إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود في هيئة الأمم المتحدة
(أم القرى العدد 1652 في غرة رجب 1376 الموافق 1 فبراير 1957)

          بسم الله الرحمن الرحيم
          سمو الرئيس،
          حضرات الأعضاء،

          أشكر صاحب السمو الرئيس على عبارات التهنئة الرقيقة، وعلى تهيئته هذه الفرصة للاجتماع بكم، وأحيي في أشخاصكم الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي علقت عليها البشرية أكبر الآمال وأعزها، بما بشر به ميثاقها منذ أكثر من أحد عشر عاماً بفجر عهد جديد من السلام والحرية والأمل بين جميع الشعوب، ولقد وجدت مبادئ الميثاق في الأمم المتحدة تجاوباً صادقاً وترحيباً حاراً من أمتي، ونحن قوم مسالمون بطبعنا، ولا شك أن الكثيرين منكم يعرفون أن معنى الإسلام هو السلام، وأن تحيتنا اليومية هي تمني السلام بعضنا للبعض الآخر.

          وشريعتنا الإسلامية قد سجلت منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً أن الناس سواسية، وقد خلقهم الله شعوباً وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا، فوضعت بذلك مبادئ التعاون الدولي، والسلم الدائم، والأمن المتبادل، وقواعد رد العدوان ونصرة المظلوم.

          إننا نؤمن بالقيم الإنسانية والروحية، وبالمثل الأخلاقية، وبحق كل إنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة، والتعاون المثمر الصادق بين البشر لخيرهم المشترك.

          من أجل هذا كان من الطبيعي أن يحدونا الرجاء، وتصبح مبادئ الأمم المتحدة الدستور المنظم لعلاقات الشعوب لا فرق بين كبيرها وصغيرها، وأن تزول أسباب المنازعات بين الدول، فتتحرر من الخوف وخطر العدوان، وتنصرف إلى الأعمال الإنشائية، والوصول إلى بناء مجتمع سعيد، ولكن سياسة السيطرة والتمسك بالنزعات العتيقة البالية هي التي كثيراً ما ألقت بالإنسانية في أتون الحروب وسببت الآلام والدمار والاضطراب في نفوس، فتنكبت مبادئ العدالة التي أتى بها ميثاق الأمم المتحدة، وبذلك ضلت السبيل القويم، وأخطأها التوفيق.

          وبهذه السياسة الخاطئة يكمن أصل حالة التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار التي تتردى فيه الإنسانية الآن، وهي علة الحرب الباردة التي نشهدها اليوم، ومنها التسابق في التسلح الذي يستنزف كثيراً من موارد البشرية، ويوجهها إلى أعمال التدمير والتخريب، وهي أساس ما عاصر الأمم المتحدة من عدوان وقتال وضغائن وأحقاد في بعض مناطق العالم.

          إن الرجوع إلى حظيرة الأمم المتحدة، ورد علاقات الدول والشعوب إلى مبادئها وتعاليمها، والتمسك بأحكام ميثاقها نصاً وروحاً، وتمكين الشعوب المطالبة بحقها في الحرية والاستقلال من تقرير مصيرها، هو السبيل الوحيد لتجنيب الإنسانية شرور الأزمات، وويلات الحروب، وافتتاح عهد جديد من السلام الحقيقي، والتفاهم المتبادل في علاقات الأمم، عهد تسوده المحبة والتعاون الصادق لخير البشرية جمعاء.

          ومن حسن حظ الإنسانية فقد شهدنا في هذه المنظمة في الأيام الأخيرة انطلاقاً أحيا الآمال، وأعاد إلى النفوس بعض الثقة، ولمسنا منها تصميماً مشكوراً على التمسك بمبادئها، والسير بها في الاتجاه القويم، وكان للجهود التي بذلها ويبذلها أمينها العام مستر داج همرشلد أثراً محموداً نحو هذه الغاية تستحق التقدير والثناء، وخالص الرجاء أن تثابر الأمم المتحدة على التمسك بمبادئها، وعلى استلهام مثل العدالة، واحترام حقوق الإنسان التي أكدها ميثاقها في كل أعمالها، مع الإصرار في عزم وتصميم على أداء رسالتها السامية، والمحافظة على الأمن والسلام الدوليين، وبذلك ستعيد هيبتها، وتصبح موئل الإنسانية عن حق وجدارة.

          والله أرجو أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير الإنسانية والسلام عليكم.