إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كلمة الأمير سعود في الأحساء
(أم القرى العدد 1450 في 21 جمادى الأولى 1372 الموافق 6 فبراير 1953)

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه، وهدانا صراطاً مستقيماً، فأبان لنا سبل الرشد، وأمرنا باتباعها؛ وأظهر لنا مهاوي الفساد، وحضنا على اجتنابها؛ وألف بين قلوبنا، فأصبحنا بنعمته إخوانا، والصلاة والسلام على هادي الأمم، محمد صلى الله عليه وسلم.

          وبعد: فمنذ أن وطئنا أرض هذه المنطقة الطيبة في وطننا العزيز، ونحن نرى ونسمع من الشعب الكريم على اختلاف طبقاته آيات الإخلاص والولاء؛ مما يدل على خالص المحبة، وصادق الشعور. وإن هذه المظاهر الشعبية التي قوبلنا بها أينما توجهنا، والعواطف الطيبة التي أظهرها لنا كل من قابلنا، تستوجب منا الشكر الجزيل، وتحدو بنا إلى الإغذاذ في مواصل الجهود؛ لتحقيق رغبة جلالة مولانا الملك المفدى في بذل كل غال وثمين؛ لرفع مستوى حياة أمتنا، والترفيه عنها، ونشر نور العلم في ربوعها، وبث الطمأنينة والاستقرار بين ظهرانيها، والأخذ بشتى وسائل الإصلاح في جميع مرافق حياتها؛ مهتدين بهدي الشريعة السمحاء، راجين من المولى عز وجل أن يجعل فيما نقوم به من عمل خيراً وبركة، يتمتع بها الجميع، الصغير قبل الكبير، والضعيف قبل القوي.

          هذا ولا بد أن الجميع قد اطلعوا على الخطوات الأولى التي خطوناها، في هذا الوقت القصير، في تنفيذ جزء من البرامج الشاملة التي رسمناها؛ لإصلاح شؤون أمتنا في طول البلاد وعرضها، ورفع منزلتها بين الأمم، وإحلالها المرتبة الرفيعة التي تصبو إليها. وسنتبع ذلك، إن شاء الله، بخطوات متتالية واسعة، السنة بعد السنة، والحقبة بعد الحقبة، حتى يتم لنا ما نريد بعون الله وتوفيقه.

          ونحن إذ نعمل على تشييد صرح هذه الأمة من جميع نواحيه بتوجيه حضرة صاحب الجلالة مليكنا المفدى، وتحقيقاً لرغبته السامية نحرص على أن نبني، على أسس ثابتة متينة، لا تزعزعها الأعاصير، ولا تطيح بها الأهواء؛ مما يحتاج إلى درس وتمحيص، وتحقيق وتصحيح، غير آبهين لزخارف المظاهر، أو لخادع الآمال، بل نريد أن نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا.

          وإن أعمالا هذا صفتها لكبيرة وعظيمة، وكل عمل كبير وعظيم تكتنفه المصاعب والمتاعب والتضحيات. ونحن بعون الله وتوفيقه ماضون في تحمل هذه الأعباء بصبر وأناة، وجد وحزم، ومن حقنا على كل مواطن من الشعب الكريم أن يتعاون معنا في ذلك، بأداء واجباته الوطنية كاملة، جاعلاً أساسها التمسك بقواعد الدين الحنيف، وكتاب الله الكريم، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مسترشداً بما تركه لنا سلفنا الصالح من آيات المجد والفخار، التي بنوها على الصدق في القول والعمل، والإخلاص في السر والعلانية، وحسن النية، وطهارة الطوية، وحسن الخلق.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

          على هذه الأسس القويمة المتينة ندعو أبناء هذا الوطن إلى التعاون معنا في بناء كيانهم، وإحياء غابر مجدهم، وإنشاء مستقبلهم. فإلى الأمام أيها الشعب الكريم، متعاضدين متكاتفين كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً. فعلينا العدل فيما بينكم، والذب عن حياضكم، والأخذ فيما فيه صلاح دينكم ودنياكم، وعليكم المثابرة على العمل الصادق، والسلوك الحسن، والصبر في طلب العلم، والطموح إلى الرقي ببلادكم إلى المرتبة التي تحبونها، والعز الذي تصبون إليه. وقد فتحنا لكم في ذلك أبوابنا، نستمع منكم شكاواكم، واقتراحاتكم، ومطالبكم، وتسمعون منا توجيهنا، وحضنا على الخير. تلك هي خطتنا التي رسمها لنا جلالة مولانا الملك، ودرجنا عليها منذ القديم.  

          ولقد من الله علينا جميعاً بنعم وافرة من خيرات بلادنا، كما من علينا بإيمان صحيح، ودين متين، وحبانا بألفة وتعاطف، وأخوة إن استثمرناها جميعاً في صالح الأعمال آتانا الله خير الثمرات في الدنيا والآخرة؛ وإن عصفت بصفوفكم الأهواء، وداخلت نفوسكم ريب المذاهب الهدامة، والدعايات الفاسدة، والاتجاهات المضلة المنحطة، التي خلط لكم فيها أعداء الدين والوطن السم بالدسم، وأخفوا بمعسول القول فيها كل مذهب قتال مميت، وكل مبدأ هادم لمبادئ الدين الحنيف، وأخلاقنا القويمة، وعن عناتنا الكريمة، نقول: إن مالت نفوسكم إلى شيء من ذلك، بؤتم بالفشل والمذلة والصغار، وكنتم آلة صماء في يد أعداء الدين والوطن، يستغلونها لمنافعهم، ويستخدمونها لغاياتهم. فانبذوا كل داع لمبادئ الهدم والإفساد، وقفوا لكل مبطل معطل لما درجتم عليه من مبادئ الحق، والدين، والخلق الكريم.

          ولقد فتحنا أبواب بلادنا لطلاب الخير من إخواننا العرب المسلمين؛ لمساعدتنا في النهوض ببلادنا؛ ولنشركهم معنا بالتمتع بخيراتنا، فمن أخلص منهم في عمله، وصدق في تعهده، وحسن في خلقه، استحق رعايتنا، وحسن ضيافتنا.

          ونحن إذ نحذر الجميع من تلك الاتجاهات الضارة التي كانت ولا تزال مبعثاً للمفاسد، والقلاقل والمهالك في كثير من البلدان الأخرى، نقف لها بالمرصاد مع كل مخلص، ولن نتردد في الضرب على أيدي أصحابها، وقمع جذورها أياً كان مصدرها، ومهما كان نوعها بدون هوادة. فأعينونا على الحق يكن الله في عونكم، وانهضوا معنا في طلب الخير يجعل الله التوفيق حليفكم، وحسن المآب جزاء لكم.

          هذا ونحن نشكر لكم حسن وفادتكم، وخالص شعوركم، وتبادلكم المحبة بالمحبة، والإخلاص بالإخلاص، سائلين المولى، عز وجل، أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، إنه سميع مجيب.