلاد العربية. وقبل أسبوع أو أسبوعين، كانت الجامعة العربية منعقدة، واتخذت قرارات مهمة، وأهم ما حدث فيها، هو الاقتراح بالضمان الجماعي، الذي تقدمت به الحكومة المصرية، على لسان وفدها، ولاقى هذا الاقتراح الترحيب والقبول، من جميع الوفود العربية، وقد وافقت حكومة جلالة الملك، مبدئياً، على هذا الاقتراح، وهو ينظر بواسطة لجنة مختصة؛ لدراسة تفاصيله، التي توصله إلى طور التنفيذ.

          وحكومة جلالته تسعى لتوطيد العلاقات الودية، مع الحكومات الأجنبية، وبالأخص الإسلامية والشرقية، ولا تضمر لأحد سوءاً، ولا ترضى بأن يضمر لها أحد سوءاً. وعلى كل، فحكومة جلالة الملك سائرة على سياسة، تعتقد أنها حكيمة، وهي توطيد الروابط الودية، مع كل حكومة وشعب، يسعى لكسب صداقة حكومة جلالة الملك، يحدوها، في كل ذلك، الإخلاص، وليس، للحكومة غرض أو مطمع، سوى محافظة هذه البلاد على استقلالها، واستقرارها، وشد أزرها بعضها بعضاً. وعلى كل، فكلنا مسؤولون وكلنا محاسبون.

          فأسأل الله، سبحانه وتعالى، أن يوفقنا، جميعاً، لأداء ما يجب علينا، لخدمة هذه الأمة والبلاد، في ظل صاحب الجلالة، مستر شدين بإدارته الحكيمة، والله الموفق والملهم للصواب.