إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (4)

رسالة من الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود(*)

إلى أهل بلدان العجم والروم (الفرس والترك)

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من أهل بلدان العجم والروم. أما بعد، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، ونسأله أن يصلي ويسلم على حبيبه من خلقه، وخليله من عبيدة وخيرته من بريته محمد عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التحيات وعلى إخوانه من المرسلين وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً دائمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.

ثم نخبركم أن (محمد خلف النواب) ألفى(*) علينا مع الحاج، وأقام عندنا مدة طويلة، وأشرف على ما نحن عليه من الدين، وما ندعو إليه الناس، ونقاتلهم عليه وما نأمرهم به، وما ننهاهم عنه، وحقائق ما عندنا يخبركم بها أخونا محمد من الرأس، ونحن نذكر لكم على سبيل المثال الإجمال...

أما الذي نحن عليه، وهو الذي ندعو إليه من خالفنا: أنا نعتقد أن العبادة حق لله على عبيدة، وليس لأحد من عبيدة في ذلك شيء، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فلا يجوز لأحد أن يدعو غير الله لجلب نفع أو دفع ضر، وإن كان نبياً أو رسولاً أو ملكاً أو ولياً، وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:سورة الجن، الآية: 18 وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ، وقال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:سورة الجن، الآيتان: 21 ـ 22 قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا . وقال عز من قائل:سورة الأحقاف، الآيتان: 5 ـ 6 وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ، وقال عز من قائل:سورة الأنبياء، الآية: 25 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ، وقال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه:سورة الرعد، الآية: 14 لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَـلالٍ . وقال:سورة المؤمنون، الآية: 117 وَمَـنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .

ولا يجوز لأحد أن يتوكل على غير الله، ولا يستعيذ بغير الله، ولا ينذر لغير الله تقرباً إليه بذلك، ولا يذبح لغير الله، كما قال تعالى:سورة الكوثر، الآية: 2 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، وقال:سورة الأنعام،الآيتان:162 ـ 163 قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . وقال عز وجل:سورة التغابن، الآية: 13 وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . وقال تعالى:سورة التوبة، الآية: 51 قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .

فإن قال قائل: أتوسل بالصالحين، وأدعوهم، أريد شفاعتهم عند الله، وقد يحتج على ذلك بقوله تعالى:سورة المائدة، الآية: 35 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ، قيل له: الوسيلة المأمور بها هي الأعمال الصالحة، وبذلك فسرها جميع المفسرين من الصحابة فمن بعدهم، أو يتوسل إلى الله بعمله الصالح، كما قال عز وجل إخباراً عن المؤمنين:سورة آل عمرآن، الآية: 16 رَبَّنَا إِنَّنَا ءَ امَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّار . وقال عنهم في آخر السورة:سورة آل عمران، الآية: 193 رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ، وكما في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ففرَّج الله عنهم.

وأما دعوة غير الله والالتجاء إليهم والاستغاثة بهم، لكشف الشدائد أو جلب الفوائد فهو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو الذي أرسل الله رسله، وأنزل كتبه بالنهي عنه، وإن كان الداعي غير الله إنما يريد شفاعتهم عند الله، وذلك لأن الكفار مشركي العرب وغيرهم، إنما أرادوا ذلك كما قال تعالى:سورة يونس، الآية: 18 وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، وقال في الآية الأخرى:سورة الزمر، الآية: 3 وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ولم يقولوا إنها تخلق، وترزق، وتحيي، وتميت وإنما كانوا يعبدون آلهتهم، ويعبدون تماثيلهم ليقربوهم إلى الله، ويشفعوا لهم عنده، فبعث الله رسله، وأنزل كتبه ينهى أن يدعى أحد غيره، ولا من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. وهذا هو دين جميع الرسل لم يختلفوا فيه كما اختلفت شرائعهم في غيره. قال الله تعالى:سورة الشورى، الآية: 13 شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو المعبود بحق، أو باطل، فمن عبد الله وحده لا شريك له، وأخلص الدعوة كلها لله، وأخلص التوكل على الله، وأخلص الذبح لله، والنذر لله، فقد وحَّد الله بالعبادة وجعل الله آلهه دون ما سواه. ومن أشرك مع الله آلهاً غيره في الدعوة أو في الاستغاثة، أو في التوكل، أو في الذبح، أو في النذر، فقد اتخذ مع الله آلهاً آخر، وعبد معه غيره، وهو أعظم الذنوب إثماً عند الله، كما ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك". الحديث، وقال تعالى:سورة النساء، الآية: 48 إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ، وقال:سورة المائدة، الآية: 72 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُو َ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ . وهذا هو سبب عداوة الناس لنا، وبغضهم إيانا، لما أخلصنا العبادة لله وحده ونهينا عن دعوة غير الله ولوازمها من البدع المضلة، والمنكرات المغوية، فلأجل ذلك رمونا بالعظائم، وحاربونا، ونقلونا عند السلاطين والحكام، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله فنصرنا الله عليهم، وأورثنا أرضهم وديارهم، وأموالهم، وذلك سنة الله وعادته مع المرسلين وأتباعهم إلى يوم القيامة. قال تعالى:سورة غافر، الآية: 51 إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ، وقال سبحانه:سورة الصافات، الآية: 173 وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ، وقال عن موسى صلاة الله وسلامه عليه أنه قال لقومه:سورة الأعراف، الآية: 128 اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وقال تعالى:سورة يونس، الآية: 103 ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ، وقال تعالى:سورة الروم، الآية: 47 وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ .

ونأمر رعايانا باتباع كتاب الله، وسنة رسوله، وإقام الصلاة في أوقاتها، والمحافظة عليها، وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ونأمر بجميع ما أمر الله به ورسوله من العدل، وإنصاف الضعيف من القوي، ووفاء المكاييل والموازين، وإقامة حدود الله على الشريف والوضيع. وننهى عن جميع ما نهى عنه الله ورسوله، من البدع والمنكرات، مثل الزنا والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وظلم الناس بعضهم بعضاً، ونقاتل لقبول فرائض الله، التي أجمعت عليها الأمة، فمن فعل ما فرض الله عليه فهو أخونا المسلم، وإن لم يعرفنا ونعرفه.

ونحن نعلم أنه يأتيكم أعداء لنا، يكذبون علينا عندكم، ويرموننا عندكم بالعظائم، حتى يقولوا: إنهم يسبون النبي صلى اله عليه وسلم، ويكفرون الناس بالعموم، وإنا نقول إن الناس من نحو ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأنهم كفار، وإن من لم يهاجر إلينا فهو كافر، وأضعاف أضعاف ذلك من الزور الذي يعلم العاقل أنه من الظلم، والعدوان، والبهتان. ولكن لنا في رسول الله أسوة، فإن أعداءه قالوا إنه يشتم عيسى وأمه، وسموه بالصابييء والساحر والمجنون. ونحن لا نكفر إلا من عرف التوحيد، وسبه وسماه دين الخوارج، وعرف الشرك وأحبه، وأحب أهله، ودعا إليه وحضَّ الناس عليه بعد ما قامت عليه الحجة وإن لم يفعل الشرك، أو فعل الشرك وسماه التوسل بالصالحين، بعدما عرف أن الله حرمه، أو كره بعض ما أنزل الله، كما قال تعالى:سورة محمد، الآية: 9 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ، أو استهزأوا بالدين أو القرآن، كما قال تعالى:سورة التوبة، الآيتان: 65 ـ 66 قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ . قال العلماء في هذه الآية: الاستهزاء بالله كفر مستقل بالإجماع.

وهذه الأنواع التي ذكرنا أننا نكفر من فعلها، قد أجمع العلماء كلهم من جميع أهل المذاهب على كفر من فعلها، وهذه كتب أهل العلم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم موجودة، ولله الحمد والمنة وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم.


(*) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، مجموعة رسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى عصرنا هذا،  جمع عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، الجزء الأول، كتاب العقائد، الرياض، الطبعة السادسة 1417هـ /  1996م،  ج1، ص 258-264.

(*) (ألفا أو ألفى) عامية نجدية معناها جاء أو وفد.