إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح دورة المجلس الوطني الفلسطيني، 28 فبراير 1971
المصدر:"قال الرئيس السادات، الجزء الأول 1971، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 84- 86"

بسم الله ..

أيها الإخوة: أيها الرفاق في النضال..

أرجو أن تقبلوا مني الشكر والاعتذار في نفس الوقت. فأما الشكر فلكريم دعوتكم لي بالحضور الى هنا والتحدث اليكم كممثلين للشعب الفلسطيني المكافح وكحملة لمسئولية النضال في سبيل قضيته العادلة التي أصبحت منذ سنوات بمثابة الاطار والوعاء للعمل العربي القومي ونقطة التفجير بالنسبة للحركة الثورية العامة لامتنا العربية. بما جعل فلسطين في حياتنا جميعا أكبر من مجرد كيان عربي وبما جعله في الحقيقة رمزا لنضال ورمزا لقيم تحمل معنى الرفض للأمر الواقع، ومعنى التمرد على البطش والقهر ومعنى الامل المضىء فى ظروف سادها الظلام الحالك أحيانا.

أما الاعتذار فلاننى اعتقد أن أمامكم فى هذه المرحلة من مهام النضال ما لا يجب أن يشغلكم عنه شيء وأكاد أقول لكم إننى ترددت في المجيء الى هنا اشفاقا عليكم وايثارا لكل فرصة يمكن أن تتوفر لكم في القاهرة للتثقيف وللتنظيم وللتخطيط خصوصا واننى أعتقد بصدق أنكم الآن أمام منعطف خطير فى تاريخ النضال الفلسطينى، ذلك أنكم تعرضتم فى السنوات الأخيرة لمزيج من المؤثرات التى حاولت باطنا وظاهرا أن تعرقل مسيرتكم، فلقد تعرضتم منذ البداية- وحينما انطلقت الرصاصة الأولى من فوهات أسلحه مقاتليكم- الى عملية تهوين من قدرتكم المحتملة تريد أن تسلبكم فرصتكم التاريخية. ثم تعرضتم بعد هذا لنقيضه تماما وبنفس القدر أى تعرضتم للتهويل فيما يلقى عليكم من المسئوليات وكان كثيرون يريدون أن يتخلصوا من التزامهم القومى بمجرد كلمات المديح والثناء توجه اليكم. ثم تعرضتم بعد نلك لمشاكل شاء أصحابها أن يستعيضوا بمظاهر الثورية عن الالتزام الثورى. ولقد انساق البعض في ذلك بحسن نية بينما كان لدى البعض الآخر من الحزم والحسم ما مكنه من التفريق في شرف وجد بين اطلاق الشعار وبين تحقيق الشعار. ثم تعرضتم أخيرا لمحاولات التصفية وهي محاولات وقفت فيها الجمهورية العربية المتحدة موقفا صارما حتى توقف نزيف الدم بين الشعب الفلسطينى. ولقد ظل جمال عبد الناصر قائدنا ومعلمنا يعطى لهذه المحاولات قلبه حتى سكت النبض فى قلبه الطاهر تاركا لهذه الأمة مثلا أعلى فى الالتزام وفى المسئولية.

وإنكم لتتعرضون اليوم وفي هذه الأيام بالذات لما هو أخطر في رأينا من كل ما سبق. إنكم تتعرضون هذه الأيام لمشكلة الوحدة بين قوى الثورة الفلسطينية فى ظروف مخيفة تشن عليكم فيها- الى جانب كل محاولات التصفية- محاولة أخرى أخطر وأفدح فى نتائجها المحتملة لا قدر الله. وهي محاولة التشويش عليكم فكرا وهدفا كفاحا والتزاما، ايمانا ويقينا بالنصر بإذن الله. من هذا فقد كنت أشفق على وقتكم أن أخذ منه ما يختصم ولو دقائق مما تكرسون له أنفسكم في هذه الدورة من دورات المؤتمر الوطني الفلسطينى.

ولقد رجح عندى اعتبار أن أجى إليكم اليوم أخذا فى اعتباري أنه إذا كان من شأن ما أقوله لكم أن أساعد على تحديد طبيعة المرحلة التى يجتازها نضالنا المشترك. إذن فإن وقتنا هنا معا لايكون عبئا على عملكم المنتظر. ولعله وان اختصر بعضا من وقتكم جزءا كبيرا من شواغلكم بما نستطيعه معا من تأكيد وحدة الهدف ووحدة الكفاح ووحدة المصير بين كل المناضلين الشرفاء الخط الأول من النضال العربي وأريدكم هنا أن تلاحظوا معي أننى لا أتحدث إلى المناضلين بالكلمات كما لا أتحدث عنهم. إن النضال بالكلمات سهل هو مهما ادعى في شكله عداء للثورة فى جوهره. وهذا الشعب المصرى لم يعرف في تاريخه هذا النضال بالكلمات ولا مارسه في يوم من الأيام والدليل على ذلك ما قدمه هذا الشعب من عطاء حقيقى للمعركة وما سوف يقدمه من عطاء حقيقي للمعركة.

وأريد أن يكون واضحا لكم وللكل فى أمتنا أننا لسنا على استعداد اليوم أو غدا لأن نلقى بالا لأى ممن يرغب فى أن يدلى علينا بنتيجة معركة خضناها وكانت نهايتها عكس ما توقعنا. إن المناضلين الشرفاء يحاسبون بتحملهم لمسئولياتهم وبما قدموا من تضحيات لهذه المسئوليات وأما غير ذلك فله حسابات أخرى.

كذلك فإننا نقول بوضوح لكم وللكل إن جبهتنا المصرية هي الجبهة الصامدة الواقفة بكل إمكانياتها للعدو لم تناور سياسيا بما تفعل ولم تحلل من التزاماتها في الساحة ولم تغط العمل القليل بالكلام الطويل أو ضحالة الالتزام بطوفان من النصائح نسديها للذين يقاتلون كي تعفى نفسها من عناء القتال.

وإذا كنت أجى لأتحدث إليكم أيها الأخوة فمن معنى خاص نوليه حقه هنا من العناية والتقدير. ذلك المعنى هو أن الالتحام مع العدو خلال ما مضي من السنوات القليلة كان محصورا ومحدودا فى جانبين: مصر هنا على جبهتها والمقاومة الفلسطينية هناك على الجبهة الشرقية. وإذن فإننى أجى إليكم من معنى صلة نضالية بيننا تجعل موقفنا متميزا دون أن ندعى من ذلك امتيازا. كلانا يده في النار وهو يتكلم. وهو يفعل. وغيرنا يده فى الماء وهو يتكلم ولايفعل. وليس من يده فى النار كمن يده فى الماء كما يقول المثل العربي.

أيها الإخوة..

أريد أن أحدد معكم هنا بعض الأمور المبدئية. وأستأذنكم في إعفائى من الحديث في بعض المسائل تفصيلا. ذلك لأننا فيما نظن قد تمكنا بجهد سياسي متصل وعنيف من أن نضع عدونا على الدفاع لأول مرة منذ وقت طويل. ولقد كانت بداية ذلك قبول جمال عبد الناصر بجسارة وشجاعة لقرار مجلس الأمن سنة 67 ثم لما سمى بعد ذلك بمبادرة روجرز. كان جمال عبد الناصر يؤمن بأن العدو يريد أرضا للتوسع. وتحمل جمال بدوره القيادى وبمسئوليته التاريخية تحركا سياسيا واسع المدى. كان هدفه شيئا واحدا هو أن يكشف العدو عن نفسه وأن يصل أمام الدنيا كلها يعلن بصراحة عن مطامعه التوسعية. اعتبر جمال عبد الناصر أن العمل السياسي في هذه المرحلة يمكن له أن يحقق كثيرا بل وكثيرا جدا إذا هو استطاع أن يحاصر العدو بحيث يضطر العدو إلى الإعلان عن حقيقة نواياه ولقد أكملنا نفس المهمة ولازلنا بعد رحيل قائدنا الخالد.

<1>