إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود
إلى شعبه بمناسبة ذكرى الجلوس السابعة
(أم القرى عدد خاص بتاريخ 23 جمادى الأولى 1380 الموافق 12 نوفمبر 1960)

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
شعبي العزيز

          يسرني أن أتحدث إليكم اليوم بمناسبة مرور سبعة أعوام على تولينا لمقاليد الأمور في مملكتنا، رافعاً أكف الشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه علينا؛ إذ وفقنا لإقامة دينه وشريعته، والعمل بكل جد واجتهاد لإسعادكم، وتوفير الرخاء لكم، باذلين كل رخيص وغال في سبيل تحقيق ذلك، ساهرين الليالي مفكرين في أموركم، ومتدبرين في أحوالكم، وما كان ليتحقق لنا هذا لولا تمسكنا بأهداب الدين الحنيف: وجعلنا كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دستورنا.

          في هذه المناسبة أجد من الواجب على أن أطلعكم على بعض ما قمنا به، وما عزمنا القيام به من أعمال ومشاريع داخلية: وما رسمناه لسياستنا الخارجية.

في الحقل الداخلي:
          
لا زال العمل جارياً بهمة ونشاط في عمارة الحرم المكي الشريف، وتوسعته دون ضن بالمال أو الجهد، آملين أن يصبح عند انتهائه بحول الله وقوته في جمال بنائه وروعة عمارته، كما هو في قدسيته وعظمته، كما تم بعون الله شق وتوسيع الطرق في مكة المكرمة، والمؤدية إلى المناسك في عرفات ومنى، كل ذلك تيسيراً للحجاج الوافدين إلى بيت الله الحرام؛ لأداء فريضة الحج في يسر وأمن وطمأنينة.

          وقد وضعنا خطة كاملة لربط أجزاء مملكتنا بطرق ممهدة تربط شرقها بغربها، وشمالها بجنوبها للمساعدة على النهوض باقتصاديات البلاد، ولفتح آفاق جديدة لأبناء وطننا عن طريق تسهيل طرق المواصلات لهم؛ ليعم الرخاء، وتزدهر المدن والقرى.

          ومن ناحية أخرى فلقد خطونا خطوة عملية نحو تحقيق مشروع إعداد سكة حديد الحجاز بالاتفاق مع حكومتي الجمهورية العربية المتحدة والأردن.

          ولا زلنا نولي جيشنا الكثير من عنايتنا واهتمامنا، وتزويده بالأسلحة الحديثة والثقيلة، كما عملنا على رفع مستوى التدريب بين أفراده حتى يصبح بحول الله من أحسن الجيوش تدريباً وتسليحاً.

          وقد عقدنا العزم على أن تسير نهضتنا الزراعية مع النهضة العمرانية، وتقدم طرق الموصلات جنباً إلى جنب في سبيل الوصل إلى الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على موارد البلاد الزراعية.

          وقد أولينا عنايتنا الخاصة موضوع التنمية الاقتصادية، ومضاعفة الدخل القومي، فقد أمرنا بعمل دراسات شاملة وتخطيط كامل بالإمكانيات الممكنة على أسس سليمة، نضعها تحت تصرف أبناء شعبنا الكريم قريباً، متعاونين معهم، ومشجعين لهم في سبيل تصنيع البلاد، والاستفادة من اليد العاملة في كل مرفق من مرافق الحياة العامة، وإني أنتهز هذه الفرصة لأدعو أبنائي المواطنين، وأرباب الثروات للمساهمة في إقامة الصناعات وتأسيسها بما هيأه الله لهم من وسائل الثروة؛ ليجعلوا من هذا الشعب وهذا الوطن مثلاً صالحاً، نعيش جميعاً في رغد من العيش، مطمئنين إلى مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، ونحن على أتم استعداد لمعاضدتكم ومساندتكم مادياً ومعنوياً، والسير معكم في هذا السبيل إلى أبعد مدى ممكن.

          وتحقيقاً لهذا الغرض فنحن ندرس الآن موضوع إنشاء مصرف لتمويل المشاريع المفيدة من زراعية وصناعية، تعود بالنفع على البلاد ونأمل أن تنتهي الدراسة قريباً، إن شاء الله، ويوضع المشروع موضع التنفيذ.

          وقد أولينا التعليم القسط الوافر من اهتمامنا، فوضعنا له برنامجاً طويل الأمد، وأنشأنا جامعة سعود وهي تشتمل على كلية العلوم والآداب والتجارة والصيدلة، وإن من دواعي سرورنا أن أصبح يؤمها طلاب من البلاد العربية الشقيقة أيضاً، وسنعمل إن شاء الله على فتح بقية الكليات العلمية.

          وأمرنا بفتح مدارس للبنات، ومما أثلج صدورنا ما شاهدناه من إقبال على تلك المدارس، ووجهنا التعليم الوجهة الصحيحة النافعة التي تتفق مع مبادئنا الدينية، ومتطلبات نهضتنا الصناعية والزراعية والعمرانية، مع الاهتمام بصفة خاصة بالتعليم المهني والفني.

          تمشياً مع هذه السياسة وحرصاً على نشر المبادئ والتعاليم الإسلامية الصحيحة فقد عملنا على فتح جامعة إسلامية في المدينة المنورة، وهذه الجامعة سيؤمها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم سعياً وراء البحث والمعرفة، ونأمل إن شاء الله أن تقوم بإعداد جيل جديد واع مسلح بالعلم والمعرفة والدين الصحيح، يدعو إلى كتاب الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

          ولما كان من أعز أمانينا محاربة المرض فقد بذلنا المزيد من العناية في مقاومة الأمراض والأوبئة، وتوفير العلاج المجاني لمختلف طبقات الشعب، مع الاهتمام بصفة خاصة بإخواننا أهل البادية، فقد قدمنا لهم على نفقتنا الخاصة أربع مستشفيات متنقلة لعلاجهم، وتوفير الدواء لهم لحمايتهم من الأمراض المستوطنة، كما أننا نعمل جاهدين على الاستعانة بالأكفاء من أبناء شعبنا، وإفساح المجال أمامهم لخدمة بلادهم وأمتهم. وإننا نهيب بالمسؤولين عن الدوائر الحكومية والشركات والبنوك أن يولوا اهتمامهم للاستعانة بأبناء البلاد.

في الحقل الخارجي

          أما سياستنا الخارجية فهي سياسة واضحة المعالم، تقوم على أساس تمسكنا بميثاق الجامعة العربية، وتأييد البلاد العربية الشقيقة والوقوف بجانبها، والانتصار لقضية إخواننا عرب فلسطين، ومساعدتهم بكل ما نستطيع لاستعادة حقوقهم المسلوبة.

          وإننا ننظر، وقد مضت ستة أعوام على الثورة الجزائرية، بإعجاب وإكبار إلى جهادهم ونضالهم في سبيل تحرير بلادهم من الحكم الاستعماري والسيطرة الأجنبية.

          وما إعجابنا بإخواننا العمانيين وأبناء الجنوب العربي بأقل من إعجابنا بجهاد إخواننا الجزائريين، ونحن نعمل كل ما في وسعنا متكاتفين مع إخواننا في البلاد العربية حتى ينال الشعب العربي المجاهد حقوقه كاملة غير منقوصة.

          أما موقفنا من الاعتداء البريطاني على ذلك الجزء العزيز من بلادنا (البريمي) فإننا عملنا كل ما في وسعنا لحل النزاع بالطرق السلمية، وقد زارنا مؤخراً المستر ينج مندوب المستر همرشلد سعياً وراء إيجاد حل لهذه القضية، وفي حالة فشل المساعي التي يقوم بها السكرتير العام للأمم المتحدة فإننا لن نتوانى في اتخاذ ما نراه مناسباً من إجراءات لاستعادة ذلك الجزء العربي من بلادنا.

          أما علاقتنا بالدول الأجنبية فهي قائمة على أساس الاحترام المتبادل والحياد التام، متعاونين مع الدول العربية والإسلامية، والكتلة الآسيوية الأفريقية تأكيداً لمبادئ باندونج وميثاق الأمم المتحدة.

          أسأل الله التوفيق لي ولكم، وأدعوه أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والفلاح لبلادنا وشعبنا وسائر المسلمين والعرب.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.