إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود إلى شعبه
(أم القرى العدد 1895 في 9 جمادى الثانية 1381 الموافق 17 نوفمبر 1961)

          ابتدئ القول بحمد الله سبحانه على نعمه التي لا تحصى؛ وأصلي وأسلم على خير أنبيائه، وأتوجه إلى شعبي العزيز في هذا اليوم الذي يذكرني بتحمل أعباء الحكم في هذه البلاد، حاملاً الأمانة في عنقي؛ لأعمل في بلادي ولشعبي ما هو واجب علي. فإن الأمانة المقدسة في عنقي ليست تجاه شعبي وحده، بل تجاه الشعوب الإسلامية التي تهفو أفئدتها إلى مهبط الوحي، الذي شرفني الله سبحانه وتعالى بأن أكون خادماً له.

          وإني لأنتهز هذه الفرصة؛ فأتحدث إلى شعبي العزيز علي، كما سأتحدث إلى كل مسلم يهفو قلبه إلى هذه البلاد المقدسة، وإلى كل عربي تجمعنا وإياه اللغة والنسب والجوار، وأوضح سياستنا الخارجية ومصيرنا فأقرر ما يلي:

          إن هذه الدولة العربية السعودية في ماضيها الباهر؛ وحاضرها الزاهر، نهضت على دعائم الإسلام المتينة، واستنارت بهدي مبادئه القويمة؛ فخفقت رايتها فوق معظم أنحاء الجزيرة العربية التي كانت متفرقة متباعدة، قبل توحيدها في هذا الكيان القوي الراسخ المتين.

          ولقد شرف الله تربة وطننا بأن اختارها مقر الحرمين الشريفين؛ يتجه إليها المسلمون بوجوههم وأفئدتهم وعقولهم؛ ويحجون إليها من أطراف الأرض، وكانت آية الله فيها واضحة حين لم يجتمع لأهلها شمل، ولم تقم لهم فيها قائمة، إلاَّ بدعوة التوحيد والإيمان بالرسالة المحمدية، وإنها لحجة الله علينا، عرب هذه الجزيرة، دمغت حياتنا عبر أجيال طويلة؛ لكي تكشف أمامنا ببراهينها القاطعة أن حقيقة وجودنا منبعها الشريعة الإسلامية السمحة، لذلك فإن هذه الدولة العربية السعودية لا تستطيع أن تسير في طريق لا يتلاقى مع هذا الواقع، الذي فرض نفسه منذ أن دوى في بطاح مكة نداء الخير والحق، والجلال، صوت محمد بن عبدالله سيد العرب، ونبي المسلمين، ورسول الله إلى الخلق كافة صلوات الله وسلامه عليه.

          على هذه القاعدة الراسية ترتكز سياستنا مع جميع الناس. فأما المسلمون منهم فقد آخي الله بينهم وبيننا، وسنكون معهم أمناء على عهد الله، نمد نحوهم أيدنا بالتعاون والمحبة والإخاء؛ لأنهم منا أينما كانوا، ولهم عندنا وديعة غالية، يجدونها دوماً في بيت آمن، وحج مبرور؛ ميسرة جميع أسبابه بما نملك من طاقات مادية ومعنوية.

          ونحن منذ أن أنشأ والدنا الملك عبدالعزيز، عليه رحمة الله، هذه الدولة، وجمع شتاتها، ووحد كلمتها، نحرص على إقامة أحسن العلاقات الودية مع جميع بلاد المسلمين، نحزن لحزن الضعيف فنساعده، ونفرح لفرح القوي فنسانده؛ رائدنا في ذلك العظة والموعظة؛ متمسكين بوشائج الأخوة، قائمين مقام الأنصاف فيما يظهر من خلاف، أو يحدث من انحراف، ندعو إلى الحق الذي نؤمن به ونعتقده بالهدى والحكمة، ونجادل بالتي هي أحسن، وستستمر حكومة المملكة العربية السعودية في التزام هذه الخطة نحو دول الإسلام وعامتهم في آسيا وأفريقيا وغيرها، طالما أن الإسلام يجمع بينهم، وهو حبل الله المتين.

          إن سياستنا الخارجية بالنسبة للعرب أينما كانوا في آسيا وأفريقيا، قائمة على ميثاق الجامعة العربية، وستستمر سياسة ود، وتضامن وإخاء، تنمو وتتسع في ظل المصلحة المشتركة، والتحالف المكين ضد أعداء الأمة العربية، وفي تنفيذ أحكام اتفاقيات الدفاع المشترك، والتعاون الاقتصادي والثقافي، عاملين مخلصين من أجل تحقيق وحدتنا العربية المنشودة، ومهما كانت الظروف والحوادث العارضة، فإننا لن نشترك فيما يفرق الكلمة، أو يشتت الرأي، أو يؤخر اندفاع الجماهير العربية عن مقاصدها من العيش الكريم في نطاق الأمة العربية الموحدة الأهداف.

          إن سياستنا مع الدول العربية قائمة على روح الإسلام، وعلى التعاون الحر في جميع الشؤون الخارجية، والثقافية والاقتصادية والعسكرية ضد العدو المشترك، ومن أجل مصلحة الأمة العربية في المشرق والمغرب. وسنعمل جاهدين على اجتياز ما يمكن أن يعترضنا في سبيلنا حيناً بعد حين، من قضايا وحوادث، ليست من صنعنا، ولا سلطان لنا عليها، مما يقع في نطاق الأسرة العربية أو خارجها.

          وإنه لمما يؤسفنا، ويؤسف كل عربي، ما حدث ويحدث من حين لآخر بين الدول العربي؛ مما لا يستفيد منه إلاَّ أعداؤها.

          وإنني أنتهز هذه المناسبة؛ فأدعو الجميع دعوة صادقة مخلصة لتوحيد صفوفنا، وجمع كلمتنا، ولم شعثنا، وإزالة هذه الخلافات المؤسفة لنكون صفاً واحداً. وأرجو أن يستجب إخوتنا في سائر البلاد العربية إلى هذه الدعوة الصادقة المخلصة، التي لا غرض لنا منها إلاَّ المصلحة المشتركة، والغاية التي لا يختلف عليها منا أحد، حتى ننصرف جميعاً متكاتفين متعاونين لما شغل بالنا، وهو رعاية حقوق إخواننا الفلسطينيين، الذين سلبهم البغي والعدوان ديارهم، وليس من شك في أن تضامن العرب والمسلمين وحده هو الكفيل باستعادة هذه الحقوق، وردها لأصحابها الشرعيين، وسيبقى ما يسمى بإسرائيل أداة شر، وفتنة، واضطراب، في ربوع الشرق الأوسط إذا لم تسع الدول المعنية بشؤون السلم العالمي الوجه المزيف لهذا الشبح الكريه.

          إن إيماننا برحمة الله كبير. ولقد علمنا الإسلام أن نستقبل الأحداث الأليمة بالصبر والمجالدة، وحسب تاريخنا الطويل خير شاهد على أن أمتنا تمكنت من الصمود أمام أزمات مماثلة، وكتب لها في النهاية النصر المبين، إن أمامنا بطولة الجزائر المجاهدة التي استطاع أبناؤها بفضل الله ثم بفضل نضالهم البطولي، إن ينتزعوا إعجاب العالم وتأييده؛ ويسعدنا أن نرى عما قريب أبناء الجزائر متمتعين بكل ما يصبون إليه من حرية واستقلال وسيادة، مساهمين في بناء صرح الحضارة في المجتمع العالمي.

          أما بالنسبة للعالم الخارجي فسنوالي سياستنا الصريحة الواضحة في مصادقة من يصادقنا، ومعاداة من يعادينا، واقفين أمامهم جميعاً في المغرب والمشرق، وفي الشمال والجنوب، موقف الحياد العامل لتخفيف حدة التوتر الدولي من أجل مستقبل الإنسانية، محتفظين بكرامتنا، عارفين قدرنا، وقدر غيرنا دون أن نهون أو نبغى على أحد، باسطين يد السلم لكل يد محبة للسلم، راغبة في خير هذا العالم.

          تلك هي أسس سياستنا العامة نقيمها على ما أقامها الإسلام، وارتضته الأمة العربية وسلفنا الصالح، وإني لواثق من أنها السياسة، التي يريدها أولو الأمر من هذه الأمة العربية، ويقرها عامة شعبي الكريم وخاصته.

          أما سياستنا الداخلية فأول ما وجهنا ونوجه اهتمامنا إليه هو أن نثبت نقدنا تثبتاً مبنياً على أسس علمية صحيحة، فتم لنا، والحمد لله، نظام نقدي ثابت متين، نستطيع أن نفاخر به، بحيث أصبح القاصي والداني مطمئناً إليه، واستطعنا بعد هذا أن نقوم بما يجب علينا من الأعمال العمرانية في وطننا.

          وأكثر ما وجهت عنايتي له، واهتمامي به، هو عمارة الحرمين الشريفين ولقد تم لنا ما أردناه، ولله الحمد، في الحرم النبوي، والعمل قائم على قدم وساق في الحرم المكي. هذا بعض ما أريد أن أشير إليه بصفة خاصة.

          أما سياستنا في الحقل الداخلي فهي تتلخص فيما أعلناه من قبل، من إعلان الحرب على الجهل والفقر والمرض.

          أما في ميدان العلم فقد ازدادت المدارس بأعداد كبيرة في شتى نواحي البلاد، ولقد جعلنا التعليم مجاناً في جميع مراحله، مما ليس له مثيل في بلد من بلاد العالم، ولم نكتف بأن يكون التعليم مجاناً، بل إننا ندفع للطلاب معاونات مالية شهرية في بعض مراحل التعليم، ونبعث على حساب الدولة إلى الخارج أفواجاً متتالية من أبنائنا في جميع فنون العلم والمعرفة.

          أما في الميدان الصحي فقد زاد عدد المستشفيات والمستوصفات الطبية في مختلف أنحاء البلاد؛ وكل أنواع الأدوية، ومعالجة المرضى في المستشفيات وغيرها كلها على حساب الدولة، تدفع للشعب مجاناً، عناية بصحته، وحفظاً لسلامته، بدون أن يكلف المريض بأية نفقة في سبيل علاجه، وقد قمنا بإرسال وحدات طبية كاملة بأطبائها وأدويتها وجميع مستلزماتها لعلاج البادية، مساهمة من في خدمة المواطنين، وذلك على حسابنا الخاص، وهو شيء، ولله الحمد، لا مثيل له في بلد من بلدان العالم.

          ولقد وجهنا عنايتنا للبلاد المنكوبة بالجفاف، وهي البادية التي أصبحت بحالة تحتاج إلى العون والمساعدة، فأسعفناها بأموال وزعت عليها في أماكنها، وبمشاريع مخططة ومدروسة لمجابهة هذه المشكلة، من حفر آبار للزراعة فيها، وإنشاء الطرقات إليها، وبناية المستشفيات لعلاجها.

          ولقد كان من توفيق الله لنا أن أعاننا على إنشاء جامعة إسلامية في المدينة المنورة؛ وهي حجر الأساس في بناء ما نرجو أن يكون رمزاً لوحدة المسلمين، واسترداد قوتهم وكسب عزتهم.

          أما تفاصيل ما قامت به حكومتنا من أعمال في 80 ـ 81  فسيعلن ذلك في خطابنا الذي سوف نلقيه في أول السنة المالية، وكذلك ما سنقوم به من أعمال ومشاريع في ميزانية 81 ـ 82.

          هذه إشارة موجزة إلى بعض الأعمال التي وجهنا عنايتنا لها، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا برضوانه، وأن يوفقنا للقيام بخدمة بيته العتيق، وخدمة الإسلام والمسلمين، وخدمة شعبنا بما يرضي الله سبحانه وتعالى عنا وعنهم، وأساله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.