إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (11)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
رداً على الكلمة الترحيبية، التي ألقاها الملك الحسن الثاني، ملك المغرب
الرباط، 5/9/1966(1)


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين

يا صاحب الجلالة
         يسعدني أن أتقدم إلى جلالتكم بعظيم الشكر والامتنان، لما تفضلتم به، من كلمات صادرة عن قلب مؤمن، مخلص في دينه، وفي عمله، وفي حبه. وإنه ليسرني، أن أتقدم إلى شخص جلالتكم، لأشكر إخواني، مواطني هذا البلد العزيز، لما لاقيناه، من ترحاب صادر عن القلوب، التي يغمرها الإيمان والطهر والمحبة.

يا صاحب الجلالة
         إنني، في هذه اللحظة، التي سعدت فيها بلقائكم، في هذا البلد العزيز ـ يسرني أن أعبر لجلالتكم عما خالجني، من سرور عظيم، منذ اللحظة، التي تفضلتم، جلالتكم، ودعوتموني فيها لزيارتكم، وزيارة هذا البلد، العزيز على الجميع؛ لأنني أعلم بأن جلالتكم، يمثل الروح العالية، المؤمنة بالله، المخلصة لوطنها وشعبها، دائبين فيما تتخذونه من أعمال، في اتجاه رفعة شأن هذا البلد، والسير به إلى الأمام، إلى المقام، الذي يجب أن يمثله بين الأمم. وإنني لأُقدر، بكل اعتزاز، ما تقومون به، جلالتكم، من مجهود عظيم في سبيل دينكم وأمتكم ووطنكم. وفي هذه المناسبة، يطيب لي، أن أعبّر لجلالتكم عن شكري لما تفضلتم به، من تأييد لما نقوم به جميعاً، من مساع، تهدف في اتجاهها إلى ربط أواصر الإخوة والمحبة، بين الإخوة العرب والإخوة المسلمين.

         وإنني، يا صاحب الجلالة، لأؤكد لكم، بأن هدفنا هو هدفكم، وأن اتجاهنا هو اتجاهكم؛ وأننا ليس لنا أي غرض أو مطمع، سوى أن تتحد كلمة العرب والمسلمين، فيما فيه صالحهم جميعاً.

         وفيما يختص بما هو حاصل، اليوم، في البلاد العربية، من بعض الخلافات، فإنني أؤكد لجلالتكم، بأننا لسنا سبباً من الأسباب، ولا طرفاً من الأطراف، التي أوجدت هذه الخلافات، أو هذه التضاربات. وإننا نقول، بكل صراحة، إننا ليس لنا لدى أي عربي، ولا لدى أي رئيس عربي، أو قائد عربي، أو فرد عربي ـ أي مطلب. وليس لنا أي مشكلة. وليس لنا أي غرض من الأغراض، سوى غرض واحد، وهو التفاف العرب وتآخيهم وتعاونهم، فيما يصلح شأنهم، وفيما ينهض ببلدانهم، على اختلاف مذهبها وألوانها. وإننا نؤكد لكل الإخوة التعاون، المنبثق عن الإخلاص، الذي لا يسعى إلى التدخل في شؤون الآخرين، ولا إلى وضع الحزازات أو الأحقاد بين الإخوة، وبين العائلة الواحدة.

وإنني، بكل اطمئنان، أرحب بما تفضلتم به، من محاولتكم الكريمة، للسعي في إصلاح ذات البين، وإزالة أي مشكلة، أو أي عائق، إذا كان هناك مشكل أو عائق في سبيل التفاهم العربي، والتآخي العربي، والتعاون العربي. ولا شك أن في حكمة جلالتكم، وحسن إدراككم، ما يجعلنا نطمئن بأنكم تميزون بين الحق والباطل، وأنكم تميزون بين كل الأهداف أو الاتجاهات، التي تستهدف إيجاد الخلافات واختلاف القضايا؛ ولو أن جلالتكم تعرضتم، في بعض الأحيان، لبعض من هذه التيارات، ولكنكم تحملتوها، بصبر ورحابة صدر، وعاملتم بالحسنى من عاملكم بالإساءة؛ وذلك دليل على كرم محتدكم، ونبيل قصدكم. وإننا لنرجو من إخواننا العرب جميعاً، أن يحذوا هذا الحذو، وأن ينظر بعضهم إلى بعض نظرة الأخ إلى أخيه، ونظرة المحب إلى حبيبه، وذلك، طبعاً، في صالحنا جميعاً. وإنني لأتساءل في نفسي، ما هي المشاكل، وما هي القضايا، التي نختلف عليها فحينما؟ أتساءل هذا التساؤل، لا أجد، في الحقيقة، أية مشكلة، ولا أية قضية، يمكن الاختلاف عليها؛ إلا إذا كان القصد أننا نتنكر لعقيدتنا، أو لإيماننا، أو لشريعتنا، فإنني أعتقد أنه مطلب، يصعب تحقيقه. لأننا نفضل أن نفدي، بأنفسنا ودمائنا، دون أن تخدش عقيدتنا، أو شريعتنا، أو إيماننا بالله.

         وإنني، يا صاحب الجلالة، أحب، في هذه المناسبة، أن أوضح لجلالتكم، أن ما نسعى إليه، هو ما تسعون إليه، من إخوة إسلامية، وتعاون إسلامي، وتقارب إسلامي. أما ما قيل أو يقال، إن هناك أحلافاً، أو تكتلات، أو أن هذه الدعوة، تخضع، أو تدفع من قبل جهات، أجنبية أو استعمارية، كما يقولون ـ فإنني أؤكد لجلالتكم، بأن هذا كله عار عن الصحة. وإنني أدعو جميع الإخوان، بأن يتفضلوا، ويشاركوا في هذه الدعوة المباركة للإيمان بالله، الدعوة للتآخي الإسلامي، والدعوة للتعاون الإسلامي، لإصلاح شأن المسلمين. وفي اعتقادي، أن هذا ليس فيه مضرة على أي أحد، بل بالعكس، إن صالحنا، كمسلمين، وكعرب، يدفعنا إلى ذلك. وإن ما يقال عن أن هناك كتلاً في العالم العربي، قسم منها يمثل التقدمية والتحرر، وقسم يمثل الرجعية والتأخر، فإذا كانت التقدمية، هي الإسلام، وهي البناء، وهي العدالة، وهي رفع مستوى الشعوب، والسير بها إلى الحياة الطيبة، التي تليق بها؛ فهذا ما نؤمن به، وهذا ما نسعى إليه، وهذا ـ بحول الله وقوته ـ ما تطبقونه، جلالتكم، وما نطبقه نحن. أما إذا كانت صفة الرجعية، التي تطلق علينا، هي أننا نتمسك بعقيدتنا، وإيماننا بالله، ودعوتنا إلى التمسك بعقيدة الإسلام؛ فإنني أؤكد لجلالتكم، بأننا لن ننثني عن هذا، ولن يعوقنا عنه عائق، مهما حاول المحاولون، ومهما أراد ذوو الأهواء والأغراض، ممن هم وراء الستار، يدفعون بمن هم، الآن، على مسرح السياسة. ولذلك، فإنني أؤكد لجلالتكم، أنه ليس لنا أي هدف، ولا أي غرض في دعوتنا الإسلامية، سوى أن تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر؛ وأن يتعاون المسلمون فيما بينهم، فيما فيه صالحهم، ورفع مستوى شعوبهم، وتعاونهم الأخوي، في كل مجالات الحياة، من اقتصادية واجتماعية وثقافية. أما ما يقال عن أن وراء هذه الدعوة أغراضاً أخرى، فهذا افتراء وتلبيس. وإنني، كما قلت لجلالتكم، ندعو من يدعي هذا، بأن يتفضل، ويشترك في هذه الدعوة، ويساهم فيها، وفي القيام بها، والعمل لها؛ وحينما يجد، أن هناك شيئاً مما يقال عنها، اليوم، فما عليه إلا أن يفضح من يقوم بهذا العمل، أمام العالم كله، بالبراهين، لا بالأقوال والإذاعات والتصريحات.

         ولذلك، فإنني أؤكد لجلالتكم، بأننا نقدر كل التقدير ما تفضلتم به، جلالتكم. وإننا ـ بحول الله وقوته ـ لا نألو جهداً، مع كل ما حدث، ومع كل ما ارتكب، في أننا نسعى، ونرغب في أن تصفو النفوس بيننا وبين إخواننا، وأن نتعاون، ونتكاتف فيما فيه صالحنا جميعاً، بقلوب مخلصة، بقلوب هادفة، خالية من الأغراض، وخالية من المهاترات والتهجمات، التي لا يستفيد منها، إلا أعداؤنا جميعاً؛ فإن هناك من يتربص بنا، من استعمار وشيوعية وصهيونية، يسرها أن نكون، دائماً وأبداً، على خلاف، وأن نلتهي في بعضنا البعض، حتى نترك لها المجال، أن تسرح، وتمرح كيف تشاء؛ وهذا، ولسوء الحظ، ما هو حادث، اليوم. فإذا كنا نريد، أن نعمل مخلصين لما فيه صالح ديننا وأمتنا ووطننا، فيجب أن نشد الأيدي، بالأيدي، وننبذ الخلافات، إذا كان هناك خلافات؛ مع إنني لا أعترف أن هناك خلافات، وليس هناك قضايا بين العرب. إلا إذا كان، كما قلت، انتهاج أي دولة، أو أي بلد من البلدان، إلى نظام معين من النظم، يعتبر مشكلة، أو يعتبر قضية، وأن يترك لغير أبناء هذا البلد، وأصحاب هذا البلد، التصرف فيه، كما يشاءون. فأعتقد أن هذا، فيه شيء من الإجحاف وطمس الحقوق؛ وأنه من الحقوق الطبيعية لكل بشر، لكل بلد، أن تقرر مصيرها بنفسها؛ وهذا حق طبيعي. ولكل شعب أن يختار النظام، الذي يرتضيه. ولكل شعب أن يختار الإصلاح والتقدم، الذي يرتضيه. ولذلك، فإنني لا أرى أن هناك ما يوجب هذه الخلافات، ولا هذا التطاحن بين الإخوة، الذين يجب أن يكونوا إخوة حقيقيين، وأن يتعاونوا على ما فيه صالح أوطانهم وشعوبهم، لا أن يتعاونوا على الهدم والتخريب.

         وأرجو أن يعذرني جلالتكم، والإخوة الحاضرين، إذا كنت توسعت في هذا البحث؛ ولكنني أردت بهذه الكلمة، أن أوضح ما يمكن أن يحتمل أن يتبادر إلى بعض الأذهان، أن هناك أشياء حقيقية من الخلافات، أو أن هناك مساعي، تدفع من جهات أجنبية أو خلافها. فإنني أؤكد لجلالتكم، ولإخواني في هذا البلد العزيز، أن هذه كلها افتراءات، ليس لها من الحقيقة شيء؛ وأن كل ما نسعى إليه، هو ما تسعون إليه، وكل ما نهدف إليه، هو ما تهدفون إليه. ولذلك، فإنني ـ بحول الله وقوته ـ ستجدونني الأخ الأمين، المساعد لكم في كل ما تعزمونه. وكذلك، فإنني، كخادم لشعب المملكة العربية السعودية، أؤكد لجلالتكم، بأن شعب المملكة العربية السعودية، يؤيدكم، ويؤيد بلادكم، وينظر إليكم كإخوة، مهما كانت الشقة الجغرافية بعيدة؛ فإن القلوب مع بعضها والإحساسات مع بعضها.

         فلهذا السبب، فإن تقارب الشعبين، والبلدين، هو الأمر الطبيعي، وخلافه هو الأمر النشاز. وإننا، يا صاحب الجلالة، لنعتز بأن جلالتكم، في هذه البلاد، وأسرتكم الكريمة، تمثلون أشرف الأسر، وتمثلون النطفة الطاهرة، التي بعثها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لتكون خيراً للبشرية. وعلينا جميعاً، أن نقدر هذه الدعوة، وهذا النور، الذي انبثق من أراضي صحراء قاحلة، وشع نوره إلى أن تجاوز بلاد المغرب، إلى أوروبا. فهذا، يا صاحب الجلالة، ليس فضل العرب؛ ولكنه فضل الله على العرب، أن جعلهم يحملون هذه الرسالة، بقيادة النبي المصطفى؛ وأن تكون أمانة في أعناقنا، فإن العرب مسؤولون عن هذه الرسالة، وعن هذه العقيدة، أكثر من غيرهم؛ لأنهم حملوها من قِبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ حيث اختار من بينهم نبيه المصطفى.

         فلذلك، اسمحوا لي، يا جلالة الملك، أن أكرر شكري، وتقديري العظيم، لما تفضلتم به، وأبنتموه، وكفيتموني مؤونة سرد التاريخ، تاريخ هذا البلد العزيز، الذي كان منطلق الدعوة الإسلامية في هذه الأصقاع. ولا غرو، فإن أبناء هذا الشعب، الذين ورثوا هذه العقيدة عن أسلافهم، سيكونون ـ بحول الله وقوته ـ خير خلف لخير سلف.

         وإنه ليكفي للدلالة على ذلك، ما حاوله الاستعمار، في مدة وجوده في هذه البلاد، من أن يصرف أبناء هذا البلد عن عقيدتهم وإيمانهم؛ ولكنه عجز، ولم يتمكن من أن يغيرهم؛ لأنهم يؤمنون بالله، ولا يرضون بغير الله. فهذا ـ ولله الحمد ـ ما كانت عاقبته خيراً لهذه الأمة، بقيادة والدكم المرحوم، ثم بقيادتكم، تسير في الطريق السوي، الذي يهدف إلى المحافظة على دينها ومعتقداتها؛ وفي نفس الوقت، للتقدم بها إلى مدارج الرقي والإصلاح والعمران، الذي نراه، اليوم، ونلمسه. وسنرى ـ بحول الله وقوته ـ في مستقبل الأيام، ما يبهج صدورنا. ما دمتم، جلالتكم، سائرين على هذا الطريق السوي، وهذا الاتجاه الهادف ـ فإننا آملون ـ بحول الله وقوته ـ بأن هذا البلد، العزيز علينا جميعاً، سيصل إلى ما يصبو إليه، من رقي وتقدم وازدهار وعزة.

         وأرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يديم علينا جميعاً نعمة الإسلام، وأن يهب جلالتكم القوة، والتمكين على القيام بما حملتم به، من مسؤوليات ومهام عظيمة، ليست بالقليلة. ولكنكم ـ بحول الله وقوته ـ ستتغلبون على المصاعب، وستنالون ما تريدون، نتيجة إيمانكم بالله، وإخلاصكم في عملكم، ومحبتكم لشعبكم. وسيكون ـ بحول الله وقوته ـ هذا الشعب المؤمن خير مساعد، وخير عون لجلالتكم، في كل ما تهدفون إليه، من صالح له، ومن صالح للعرب، وللمسلمين.

         وأرجو، يا جلالة الملك، أن تقبلوا مني تحيتي وتقديري وتعظيمي لجلالتكم، وأن تتكرموا بنقل شكري وامتناني لإخوتي في هذا البلد، الذين لا يمكن أن يساعدني الحظ أو الظروف، أن ألتقي بهم؛ لأنني، في الحقيقة، شعرت أنني لست في بلدي فقط، ولست في بيتي فقط، ولكني شعرت بأكثر من ذلك. وأرجو أن تتقبلوا مني هذه التحية، لشعب المغرب الشقيق. وأرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يهب هذه البلاد، وأهلها، كل خير، وكل عز، وكل رفعة، بقيادة جلالتكم الحكيمة؛ إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2137، الصادر في 24 جمادي الأولى 1386هـ، الموافق 9 سبتمبر 1966م، ص 4.