إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



( تابع ) خطاب الرئيس جمال عبدالناصر في افتتاح الدورة الثالثة للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي

         ولذلك أيها الأخوة فإننا لا نذكر شهدائنا بالحزن، وإنما نذكرهم بالاعتزاز، ولا نذكرهم ونحن نلتفت إلى الماضي، وإنما نذكرهم ونحن نتطلع إلى المستقبل- ليس باليأس، ولكن بالرجاء.

أيها الأخوة

وحين نتذاكر اليوم قصة نضال الشعب المصري خلال سبعة عشر عاماً تمر اليوم على ثورته منذ 23 يوليه سنة 1952، فإننا نشعر أن هذا الشعب لم يطلب أحلاماً رخيصة، ولم يرض لنفسه أن يكون عبئاً على التقدم أو ذيلاً في مؤخرته، وإنما قرر لنفسه الحق مبدأ والشرف وسيلة الحياة الحرة الكريمة المتقدمة مطلباً، وقَبِلَ عارفاً راضياً أن يدفع الثمن.

         إن هذا الشعب المصري منذ يوم ثورته الكبرى، بل وقبل يوم ثورته الكبرى كان طليعة لنضال أمته وكان سنداً، ولو آثر هذا الشعب أن يتقاعس أن يتردد لاختلف التاريخ.. تاريخ الأمة العربية، ولبقيت هذه الأمة العظيمة وبقى هو معها في آثار الأغلال القديمة. وليس يضيرنا أن نقول ذلك وسط نكسة نعاني جميعاً منها، ومن آثارها ما نعاني، ذلك أن مصير الشعوب لا تقرره كبوة عارضة، وإنما يقرره حجم الإرادة الوطنية والقومية واستعدادها لتقبل الخطر وتحمل الصعاب، وليس يخيفنا أن تكون هناك بقاع غالية من أراضينا تحت احتلال العدو، ولكن كان يخيفنا أكثر أن تعيش أوطاننا كلها غير متنبهة للخطر المحيط بها راضية بالاستسلام تخلط بينه وبين السلام، بينما العدو يمضي في تنفيذ مخططاته العدوانية بغير قتال، ويحقق ما يريد بغير مواجهة، وينتصر عليها وهي في غيبوبة لا تميز فيها بين العدو والصديق، بين التسلل المنظم والأمن الخداع.

         إن الأمة العربية اليوم تختلف عما كانت عليه قبل سبعة عشر عاماً بصرف النظر عن النكسة- تختلف في وزنها الاقتصادي، وفي وزنها السياسي.. وزنها الدولي.. وزنها الثقافي.. وحركتها الاجتماعية.. ولربما كان أكثر ما يكشف تناقض ما كان العالم العربي فيه أن أصحاب السيطرة عليه كانوا هم صناع إسرائيل، وأن مستغليه كانوا هم ممولي إسرائيل.. وإن مالكي النفوذ السياسي والاستراتيجي فيه كانوا هم حماة إسرائيل.

         وبرغم النكسة كنا نتمنى أن لا تقع ولم يكن هناك مبرر لوقوعها بهذا الحجم الذي وقعت به، فإن العالم العربي على الأقل حقق ميزة الوضوح وتكشفت الحقيقة أمامه بغير زيف وبغير تضليل. ومما نحمد الله عليه أنه في اللحظات العصيبة أثبتت الأمة العربية أنها قادرة على تحمل الحقيقة. قادرة على تحدي الأمر الواقع المعادي للحقيقة، وليست تجربتها في ذلك هي الأولى من نوعها وإنما هي تجربة خاضتها من قبلها أمم كثيرة لم تخلط بين أمر واقع مؤقت مهما كان جبروته وبين جوهر الحقيقة العلمية الصادقة القوية أبداً حتى وإن بدا في وقت من الأوقات أن وسائلها أقل قوة من جوهرها- إن القوة تبني والقوة تنمو بالوسائل المادية والإنسانية.. بالعمل وبالإيمان. وأما اتفاق أي قضية مع جوهر الحقيقة فهو المعيار الفاصل بين الأصالة والزيف.. بين النصر النهائي أو الهزيمة الحتمية.

<2>