إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الأمير سعود بمناسبة ذكرى مرور
خمسين عاماً على دخول الملك عبدالعزيز الرياض
(أم القرى العدد 1321 في 13 شوال 1369 الموافق 28 يوليه 1950)

          إن للأمم أياماً خالدات في تاريخ حياتها، فيها ذكريات نهضتها وعزها ومجدها. ومن هذه الذكريات الغالية لأمتنا، يوم 5 شوال عام 1319، الذي نبتهج، اليوم، بذكراه كذكرى يوم سعيد، هو اليوم الذهبي لتأسيس المليك المحبوب للمملكة العربية السعودية. فقد شاءت الإرادة الإلهية أن يظهر في كل أمة، عند انحطاطها، وتفشي الفوضى فيها، زعيم يصلح أمرها، ويلم شعثها، ويقودها إلى ما فيه خيرها وصلاحها، فيعيد إليها كرامتها الضائعة وسلطانها السليب. وقد تسابقت الأمم، منذ القديم، في تقدير المصلحين لأمورها، المؤسسين لكيانها، المشيدين لمجدها، فأولتهم حبها وطاعتها، وأحاطتهم بهالة من إعجابها واحترامها، وأشادت بذكرهم، فخلدت اسمهم، وعددت مآثرهم، فكافأتهم. وها إن أمتنا النبيلة تبتهج، بذكرى ذلك اليوم الذهبي، إذ في مثل هذا اليوم، منذ خمسين عاماً مضت، استرجع جلالة الملك المفدى عاصمة ملك آبائه وأجداده من غاصبيها، ثم استمر يناضل بشجاعة فائقة وعزم قوي، حتى استرجع جميع بلاد آبائه، وزاده الله شرفاً، بأن هيأ له فتح الحرمين الشريفين، فكرمه بخدمتهما وتسهيل الحج إلى بيته الحرام، وزيارة مسجد نبيه، عليه السلام، فكان ذلك نقطة تحول خطيرة في حياة الجزيرة العربية. أجل، تحول من فوضى إلى استقرار، ومن جور وطغيان، إلى عدل وأمان، ومن تخاذل إلى اتحاد، ومن ذل إلى عز، ومن وهن في العقيدة الدينية، إلى قوة إيمان. وبالأخير تحول من وضع قبائلي مهمل، إلى أمة حرة مستقلة مرموقة بين الأمم. لقد شيد جلالته، حرسه الله، ملكه على أساسين مكينين: المجد الحربي، والدهاء السياسي. ومما لا شك فيه أن لسلاحه الديني، وقوة شخصيته، وكرم طباعه، أثراً عميقاً في نجاحه، وفي تحقيق أهدافه السامية. فإذا تجاوزنا عن الجانب الحربي والسياسي من عهده الميمون، إلى ما عداه من جوانب، نرى جلالته قد عمل بعزم صادق لإصلاح وإعمار بلاده، في مختلف نواحيها، من اقتصادية وزراعية، وثقافية، وصحية، واجتماعية، كما أنه وجه عنايته الكريمة، إلى تأسيس قوة دفاع وطنية، على مبادئ عصرية، مزودة بأنواع الأسلحة الحديثة، ولم يفت جلالته، العمل على تنمية موارد البلاد الطبيعية، ليستعين بها على الإصلاح المنشود، وليخفف وطأة الضرائب والرسوم، عن أبنائها، فأخذت البلاد تزدهر، وآثار العمران تنتشر، وقد أبت نفس جلالته العظيمة، أن تقف عند حد من حدود النصر والنجاح، إذ كان أفق آماله أوسع، وسماء طموحه أسمى، وقد استطاع بعقل نير، وحكمة، ودراية، وبصيرة، وروية، أن يقود سفينة البلاد قيادة ماهرة، حتى أوصلها إلى ساحل السلامة، موفورة الكرامة، كاملة الاستقلال والسيادة، فرفعها إلى مكانها اللائق بها، في منظمة الأمم المتحدة، على قدم المساواة، مع سائر الدول العريقة بالاستقلال، وقد ساهم في بناء الجامعة العربية، وعمل بصدق وإخلاص، لحفظ كيانها، حيث يرى في ذلك تحقيق أمنية مقدسة، للعرب خاصة، وأمل باسم المسلمين عامة، وقد تمكن، حفظ الله جلالته، برأيه الثاقب، وسعة دهائه، أن يبعد البلاد من أزمات عصيبة، وحوادث خطيرة، صادفت عهده الميمون، ومن أبرزها الحرب الكبرى، فتمكن من أن يجنب البلاد أخطارها وويلاتها، ويجعلها في اطمئنان وأمان، رافلة بعيش هنيء ونعيم مقيم. فعهد جلالته هذا، والحق يقال، تاريخ حافل بجلائل الأعمال، وسجل زاخر بأحاديث، كلها محامد ومفاخر. وإن الابتهاج بهذه الذكرى ينطوي على نبل الشعب، وإدراكه لما فيه خيره ونفعه، ويدل على هذه المعاني السامية الآتية:

أولاً: اعتراف بفضل الملك المعظم، وأياديه البيضاء على البلاد.

ثانياً: تكريم للعرش، الذي أقامه بجهوده وتضحياته، رمزاً لشرف الأمة وكرامتها، وعنواناً لأمجادها وسيادتها.

ثالثاً: تبجيل لما أثمر عهده السعيد للبلاد، من عز واستقلال وصلاح وفلاح.

          هذا ومما لا ريب فيه، أن الذكرى بالأعمال المجيدة والمآثر الخالدة لمما توحي إلى نفوس أبناء البلاد، ولا سيما شبابها، روح المجد والنشاط، وتغرس في أفئدتهم الهمم والشيم. فهي لهم منح قوة، ومصدر خير، وهي لهم دروس وعبر.

          وبالختام أحيي جلالة مولاي الملك الساهر على منافع أمته، الراعي الأمين برعيته، والقائد الأعلى، الذي خاض المعارك، بنفسه في سبيل تحرير بلاده، فانتصر فيها بقوة إيمانه، وسداد رأيه، وبطولته وشجاعته. فأسأل الله تعالى أن يمد بعمره العزيز، وأن يبقيه لوطنه، مؤيداً منصوراً، وللعرب والإسلام ذخراً وملجأ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.