إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود في افتتاح أول اجتماع لمجلس الوزراء
(أم القرى العدد 1912 في 17 شوال 1381 الموافق 23 مارس 1962)

          الحمد لله، والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله، ورضوان الله على صحابته والسلف الصالحين. وبسم الله أفتتح أول اجتماع لمجلس وزرائنا هذا، سائلاً الله أن يهدينا في سائر أعمالنا إلى طريقه المستقيم، وأن يعيننا على العمل بما أمرنا به ربنا، وسنه لنا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وسلفنا الصالحون بمنا فيه خيرنا في الدنيا والآخرة.

إخواني وأبنائي:
          أجدني في هذا الموقف مفعماً بالثناء على الله سبحانه، لا أحصي ثناءً عليه، بما من علينا من نعم لا تحصى، ومنها أن لطف بي في الوعكة التي ألمت بي، ووهبني ثوب الصحة والعافية حتى عدت إليكم، ولقد كان أعظم ما أثلج صدري أيام تلك الوعكة، ذلك الشعور المتبادل الذي كان يرافقني طول تلك المدة، بين قلبي وقلب شعبي، فقد كانوا ملء سمعي وبصري، كما شعرت أنني كنت ملء سمعهم وبصرهم، وكانوا يحوطونني بمشاعرهم، ودعائهم وابتهالهم إلى الله بالشفاء والعافية حتى أعادني الله إليهم، وأنا أشد شوقاً للقائهم؛ لأقوم بالواجب علي في خدمة هذا الوطن العزيز على قلوبنا، والذي نفديه بالمهج والأرواح.

إخواني وأبنائي:
          
لقد وقع اختياري عليكم لتقلد مقاليد الأمور في هذه الدولة، ولتكونوا عوناً لي في خدمة هذا الوطن، نسير به السير القويم، الذي يحفظ له دينه أولاً ، وينظم أموره المعيشية بكل ما نملك من وسائط وقوى وجهد، وأدعو الله بقلب مخلص أن يحقق للأمة من جهودنا جميعاً ما تحتاج إليه لسعادتها في دنياها وآخرتها.

          هذه موازنة الدولة بين أيديكم، وهذه إمكانية المواطنين، وكل قوة نستطيع أن نستفيد منها لرفعة شأن هذا الوطن في متناول أيدينا، فيجب أن نبذل أقصى جهودنا لما فيه مرضاة ربنا أولاً، ثم إسعاد شعبنا؛ ليعيش في بحبوحة من السعادة والهناء.

إخواني وأبنائي:
          إن أهدافنا في سياستنا الداخلية وسياستنا الخارجية هي المبادئ التي جاء بها الإسلام، لا أهداف لنا غيرها، وعليها نسير وإليها ندعو، لا نبتغي بها بديلاً؛ لأنها كفلت لنا سعادة الدنيا والآخرة، لا نسمح أن يكون في بلادنا غير مبادئ الإسلام، وندعو إليها في خارج بلادنا، كما أمر الله بالحكمة والموعظة الحسنة
لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها والله سميع عليم هذه مبادئنا، وهذه هي أهدافنا، لا مبادئ لنا سواها، ولا أهداف لنا غيرها.

أخواني وأبنائي:
          لقد سهل الله لنا في نهضتنا الحاضرة أن مكننا من فتح باب للتعليم في ديارنا قلما جارانا فيه غيرنا، فقد فتحنا المدارس، وسهلنا لأبناء الشعب أن يرتادوا معاهد العلم بالمجان، وعاوناه على ذلك في كل مرحلة من مراحل التعليم من أدناها إلى أعلاها. وبعثنا البعوث العلمية إلى الخارج ترتاد دور العلم على حساب الحكومة، وهذا من فضل الله وتيسيره، وفتحنا الأعداد الكثيرة  من المستشفيات والمستوصفات، والناس يرتادونها للعلاج، وللعمليات الجراحية، ولكل ما يتطلب علاج الأمراض بالمجان، بغير أن يؤخذ عليهم شيء من الأجور.

          وهذه الطرق تفتح في المدن، وفي سائر أرجاء المملكة المترامية الأطراف؛ لتأمين المواصلات بينها، وهناك التعليم المهني الذي أوليناه عنايتنا؛ ليقوم أبناء البلاد بخدمة أنفسهم.

          وهناك مشاريع كثيرة لاستخراج ثروات البلاد، واستخدام اليد العاملة في الزراعة والصناعات، وعلينا أن نسير فيها بخطي فعالة؛ لينعم شعبنا بنعم الله التي وهبنا إياها.

          وإني أهيب بكم، إخواني وأبنائي الوزراء، أن تضاعفوا جهودكم للعمل على كل ما من شأنه إسعاد الشعب، ورفع مستواه الديني والعلمي، وما يؤمن له الرفاه في الحياة، وأن يعمل على تطوير ما تستدعي الحاجة إلى تطويره من الأنظمة؛ بحيث تتلاءم مع المصلحة العامة، وتطور البلاد الاقتصادي والإداري، وسنستمد جميع أنظمتنا من كتاب الله وسنة رسوله، هذه سياستنا الداخلية التي أدعوكم ونفسي للأخذ بها، والعمل عليها، ومن أخلص نيته مع ربه، وجدَّ في عمله، أوصله الله لما يريد.

أما سياستنا الخارجية وأهدافنا فألخصها لكم فيما يلي:

أولاً:

نحن في هذه البلاد المقدسة مهبط النور والهدى لم يمنحنا الله شرفاً أعلى ولا أسمى من هذا الدين الذي نشره آباؤنا المسلمون في أنحاء العالمين، فأول هدف لنا هو التعاون مع سائر المسلمين، تعاوناً أخوياً كما آخى بيننا وبينهم في قوله جل شأنه إنما المؤمنون أخوة فإن إخواننا المسلمين بعدوا أم قربوا يهمنا ما يهمهم، ويسرنا ما يسرهم، ويؤلمنا ما يؤلمهم، ونجد واجباً علينا أن نتعاون مع من يمكننا التعاون معه، على كل ما يمكننا التعاون فيه على أساس إسلامي صحيح، كما أمرنا به ربنا.

ثانياً:

أما المجال العربي: فنحن العرب، ومن هذه الديار منبع العرب، منها قاموا لنشر مبادئ كانت أقدس وأعلى مبادئ نشرت في العالمين. ولذلك فكل جمع لصفوف العرب، وتوحيد لكلمتهم، نحن دعاته، ونحن المعضدون له، والعاملون عليه عملنا، وسنعمل في جامعتنا العربية كل ما يجب عمله لحفظ كيان الأمة العربية، وجمع قواها في صعيد واحد، وسنكون على الدوام من الدعائم التي تؤيد الجامعة العربية، وتنصرها كما سنكون نصراء لكل من يعتدى عليه من العرب، من قريب أم من بعيد، وفي أي محيط كان، نقاوم ونشجب أي سعي للتفريق بين العرب، كما نقاوم أي اعتداء على أي عربي، أياً كان المعتدي، وإنَّ أي داعٍ لجمع كلمة الدول العربية لمصلحة العرب، سيجدنا في المقدمة، لن نتوانى، ولن نتقاعس، لأن العرب أينما كانوا منا، ونحن منهم، لا يضرهم من ضل إذا اهتدى من هداه الله منهم.

ثالثاً:

أما سياستنا الخارجية فأيدينا مفتوحة لكل من يصادقنا غير معتد ولا باغ علينا، ونعمل في الأمم المتحدة مع كل من يريد السلام، ويدعو إليه، وإنه ليؤسفنا أن علاقاتنا السياسية لا تزال منقطعة مع المملكة المتحدة؛ لأنها قامت بعدوان على أراضينا في البريمي والمناطق المتنازع عليها، بدعوى تأييد لأخوة لنا، نحن أحق بتأييدهم منها، ولا تزال المفاوضات التي توسط بها الرجل العظيم، الراحل المستر همرشولد مستمرة بعد وفاته، وإن كانت لا تزال المفاوضات تتعثر بعراقيل، كلما قطعنا منها علما بدا علم، وكنا ولا نزال نقول: إن أخوتنا من الذين ادعوا الخلاف بيننا وبينهم إننا أحق بهم، وهو أحق بنا، فما كان لآبائهم وأجدادهم فهو لهم، وما كان تحت سلطتنا وسلطة آبائنا وأجدادنا فإن أبناءنا الذين يقيمون في تلك المواطن، لا يرضون بوطنهم العربي السعودي بديلاً، وقد هجروا مواطنهم بعد أن أخرجتهم القوى البريطانية، فإذا انتهى الأمر على الوجه الذي سار الاتفاق على أساسه أو خلى بيننا وبين أخوتنا نقرر ما لنا وما لهم، على أساس ما كان عليه آباؤنا وآباؤهم قبل العدوان البريطاني، فسيكون من أحب الأمور إلينا أن تعود علاقاتنا مع بريطانيا إلى سابق عهدها. أما علاقاتنا السياسية مع فرنسا فكنا قطعناها كما قطعناها مع بريطانيا يوم عدوانهم على شقيقتنا مصر، ثم استمرت علاقاتنا مقطوعة مع فرنسا تأييداً لأخوتنا البواسل في الجزائر، واليوم بعد أن تم الاتفاق بين أخوتنا في الجزائر وفرنسا على إيقاف إطلاق النار، فإنا نأمل أن نسير الأمور في الطريق السوي الذي يؤمن للجزائر المجاهدة ما تصبو إليه من حرية واستقلال؛ لتعود علاقاتنا السياسية مع فرنسا في وقت قريب إنشاء الله.

          أما الجرح الدامي في قلوبنا وجوانبنا فلسطين العزيزة فلن تهدأ قوانا حتى يسترد إخواننا في فلسطين حقوقهم كاملة غير منقوصة، ونتمنى أن يعلم الجميع حقيقة الخطر، وأن يعلموا أن التعاون هو السبيل الوحيد لرد الحق لأهله.

          هذه خلاصة عن أهداف سياستنا في الداخل والخارج، وأسال الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، والعمل الصالح لما يرضي ربنا، ويخدم شعبنا، والمسلمين، والعرب أجمعين، والسلام.