إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 



كلمة ولي عهد المملكة العربية السعودية
في مؤتمر القمة العربية الطارئة ـ القاهرة 21 أكتوبر 2000م1

بسم الله الرحمن الرحيم

          والسلام على من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
          صاحب الفخامة الرئيس حسني مبارك
          أيها الإخوة القادة
          أيها الحضور الكرام
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          وبعد نجتمع اليوم ممثلين لآمال وآلام شعوبنا الأبية، ومن يمثل أمة لابد وأن يرتفع بهمته شرفاً وكبرياء محاكياً طموحاتها الكبيرة والمتألقة في سماء العزة والتاريخ الذي أشرق على العالم من أرضنا.

          وأقول ذلك مذكراً بالأمانة الملقاة على عاتقنا جميعاً فمن يكون الإسلام دينه والعروبة موطنه والتاريخ المضيء ملهمه لابد وأن يرفض كل طرح لا يشرف صاحبه، فالمروءة لا تتجزأ والشرف لا يتلون، والمعتقد لا يساوم عليه. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

          إنني أيها الإخوة استثير المروءة والقيم والأخلاق العربية لدى كل منكم، وقبل ذلك أسألكم بعزة الخالق، جل جلاله، أن تقفوا مع الحق ثم مع أمتكم وشعوبكم وقفة رجل واحد، ولا يضيع حق وراءه مطالب. حقنا جلي ولا يحتاج أبداً إلى إثبات.

          وإنني أعلن أمامكم وأمام العالم بأننا في المملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً ولا نرى الحل في التهميش أو القفز على واقعنا الحاضر أو في محاولة تسكين الجراح، وامتصاص الغضب العربي والإسلامي الذي نحن جزء منه.

السيد الرئيس
          
إذا كنا قد تعودنا أن نكرر في كل اجتماع أن لقاءاتنا تأتي في ظروف حرجة فإن الموقف اليوم يختلف، حيث إن الظروف التي نمر بها ليست حرجة ودقيقة فحسب بل تحمل في طياتها الكثير من النذر وتهدد باحتمالات التفجير والانزلاق في دوامة جديدة من العنف وعدم الاستقرار.

          إن الخيار أمامنا صعب ودقيق، ولكنه ليس خياراً بين استسلام مذل ومهين، وبين معركة تفرض علينا فرضاً دون أن يكون لنا أي إرادة في اختيار زمانها ومكانها، وحتى أسلحتها بل هو خيار الوقوف بإيمان بثبات وصمود متمسكين بمبادئنا وحقوقنا المشروعة وقبل ذلك بحول الله وقوته. إنه الخيار الذي يرفض الرضوخ لأي ضغوط سياسية كانت أو عسكرية، إنه خيار الاستقلالية في القول والاستقلالية في العمل.

          وفي هذا الصدد اسمحوا لي يا فخامة الرئيس أن أحدد ما يمكن أن يشكل جوانب الموقف الذي يجب علينا الخروج به من هذا المؤتمر.

          أولاً: يجب ألا تنحصر مناصرتنا للإخوة الفلسطينيين في إطار الدعم المعنوي والسياسي بل يجب أن تكون مساندتنا لهم بكل الوسائل، وعليه فإننا نقترح إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق انتفاضة القدس برأس مال قدره مائتا مليون دولار ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في الانتفاضة، وتهيئة السبل لرعاية وتعليم أبنائهم، كما أننا نقترح إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق الأقصى يخصص له ثمانمائة مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة دون طمسها، وتمكين إخوتنا الفلسطينيين من الفكاك من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

          وأعلن هنا باسم خادم الحرمين الشريفين، وباسم الشعب السعودي، بأن المملكة العربية السعودية ستسهم بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.

          كما أعلن أن شعب المملكة في مقدمته، أخي خادم الحرمين الشريفين، سيتكفل بدعم ألف أسرة فلسطينية من أسر شهداء وجرحى انتفاضة الأقصى.

          ثانياً: إن القدس الشرقية قضية عربية إسلامية غير قابلة للتنازل والمساومة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها ونعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة التي تسري عليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإن المسؤولية في الحفاظ على القدس وتحرير الأراضي المحتلة تقع علينا جميعاً، وليس هناك من أمل للاضطلاع بهذا الدور ما لم نقف صفّاً واحداً ونتجاوز الخلافات، ونقف في وجه من يحاول أن يضعف تضامننا وينشر بذور الفتنة بيننا.

          ثالثاً: إن على الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها راعية عملية السلام مسؤولية خاصة في الانهيار الذي تواجهه هذه العملية، فمعنى الرعوية يقضي من الراعي التأكد من سلامة النهج الذي تسلكه العملية السلمية ومحاسبة المسؤول عن انحرافها عن مسارها المرسوم. وقد كنا نتوقع بعد كل الإيجابية وروح الالتزام التي أظهرها الجانب العربي تجاه عملية السلام ومتطلباتها أن يجري ردع الجانب الإسرائيلي أو على الأقل توجيه اللوم إليه مقابل ما بدا منه من تعنت وما اقترفه من سلوك وممارسات تتنافى مع مبادئ وأسس مؤتمر مدريد للسلام، وتتعارض مع نصوص اتفاقاته المبرمة مع الجانب الفلسطيني.

          رابعاً: في مقابل هذا المسلك الإسرائيلي والعجز الدولي عن احتوائه ولجمه فمن الطبيعي أن يتم التوقف عن إقامة أية علاقات مع (إسرائيل) وإلغاء أي نوع من العلاقات أو الصلات التي نشأت في ظل عملية السلام التي استهانت (إسرائيل) بكل متطلباتها.. وإننا نرى ضرورة ربط أي استئناف لهذه العلاقات بإحراز إنجاز حقيقي ليس فقط على المسار الفلسطيني بل وكافة مسارات هذه العملية.

أيها الاخوة القادة
          إنني لا أزايد بما قلت فلا أبتغي من ذلك غير وجه الحق، سبحانه وتعالى، ولا أعتقد أن أيّا منا سينسى ما عاش صورة الرعب والفزع التي ارتسمت على محيا محمد الدرة قبل أن يفارق الحياة. ولا أظن أنني ما حييت سأنسى الأجساد الممزقة والعيون الجاحظة والأذرع والأضلاع المهشمة بفعل الرصاص المتفجر عندما رأيتها ممددة في مستشفيات المملكة.

          ولقد قلت ما رأيته لزاماً عليّ تجاه ديني ووطني وأمتي العربية والإسلامية، فإن أخطأت فمن نفسي، وإن أصبت فمن الحق، جل جلاله.

          واختتم هذه الكلمة مبتهلا إلى العلي القدير أن يهدينا إلى سواء السبيل، ويعيننا على السعي لتحقيق كل ما يعود بالخير والصلاح لأمتنا العربية والإسلامية، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً إنه نعم المولى ونعم النصير.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


1 ألقاها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي، رئيس وفد بلاده، أمام الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الطارئة.