إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



نداء الملك سعود
إلى الشعوب العربية للمحافظة على الوحدة العربية
(أم القرى العدد 1552 في 18 جمادى الثانية 1374 الموافق 11 فبراير 1955)

بسم الله الرحمن الرحيم
نداء إلى الشعوب العربية

          "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن من أمثال أمتنا العربية الخالدة (إن الرائد لا يكذب أهله)، ونحن العرب، في مختلف ديارنا، وشتى منازلنا، أهل وأخوة وعشيرة، فإنني أتوجه اليوم إلى إخواني وأهلي وعشيرتي، الحاضر منهم والباد، لا أستثني منهم أحداً.

          إن الأمة العربية بأسرها تمتحن اليوم في أعز شيء عليها.

          إن الجامعة العربية أملنا المشترك، ووسيلتنا المرجوة لغايتنا القصوى المنتظرة (الوحدة العربية الكبرى) التي نسعى جميعاً إلى تحقيقها، إن جامعة العرب هذه تحتضر اليوم، وإن أركانها الراسخة على عزائمكم الصلبة مؤذنة بالانهيار، وبانهيارها، لا سمح الله، ستنهار آمال الأمة العربية وأمانيها، تلك الآمال والأماني الغالية، التي سفكت في سبيلها دماء شهداء الأمة العربية في كل مكان من دنيا العرب الشاسعة الواسعة. إن الفاجعة المحيقة بنا وبكم، في هذه الساعات الرهيبة، تهيب بي اليوم أن أصارحكم بما كنت آمل وأتمنى أن لا أضطر إلى بيانه، فقد خرج بعضكم عن إجماع الأمة العربية وإرادة شعوبها، ولقد عجزنا عن إقناعه بمغبة وسوء سياسته، وخطر الخطوة المفزعة التي أقدم عليها، وانفرد من بين الدول العربية بالسير على منهاجها، وتحمل من أجل ذلك مسؤولية التاريخ أمام الشعوب العربية بتعريض الجميع للخطر، الذي سوف يكون سبباً لأن يؤتى العرب من قبله، ويكون مطية للاستعمار.

          إنني، وحكومتي وشعبي، نقف الآن صفاً واحداً بجانب الشعب العربي بأسره، الممثل في حكوماته التي تمثل الجماعة المتحدة، المتكتلة حول جامعتكم العربية، وأمانيكم القومية، وآمالكم المخلصة وآلامكم المشتركة. في يسركم وعسركم، وفي سرائكم وضرائكم.

          إن حكومتي تتكاتف اليوم مع شقيقاتها المخلصة المتفاهمة؛ التي برهنت على حسن نياتها بعدم الإخلال بما عاهدت الله عليه، ورفض الدخول في أي حلف يضر بالأمة العربية. نقف جميعاً متحدين متساندين؛ لأداء رسالة الأمة العربية.

          إن حكومتي وشعبي يقفان اليوم في صف الجامعة العربية.

          إننا وإخواننا قادة الأمة العربية قد تعاهدنا على الوفاء بعهودنا، والإخلاص لأمانينا، والكفاح عن حقوق العرب ووحدتهم، مهما قام أمام ذلك من عقبات. ونهيب اليوم بكم أن تتبصروا المصير الذي يرسم لكم ولنا، ذلك المصير الذي لن ينال العرب منه إلاَّ خراب الديار، وتعريض البلاد العربية لخطر حرب مدمرة، طاحنة مظلمة، لن ينال من الأغراض فيها غير، حماية الغير والدفاع عنه. وغير الالتقاء بإسرائيل وجيوشها، التي أهلكت من بلادنا الحرث والنسل؛ لتظل البلاد العربية مغلوبة على أمرها، مهدرة كرامتها.

          فيا أيها العرب، هل ترضون بأن تكونوا عبيداً بعد أن كنتم أحراراً؟ هل تقبلون بأن تكون بلادكم وبلادنا مسرحاً لحرب ضروس شعواء تقضي على استقلالنا؟ الغالب فيها غيرنا، والمنتصر فيها سوانا، ونحن لها حطب هشيم، يوقدها غيرنا؛ لينال غاياته، وندفع نحن الثمن من حريتنا وسيادتنا، بل من دمائنا وأعراضنا؟

          هل ترضون بأن تلتقوا أنتم والصهيونيون في حلف مشترك، وزمالة سلاح متحد؟ فتوقعوا بذلك فك العار الفظيع الذي يسعى إليه أعداؤكم، بإرغامكم على التوقيع على صلح مخز مع تلك الطغمة الظالمة المعتدية على بلادكم؟

          لقد عجز الأعداء عن حملكم على تحقيق الصلح المشين، فسلطوا عليكم بعضاً منكم يرغمونكم على ذلك ولو كره المخلصون.

          لهذا فإنني أكرر ندائي إلى كل عربي أبي أن يقول كلمته، وأن يجاهر بعقيدته، وأن ينضم إلى الجماعة، فإن يد الله على الجماعة، وإن الخروج على الإجماع هو الخيانة العظمى، وإن إقرار الباطل ظلم؛ والسكوت على الخيانة جريمة، والرضى بهذا وذاك مشاركة لفاعله في وزره. ونحن الآن في مفترق الطرق، وفي موقف مائع من بعض الدول. أما أنا وحكومتي وإخواني المتفاهمين معي فإننا عازمون بحول الله وقوته على مكافحة الأحلاف، التي لا تمت إلى صالح العرب بأي سبب؛ وإنا سنحافظ على استقلالنا وسيادتنا، ونذود عنهما بدمائنا وأموالنا وأرواحنا، مهما أوذينا وامتحنا في سبيل ذلك؛ وإننا سنتكاتف مع الدول الشقيقة، المتفقة معنا في سبيل أهداف العرب المشتركة، حتى يظهر الله الحق، ويبطل الباطل، وإن كل عربي اليوم جندي مجاهد مرابط في المكان الذي تقف عليه قدماه من البلاد العربية كلها، فليكافح ولينافح عن عقيدته بما أوتي من قوة وإيمان؛ ولا يرهبه الوعيد، وليكن من أولئك المؤمنين: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.