إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (9)

خطاب الرئيس السادات في افتتاح مجلس الشعب
في 11 نوفمبر 1971 (*)

كل عام وأنتم بخير
بسم الله...
أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب...
          
إن التقاءكم هنا، في هذا المكان، في هذا اليوم، يحمل بالنسبة لجماهير شعبنا. وبالنسبة لي إشارة لها معناها ولها قيمتها. هذه الإشارة هي أن الخطوط الرئيسية في عملية إعادة البناء وعملية إعادة التصحيح قد استكملت أوضاعها..

          وأقول استكملت أوضاعها، ولا أقول استكملت أهدافها، لأن هناك فارقاً كبيراً بين إعداد الوسائل الكفيلة بتحقيق هدف وبين التحقيق الفعلي لهذا الهدف..

          ولقد أعددنا الوسائل أي أقمنا المؤسسات القادرة على تحديد أهداف نضالنا الوطني، وبلورة هذه الأهداف بالعلم والديمقراطية، ثم إكمال تنفيذها بالكفاءة والأمانة.

          لكن طريق الممارسة على أرض الواقع ما زال ممتداً أمامنا عليه الكثير من المهام والقرارات، ثم أننا يجب أن نتذكر دائماً أن النضال الوطني لأي شعب يريد أن يواكب حركة التاريخ وتقدم مسيرته هو طريق بلا نهاية، عليه أهداف ولكن هذه الأهداف متجددة متطورة باقية ما بقيت الحياة.

          ويشجعني على التفاؤل بخط مسيرتنا، إيماني المطلق بأن الوسائل جزء من الغايات، وأننا لا نستطيع أن نتوسل إلى أشرف الأهداف إلا بأشرف الوسائل.

لا نستطيع أن نكون أمناء إلا إذا التزمنا الأمانة مسلكاً وغاية.
ولا نستطيع أن نكون مسئولين إلا إذا التزمنا المسئولية فكراً وعملاً.

المسلك والهدف
          أمانة المسلك هي أمانة الهدف.. ومسئولية الفكرة هي مسئولية العمل. وأي فصل بين الاثنين نوع من انفصام الشخصية.. لا يليق ولا يجوز، بل ولا هو يجدي.

          أقول ذلك، وفي ذهني الانتخابات التي تمت. وجاء على أساسها هذا المجلس الموقر مجلسكم.
          ورغم كل شواغل الأحداث فإني كنت أتابع ما يجري فيها أولاً بأول حرصاً على سلامتها، وعن تقدير لأهمية هذه الخطوة الباقية في عملية إعادة البناء والتصحيح، وعن ربط عضوي بين الوسيلة والغاية.

          ولعلي أقول ـ ولعلكم تشهدون ـ على أنني لم أسمح ولم أقبل بأي حد على حرية الناخب المواطن أو أي قيد.

          كنت أدرك أننا أمام مرحلة متغيرة، متغيرة عما سبقها ليس بالتناقض عنه، ولكن بالتطور الذي لا يتوقف أبداً. وكان ذلك التطور ملحوظاً من قبل حدده جمال عبد الناصر حينما قال بوضوح وهو يحدد مهام مرحلة مقبلة هي بيان 30 مارس.

الديمقراطية بالشعب
          "إننا أمام مرحلة الانتقال من ديمقراطية للشعب إلى ديمقراطية بالشعب". وكان ذلك يعني بالنسبة لفهمي عن جمال عبد الناصر، ولفهمي عن أهداف ثورة 23 يوليه، ولفهمي عن كل عمليات التصحيح التي جاءت لتصحيح المسار وإعادة التوجيه، وآخرها صيحة جماهير 9 و 10 يونيه 1967 وجماهير 14 و 15 مايو 1971- كان كل ذلك يعني عندي عدة معان وقيم:
1.   أن الديمقراطية هي صوت وحركة الجماهير.. وبلا وصاية.
2.   أن الاشتراكية هي طريق قوى الشعب العاملة، لم تعد تحتاج إلى من يسوقها عليه بالقسر،    خصوصاً ونحن الآن في العام العشرين من ثورة 23 يوليه.

3.   أن الدولة أداة خدمة للمصلحة العامة، وليست سلطة عليا فوقها.
4.   أن الحوار الحر والجاد بين المؤسسات السياسية والدستورية والتنفيذية هو طريق صنع القرار    الصحيح، الذي تتعدد مراكز إصداره، منعاً للتركيز على القمة، وبالتالي التعويق من القمة.
5.   أن الإنسان هو الوطن، تبدأ الديمقراطية عنده.. وتكون الاشتراكية لمصلحته، وتعمل الدولة    لخدمته، ويصدر القرار للارتقاء بحياته يوماً بعد يوم.

الإنسان هو المعيار
          وبالتالي ـ فإننا يجب أن نرفض أي منطق مجرد.. وإنما المعيار الوحيد للقياس هو: أين هو الإنسان على أرضنا وكيف يعبر، وفي أي اتجاه يتحرك، وما هي القوى الدافعة لتقدمه، وإلى أي مدى يتقدم؟

          ليس في الديمقراطية ولا في الاشتراكية ولا في مفهوم الدولة ولا في الحوار من أجل إصدار القرار ولا في الإنسان- أشياء مجردة.

          إن الإنسان هو الحياة بكل ما يعنيه وصف الحياة من حس ونبض وأمن وطمأنينة من احتياجات وآمال.

          ذلك هو المعيار الأكثر صدقاً والأظهر حقاً حتى لا نخطئ ولا نضل على الطريق.
          وعندما أسعدتني أمانة عملية الانتخابات، فإنني أحسست في نفس الوقت بأن الوسيلة التي ألزمنا أنفسنا بها لابد واصلة بعون الله إلى الغاية التي نتطلع إليها..

أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب
          وها أنتم هنا في هذه القاعة.. جئتم بأمانة الشعب وعليكم مسئولية هذه الأمانة في لحظة من لحظات التاريخ الفاصلة، في لحظة من تلك اللحظات العظيمة التي تقف فيها الشعوب والأمم على مفترق الطرق.. تكون قد قطعت من مسيرتها شوطاً ويكون أمامها أن تمضي بالطريق إلى غايته المتجددة المتطورة..

          ولقد كانت مسيرتنا في الشوط الذي قطعناه مسيرة عظيمة برغم كل ما اعترضنا عليها من صعاب أتت بها الظروف أحياناً.. أو أتى بها قلة من الذين لم يفهموا أهداف الثورة، ولا أدركوا فلسفتها أحياناً أخرى.

اختياراتنا المحددة
          برغم ذلك كله مضينا شوطاً لم تبلغه أمة غيرنا في مثل أوضاعنا.. ويكفي أننا ما بين سنة 1957 وسنة 1967 حققنا وبشهادة أكثر الهيئات الدولية احتراماً، نسبة نمو تقارب سبعة في المائة سنوياً، وليس ذلك قليلاً وليس ذلك هيناً، وإذا كنا نواجه اليوم وبنجاح ما نواجهه فلأننا أعطينا لأنفسنا وبعملنا قاعدة صلبة نقف عليها وسنداً حقيقياً نعتمد عليه.

فلنستعرض معاً أيها الأخوة أسس هذه القاعدة ومعالم من ذلك الطريق

  1. أننا اخترنا الطريق الثوري للتقدم ولم يكن اختيارنا له بالصدفة أو الارتجال، وإنما اخترناه لأنه كان حتمية تاريخية بالنسبة لنا، وكذلك سيرنا عليه لم يكن ارتجالاً.. إنما كانت أمامنا وثائقنا وضعناها باستلهام التجربة والخطأ: فلسفة الثورة- ميثاق العمل الوطني- بيان 30 مارس- برنامج العمل الوطني- وثائق تنزع كلها بصورة أكيدة إلى تحقيق سلطة تحالف قوى الشعب وسيطرته السياسية والاقتصادية على الحركة والمصير معاً.
  2. أننا اخترنا طريق التنمية الشاملة فوجهنا كل مدخراتنا وكل ما استطعنا الحصول عليه إلى جانب مدخراتنا نحو التصنيع: من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الاستهلاكية، عارفين بأن المجتمع المتقدم هو المجتمع الصناعي.. وكان في نفس الوقت تطوير الزراعة من استصلاح أكثر من مليون فدان جديدة.. واستزراع هذه الأراضي الجديدة أيضاً ويكفي مقياساً- لعلنا نتذكر- أن ما أضيف إلى الرقعة الزراعية في مصر على مدى 25 سنة قبل الثورة لم يزد على سبعة عشر ألف فدان، بينما في أقل من عشرين سنة بعد الثورة فإن الأرض الجديدة زادت عن مليون فدان.. وفي حين بنينا أعظم السدود في العالم وهو سد أسوان العالي.. فإننا استطعنا أن نوفر من طاقة الكهربا- وهي أول معايير الرقي- ما يجعل في هذا الوطن وحده الآن نصف طاقة الكهرباء المتاحة في القارة الأفريقية بأكملها.
  3. أننا أجرينا من التحولات الاجتماعية ما لا يزال حلماً حتى في بعض الدول الأكثر تقدماً ومنه مشاركة قوة العمل في الإدارة والربح ومظلة التأمينات الاجتماعية الواقية ومجانية التعليم في كل مراحله.. ولقد أسسنا وأكدنا في مجتمعنا أن العمل هو وحده مصدر كل قيمة اجتماعية. وهذا مبدأ أساسي نحرص عليه، ويجب أن يزداد حرصنا عليه.. لأنه ضمان استمرار التحول في مجتمع يعلو فيه حق الإنسان وتذوب فيه الفوارق بين الطبقات.
  4. أننا أخذنا الشعب المصري بالكامل إلى إطار الوحدة مع أمته العربية. ولم نكن فيما فعلنا نستجيب إلى نداء يصدر عن الماضي وحده. وإنما كنا نستجيب أيضاً إلى أقصى ضرورات المستقبل في عالم لم يعد فيه للكيانات الصغرى مكان.. إن العصر عصر العمالقة، وما لم نبلغ حجم العمالقة وقدرة العمالقة، فان ركب التقدم سوف يدوس علينا، ويمشي في سبيله، لا يلتفت إلينا ولا يستمع إلى توسلاتنا. نحن في عالم لا مجال فيه لغير الأقوياء، وليست القوة توسلا أو استجداء.. وبالنسبة لأمتنا، فان قوتها كانت وسوف تظل في وحدتها، وإذا كان الآخرون- كما نشهد في أوربا اليوم- يلتمسون للوحدة أوهى الأسباب، فما بالنا نحن هنا في أمة العرب حيث للوحدة أساس، وللوحدة منطلقات رسختها على أرضنا كل العوامل الصانعة للتاريخ.
  5. أننا وضعنا أنفسنا بالفهم وبالوعي لمجرى التطور الإنساني العام في القوى المعادية للاستعمار والاستغلال، فآمال الشعوب لا تخدمها قوى السيطرة والإمبريالية التي هي بقايا عصر آن له أن يزول وينقضي بتعارضه مع كل المبادئ والقيم التي يحلم بها ويناضل من أجلها إنسان الثلث الثالث من القرن العشرين، حيث سقطت الفواصل بين الشعوب وضاعت المسافات، ويتحتم اليوم أن تضيق فيه الفجوة بين التخلف والتقدم وإلا وجدنا أنفسنا أمام صراع من أخطر وأعتى ما واجهته البشرية لأنه سوف يكون صراعاً طبقياً ودموياً بين التقدم والتخلف، وبين الغني والفقير على اتساع الكرة الأرضية كلها.

خط الكفاح المستمر
أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب:
          لقد سمحت لنفسي أن أستطرد وراء ذلك كله.. لكي نستبين منه ونستشف من خلاله ذلك الخط الواحد والمستمر الذي يتدفق عليه كفاح شعبنا.
          إننا لم نكن قبل الثورة في عهد الملك فاروق.. ولا كنا بعد الثورة في عبد الناصر ولا نحن الآن في عهد أنور السادات.. ولكننا في كل هذه العهود، كنا في عصر يقظة الشعب المصري وعلى طريق مسيرته.

          وتحت الضغط والقسر، وتحت سيطرة تحالف رأس المال المستغل مع الإقطاع، وتحت تواطؤ هذا التحالف مع قوة الاستعمار الأجنبي في عصر الملك فاروق، فان الشعب المصري لم يقف ساكناً ولم يستسلم.
          وبعد الثورة، وتحت القيادة العظيمة لجمال عبد الناصر، فان قوى الشعب واصلت مسيرتها وسلطة الدولة في يدها ولكن الشعب كان هو المعلم الباقي والخالد، كما قال جمال نفسه في هذه القاعة أكثر من مرة.

          واليوم.. وبينما يقع على شرف ومسئولية تحمل الأمانة، فان علينا أن نمضي على الطريق أكثر بُعْداً وأكثر عُمْقاً.

جمال.. ما زال معي
          إننا إذا نظرنا إلى الحركة التاريخية من خلال السلطة فإننا نقع في خطأ كبير، والصواب الفعلي هو أن ننظر إلى الحركة التاريخية من خلال نضال الجماهير.. وحينئذ نستطيع أن نرى الطريق كله، وأن نعثر على المعنى الحقيقي للاستمرار، الاستمرار من خلال حركة الشعب ومن خلال نضال الجماهير.

          ولقد كان يوم الثورة في 23 يوليه 1952 يوماً فاصلاً بالنسبة للسلطة، ولكنه كان استمراراً متصلاً بالنسبة للحركة التاريخية من ناحية الشعب.

          وبالنسبة لي فان فترة تشرف الدولة بقيادة جمال عبد الناصر وفترة تَشَرُفِي بخدمة الدولة في موقع المسئولية الأولى هو عهد واحد.

          كنت في عهد جمال عبد الناصر شريكاً معه بالمسئولية.
          والآن فان جمال عبد الناصر حتى بعد رحيله عنا مازال معكم ومعي شريكا بالمبدأ. وأمام ذلك كله ووراءه فان الحركة التاريخية الشعبية ماضية في مسارها، سائرة نحو أهدافها، بالغة هذه الأهداف بمشيئة الله مهما كان أو يكون من مصائر الأفراد.

وقائع الفترة الأخيرة
أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب:
          إن مراجعة وقائع الفترة الأخيرة تظهر أمامنا بجلاء مدى نمو وتعاظم قوة الحركة التاريخية الشعبية، كما سجل ما أمكن تحقيقه فيما لا يزيد إلا قليلاً عن عام واحد شهادة أصالة لهذا الشعب ودليل خبرة ومقدرة، ويكفي أن نستعيد بالذاكرة ما يلي:

  1. لقد كانت الجماهير هي الحارس الأمين على انتقال السلطة بعد جمال عبد الناصر وفق أحكام الدستور، وتم هذا الانتقال- برغم ما كان يشهد له بعض المراقبين من دقة الظرف وحروجته- بطريقة حضارية كان موقف الشعب فيها هو الحكم والفيصل بصرف النظر عن الدموع والأحزان.
  2. وقفت جماهير الشعب إلى جانب الشرعية، وبفضل هذا الوقوف فان كل مراكز القوى اضطرت مرحلياً إلى تجميد نشاطها أو إلى التحول للعمل في الخفاء على وهم بأنها تستطيع أن تخفي ما تفعله عن عيون الشعب اليقظة الساهرة.
  3. حينما تكشفت أساليب العمل الخفي الذي خلط بين مفهوم الممارسة السياسية كما يجب أن يكون وبين مفهوم التواطؤ للتآمر.. فان العامل الحاسم كان مصدره الشعب الذي خرج يومي 14 و 15 مايو يحكم ويدين ويرفض التآمر في الداخل في وقت يتعرض فيه الوطن إلى التآمر من الخارج، بل أن الشعب كان بموقفه يرفض منطق التآمر في أي وقت وفي أي ظرف ويطالب بممارسة سياسة تجري في النور تحكمها قواعد الديمقراطية.
  4. أعادت الجماهير بالحرية كلها بناء جميع مؤسساتها السياسية لكي تبني تنظيمها القائد الممثل لتحالف قوى الشعب العاملة في حرية ونزاهة وبعيداً عن دعاوى مراكز القوى وضغوطها.
  5. بإرادته وحدها تحمل الشعب وفي استفتاء حر بمسئولية بناء دولة للوحدة، تضم الجمهورية العربية الليبية والجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية.
  6. أصدر الشعب- وبمشيئته- وفي استفتاء حر دستوراً دائماً لجمهورية مصر العربية يضع الأسس والحدود لمبادئ العمل الوطني وحقوق الأفراد وسلطة المجتمع وواجبات الدولة.
  7. أقر المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي برنامجاً للعمل الوطني يحدد بصورة قاطعة أهداف المرحلة المقبلة لعشر سنوات مقبلة.
  8. مدت حركة التصميم يدها إلى أكثر من مجال وأكثر من مرفق في عملية تستهدف تقويم المعوج على أسس من العدل والمساواة التي لا تقبل تحت أي منطق بالجموح أو بالاستبداد.
  9. أعيد تنظيم أجهزة الدولة لكي تكون أقدر على القيام بواجباتها العامة سواء في مجالات التنمية الشاملة أو في الخدمة العامة وفي ظروف تكفل للعاملين في نواحي النشاط أفضل الظروف التي يمكن أن تتيحها مواردنا، خصوصاً وأن إعادة التنظيم حاولت أن تعطي دفعة قوية تنشط كل الطاقات وتفتح من الآفاق الجديدة ما يتيح الفرصة المتكافئة للطموح المشروع سواء أمام الأفراد أو أمام المؤسسات.
  10. نتيجة لهذا كله فإنني أشعر أن أبرز ما تحقق لنا خلال الشهور الأخيرة هو شعور الإنسان بالأمن وعودة الثقة إليه بالنفس وبالشعب وبالمجتمع.. وعلى الأخص بأجهزة الدولة، وهذه النتيجة في ظني رغم أنها نتيجة معنوية إلا أن الآثار المادية التي يمكن أن تترتب عليها هي آثار غير محدودة في إمكانيات الانطلاق.

أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب:
          في هذا كله وعن تفصيلاته فإن الوزارة سوف تتقدم إليكم تفصيلاً بما يضع كل دقائق الصورة أمام مجلسكم الموقر لكي يستطيع وهو يدرس ما تم أن يشارك عملياً في رسم السياسات ومتابعة التنفيذ فيما يجب إتمامه اتصالاً واستكمالاً.. وإنني لعلى يقين من أن التعاون الوثيق بين التنظيم السياسي وبين الحكومة وبينكم باعتباركم سلطة التشريع والرقابة، سوف يكون من أعظم القوى الدافعة إلى آمال عظمى تملأ ضمائر شعبنا وأمتنا بينما نحن الآن وقوف عند مفترق الطرق من تطورنا.

المشكلة التي تشغلنا
          والآن فإنني أستأذنكم في الانتقال إلى المشكلة التي أعلم وتعلمون أنها شاغلنا الأول، ليس في هذه القاعة فقط، ولكن على اتساع وطننا كله، وعلى امتداد أرضنا العربية من المحيط إلى الخليج، وربما أبعد من ذلك، لأن المشكلة التي تشغلنا هي من أهم قضايا السلام والحرب في هذا العالم وفي هذا العصر.

أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب:
          ومنذ بداية أزمة الشرق الأوسط، وفي تلك الأيام السوداء من يونيه سنة 1967، فان الشعب المصري كرس كل همه وكل جهده وكل أمله لهدف أسميناه في ذلك الوقت "إزالة آثار العدوان".
          وكان ذلك الهدف يعني أمرين بالتحديد:
أولهما: انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط ما قبل 5 يونيه.
والثاني هو: الحفاظ على الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، باعتبار أن قضية هذا الشعب هي الأصل والأساس.

          وكنا على استعداد لأن نسلك في سبيل تحقيق هذا الهدف كل سبيل: بالعمل الدبلوماسي أو بالقوة المسلحة.

          وكان واضحاً منذ الأيام الأولى للأزمة أن إسرائيل لا تريد حلاً لأزمة الشرق الأوسط يعود به السلام إلى المنطقة، لأنها كانت ولا تزال تريد التوسع في الأرض وهي أول من يعلم أنه لا سبيل إلى التوفيق إطلاقا بين التوسع وبين السلام.

التوسع أو الانسحاب
          
التوسع هو طريق الحرب.. والانسحاب هو طريق السلام.. ومعنى أن إسرائيل تريد التوسع هو أنها لا تريد السلام.

          كانت إسرائيل تعتمد في تحقيق ما تريد على عدة عوامل:
أولها: تأييد عسكري وسياسي من الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانياً: نفوذ متسلط تستطيع به تضليل الرأي العام العالمي وإخفاء وجه الحقيقة.
ثالثاً: سياسة إرهاب وتخويف لا تقف عند حد ولا تتورع عن شئ.

          ولعلني في غير حاجة إلى تفصيلات كثيرة حول الظروف التي مرت بها المشكلة في مجتمع الدول منذ عرضت على مجلس الأمن وعلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى بينما كانت المعارك على الجبهة ما زالت محتدمة.

          إنكم تعرفون هذه الظروف التي عجزت فيها الأمم المتحدة لأول مرة عن أن تقرن قراراً لها بوقف القتال في صراع بضرورة انسحاب القوات المتحاربة فيها إلى مواقعها قبل بدء الاشتباكات.

          وإنكم تعرفون الظروف التي صدر فيها قرار مجلس الأمن وقد قبلناه لأنه كان ولا يزال في رأينا يمثل أساساً صالحاً للحل إذا أحسن تنفيذه.

          وإنكم تعرفون أيضا كيف أن السفير جونار يارنج الذي بعث به السكرتير العام للأمم المتحدة إلى المنطقة ليشرف نيابة عنه على تنفيذ قرار مجلس الأمن قد وجد أبوابنا مفتوحة أمامه، في حين أن الطرف الأخر أقفل أمامه جميع الأبواب.

          في خلال ذلك فان جهودنا لم تكن معطلة عن تناول العوامل التي تعتمد عليها إسرائيل في تحقيق ما تريد. كانت هذه العوامل كما عددتها أمام حضراتكم الآن قبل قليل ثلاثة:

  • تأييد أمريكا سياسياً وعسكرياً.
  • النفوذ المتسلط لتضليل العالم.
  • الإرهاب والتخويف في المنطقة بقوة السلاح.

بناء القوات المسلحة
          في تناول هذه العوامل وفي تحويلها لصالحنا فإننا بدأنا من النهاية.. أي أننا بدأنا بعامل الإرهاب والتخويف في المنطقة، فرحنا نعيد بناء قواتنا المسلحة لكي تستطيع أن تتصدى ثم أن تردع تَمَهُداً للتحرير.

          وقد سارت هذه العملية وانصب فيها أكبر قسط من النشاط الوطني، سواء من ناحية الموارد أو من ناحية الجهود أو من ناحية الاتصالات الدولية بالقوى القادرة على مساعدتنا وأولها وأهمها قوة الاتحاد السوفيتي العظيم والصديق الذي لم يدخر جهداً ولا ضن بعون في سبيل تدعيم مقدرتنا العسكرية.

          إن الاتحاد السوفيتي ـ بوحي من مبادئ أصيلة يؤمن بها ـ كان في هذه المحنة خير الأصدقاء وأوفى الأصدقاء، وأقول أمامكم بأمانة أنه لولا تعاونه الحيوي معنا في إعادة بناء قواتنا المسلحة، لبقي للعدو تفوقه المطلق الذي حصل عليه بعد يونيه 1967.

          إننا بعد الاطمئنان إلى قاعدة القوة الحامية والرادعة لإرهاب العدو وتخويفه بذلنا جهوداً سياسية لا تقل في أهميتها عن بطولات ميدان القتال والنتيجة أن قناع التضليل الإسرائيلي راح يسقط.. وراح العالم يرى لأول مرة وجه الحقيقة صريحة سافرة ولابد أن نعترف أن موقف أوروبا الغربية وفرنسا في قلبها.. كما أن موقف الدول الأسيوية والأفريقية والإسلامية التي يتحرك في وسطها تيار عدم الانحياز. كل هذه كانت مواقف عظيمة الأثر.. كبيرة الفائدة لأنها أعطت نضالنا جو المشروعية الدولية.

          لقد كانت معنا نصوص القانون الدولي، ولكن تهيئة الجو لأعمال نصوص القانون.. كانت وسوف تظل مسألة حاسمة.. لأننا في مجتمع الدول لا تقتضي حقنا أمام محكمة تعمل النصوص وحسب.. ولكننا لا نستطيع اقتضاء حقنا- حتى وفقاً للقانون- إلا في جو سياسي ملائم تستطيع فيه أوسع قطاعات الرأي العام.. وأهم القوى المؤثرة فيه.. أن تتفهم حقائق الصراع ودخائله.

مشكلة الانحياز الأمريكي
          ثم انتقلنا وكان يجب أن ننتقل- إلى علاج العامل الأول فيما تعتمد عليه إسرائيل.. وهو التأييد الأمريكي السياسي والعسكري..

          وقد أقدمنا على ذلك ونحن نعلم ما فيه من مصاعب ومخاطر.. ذلك لأن الانحياز الأمريكي لإسرائيل كامل.. كما أن قوى الضغط الصهيوني نافذة إلى صميم الحياة السياسية الأمريكية.

          ولكن كان علينا أن نحاول لأننا ونحن نواجه صراع الحياة والموت، لا نستطيع إغفال فرصة مهما بدت ضيقة ولا نستطيع الإحجام عن ميدان حتى وإن بدا أمامنا مسدوداً بالعوائق والعقبات..

          هكذا فإننا أتحنا الفرصة ـ واعين ومدركين لدور تقوم به أمريكا ـ دعوناها أمام العالم لتحمل مسئوليته إزاء السلام العالمي.

          من هنا كان قبولنا لمشروع روجرز في يوليه سنة 1970..

          وهكذا كان ردنا الإيجابي على ما طلبه منا السفير جونار يارنج بشأن ارتباطات السلام في فبراير 1971.

          ثم أضفت بنفسي إلى ذلك كله مبادرة أخرى تقدمت بها وعرضت بمقتضاها إعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة العالمية في مقابل قيام إسرائيل بتنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب الشامل. ولم يكن ذلك حلاً جزئياً لمشكلة احتلال الأراضي المصرية.. ولم يكن ذلك أيضاً حلاً يفصل بين ضرورة الانسحاب من كل الأراضي المصرية المحتلة وبين ضرورة الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة بعد 5 يونيه 1967. وإنما كان ما تقدمت به هو خطوة أولى على طريق الحل الكلي والشامل.

نتائجنا الأخيرة
          لقد أدت هذه الخطوات جميعها من ناحيتنا إلى عدة نتائج:
أولها: أن قضية الأرض المحتلة أصبحت هي محور القضية كلها: تنسحب إسرائيل أو لا تنسحب تمهيداً للسلام.
ثانياً: ولما كان واضحاً أن إسرائيل لا تريد الانسحاب لأنها تريد التوسع ولا تريد السلام، فقد كنا على ثقة أن موقفها سوف ينكشف للدنيا كلها مما يؤدي بها إلى العزلة الكاملة عن مجتمع الدول الذي لا سبيل للأمن أمامه إلا السلام المبني على العدل وإلا عدم جواز اكتساب الأراضي بالغزو وإلا عدم مشروعية القوة كأسلوب في التعامل الدولي.
ثالثاً: كان على الولايات المتحدة أن تختار: إما أن تقف معنا، ومع مجتمع الدول ومبادئه، وإما أن تقف مع إسرائيل ومع العزلة الدولية الكاملة..

          ومع معرفتنا المسبقة بنوايا الولايات المتحدة وبالمؤثرات المدمرة التي تعصف بسياستها إزاء الشرق الأوسط بالذات، فقد كنا نريد للولايات المتحدة الأمريكية أن تقرر بنفسها ولنفسها والعالم شاهد عليها يرى ويحكم.

          وجربت الولايات المتحدة، ومع ضيقنا الشديد ببعض ما جربته فإننا آثرنا الانتظار والترقب لكي نحصل على النتيجة كاملة شهادة إثبات دامغة لكل المواقف.

          إن الولايات المتحدة الأمريكية نحت جانباً قرار مجلس الأمن وانتظرنا.
          ثم إن الولايات المتحدة تجاوزت دور السكرتير العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى المنطقة وانتظرنا.

          ثم إن الولايات المتحدة تجاهلت دور الدول الأربع الكبرى ومسئوليتها عن تنفيذ قرار مجلس الأمن وانتظرنا.

          ثم إذا الولايات المتحدة تقصر جهدها على مبادرة المرحلة الأولى من الانسحاب في مقابل فتح قناة السويس.. ومرة أخرى انتظرنا، وكنا نراقب بأقصى حد من الصبر وأقصى حد من الحذر.

قلت لروجرز:
          جاء إلى القاهرة وزير الخارجية الأمريكي ويليام روجرز وشرحت له مبادرتي بالتفصيل ومباشرة بما لا يقبل مجالاً للتأويل على النحو التالي:

  1. إن ما عرضته هو مرحلة أولى من الانسحاب تنفيذاً لقرار مجلس الأمن في مقابل فتح قناة السويس للملاحة العالمية.
  2. أنه لابد من الربط بوضوح بين الخطوة الأولى التي اقترحها والحل الشامل وفق قرار مجلس الأمن.
  3. إن الانسحاب بالنسبة لنا لا يعني مجرد الانسحاب من الأراضي المصرية، وإنما الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة بعد 5 يونيه 1967.
  4. أنه لابد من عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس تحقيقاً للسيادة المصرية على الأرض المصرية.
  5. أن وقف إطلاق النار بمقتضى ترتيبات هذه المبادرة يجب أن يكون محدداً بما لا يزيد على ستة شهور وإلا فإن غير ذلك معناه القبول بوقف إطلاق نار دائم أو بمعنى أصح بخطوط هدنة جديدة في وسط سيناء.

          كل هذا أوضحته بصراحة لوزير الخارجية مستر روجرز عندما كان في القاهرة. وذهب وزير الخارجية الأمريكية إلى إسرائيل، ثم بعث إليّ بمساعده بعد يومين يحمل ملاحظات للطرف الآخر وأعدت عليه المبادئ الأساسية في موقفنا.

          ولعلي أضيف أمام حضراتكم أن وزير الخارجية الأمريكية حينما لقيني قال لي بالنص "أنه ليس عندي ما أطلبه منكم، وإنما مطالبي كلها على الناحية الأخرى".

          ثم لم نسمع من الولايات المتحدة بعد ذلك لفترة طويلة إلى أن جاءتني رسالة رسمية من الرئيس الأمريكي نيكسون ومن وزير خارجيته ويليام روجرز تسألني إذا كان موقفي قد تغير بعد المعاهدة المصرية السوفيتية. وكان ردي أن السياسة المصرية ترسم في القاهرة وليس في غيرها، وأن موقفي على أساس ما أعلنت وما بينت من مبادئ لم يتغير.

          وانقطع الاتصال مرة أخرى لأكثر من ستين يوماً ولكننا كنا نتابع ما يجري.
          بدا في لحظة من اللحظات أن الولايات المتحدة تحاول أن تضغط على إسرائيل، ثم ظهر بعد ذلك مباشرة أن إسرائيل هي التي تضغط على الولايات المتحدة.
          وفي حين بدا الضغط الأمريكي على إسرائيل ضغطاً واهياً.. فإن الضغط الإسرائيلي على أمريكا كان هائلاً، وبدا ما رأيناه في بعض المواقف غير قابل للتصديق. حقيقة! كانت إسرائيل الصنيعة الصغيرة للقوة العظمى وهي الولايات المتحدة قد قلبت الأدوار.

          بدا وكأنها ـ أي إسرائيل ـ هي القوة العظمى وكأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الصنيعة الصغيرة التي تعيش عالة وعلى الحساب.

          وكان ذلك شيئاً لا يقبله العقل، إذ كيف ترضى دولة عظمى لنفسها أن تعامل على هذا النحو من طرف صغير يعتمد عليها في كل شئ من رغيف الخبز إلى الطائرة الفانتوم.

إسرائيل أداة أمريكا
          لكن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك في الحقيقة.. إن الضغط الصهيوني على الولايات المتحدة ليس كل القضية، وإنما هناك إلى جانب ذلك أن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل أداتها في تنفيذ مصالح لنفسها تتصورها في هذه المنطقة.

          إن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل أكبر وسائل القسر والإرهاب ووقف التطور الحتمي على الأرض العربية.. وذلك هو المصدر الأساسي لقوة إسرائيل إزاء الولايات المتحدة إلى جانب إمكانيات الضغط الصهيوني بطبيعة الحال.
أهداف أمريكا
          ونحن نعتبر أن للولايات المتحدة ثلاثة أهداف في المنطقة:

  • أولها: إخراج الاتحاد السوفيتي منها.. ونحن نرى في الاتحاد السوفيتي صديقاً في الحرب وصديقاً في السلام.
  • وثانيها: عزل مصر عن الأمة العربية.. ونحن لا نستطيع القبول تاريخياً ومصيرياً بمثل ذلك لأن مصر جزء من الأمة العربية قدراً ومستقبلاً.
  • وثالثها: ضرب التجربة الاشتراكية في مصر.. ونحن نؤمن بطريقنا في التطور ونصمم عليه إلى آخر المدى.

أيها الأخوة أعضاء مجلس الشعب
          إن موقف الولايات المتحدة أصبح واضحاً... ونحن نعتقد أنه إزاء ذلك فإن من ألزم الأمور لنا أن نحدد وبطريقة قاطعة حاسمة موقفنا.

إن الولايات المتحدة تحاول اليوم أن تستغل مبادرتنا وتحولها إلى شئ لا علاقة له بما قصدنا إليه.

          الولايات المتحدة تتحدث الآن عن اتفاقية بشأن قناة السويس. ونحن لسنا على استعداد للحديث عن اتفاقية بشأن قناة السويس.

          إن قناة السويس ليست هي المشكلة. ولكن المشكلة هي الأرض المحتلة بعد 5 يونيه 1967، والحقوق الضائعة لشعب فلسطين.

          إن موقفنا الآن يتحدد بطريقة قاطعة على النحو التالي:

أولاً:

أن العالم كله يعرف الآن ماذا نريد وماذا يريد الآخرون.. نحن نريد السلام والآخرون يريدون التوسع... أي نحن نريد الحل والآخرون يريدون الحرب، لأن تلك هي النتيجة الوحيدة لدعاوى التوسع.

ثانياً:

أننا لسنا على استعداد لأن ننزل بالحل الذي نريده إلى مستوى اتفاقية حول قناة السويس، وإنما ما نتحدث عنه هو الحل الشامل وفق قرار مجلس الأمن وما هو مفهوم منه بالنسبة لمبدأين:

  • أولهما ـ الانسحاب الكامل.
  • وثانيهما ـ الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.

ثالثاً:

من هنا فإن قبولنا لقرار مجلس الأمن ما زال قائماً كما أن المبادرة التي أعلنتها يوم 4 فبراير في هذا المكان لا زالت قائمة بالمفهوم الذي عرضته بها وليس بأي مفهوم آخر.

رابعاً:

لضمان ذلك ولكي لا يكون هناك لبس فإن هناك الآن اشتراطاً ضرورياً لا يمكن الاستغناء عنه قبل أي خطوة أخرى، وهذا الاشتراط هو أن ترد إسرائيل بالإيجاب على ما طلبه منها السفير يارنج بتاريخ 8 فبراير 1971... وبغير هذا الرد الإيجابي من إسرائيل أولاً وقبل كل شئ، فانه لا يكون هناك مجال لأي بحث أو أي نقاش.

خامساً:

أننا على استعداد كامل لتحمل كل مسئولياتنا وتبعات كل موقف نتخذه ونحن نعتبر أن واجبنا الأول والأكبر والأوحد في هذا الظرف هو تحرير أراضينا العربية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي مهما كانت الصعاب والتضحيات.

أمريكا مسئولة أولاً
          إننا لن نسمح للولايات المتحدة بالمزيد من تضييع الحقيقة والتجني عليها، ولن نسمح للولايات المتحدة أن تتحلل من مسئوليتها أو أن تهرب منها.

          إننا نعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي المسئول الأول عن إسرائيل.
          إن سيل الأموال الذي يتدفق في الاقتصاد الإسرائيلي المشدود بأكثر مما يحتمل يجئ كله من الولايات المتحدة.

          إن السلاح الذي تمسك به إسرائيل يجئ الآن كله من الولايات المتحدة.
          إن طائرات الفانتوم التي أغارت على مدننا وعلى مصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة أمريكية فحسب، ولكنها عطاء أمريكي لإسرائيل.

          إن طائرات سكاي هوك التي تمثل أكبر الأعداد في السلاح الجوي الإسرائيلي ليست مجرد صناعة أمريكية فحسب ولكنها عطاء أمريكي لإسرائيل.

          إن المدافع البعيدة المدى والصواريخ المعقدة ابتداء من صواريخ هوك إلى صواريخ شرايك.. ليست مجرد صناعة أمريكية فحسب، ولكنها عطاء أمريكي لإسرائيل.

          إن إسرائيل لم تكن لتقدر على الحركة عسكرياً لولا مساعدة الولايات المتحدة. كما أنها لم تكن لتقدر على الحركة سياسياً بالمناورة وبالخداع وبالكذب وبتحدي الأمم المتحدة والرأي العام العالمي كله إلا بتواطؤ أمريكي.. يستوي في ذلك أن يكون التواطؤ والتآمر الفعلي أو بمجرد السكوت.

          ومن جانبنا وأمام الاحتمالات القادمة، فإننا نحذر أننا لن نستسلم أمام أي ضغط.. ولن نتردد أمام أي مخاطرة.. ولن نتوقف بدون اقتحام أي خطر.

          سوف نتقبل كل الخسائر ولكننا سوف نلحق بعدونا من الخسائر أكبر مما يتصور، وأفدح مما يظن في غروره واستعلائه.

          كذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف يكون عليها أن تتحمل أوزار ما تقترف أو ما يقترفه الآخرون بسلاحها.
          نقول ذلك بوضوح ولكي يعرف العالم كله.. ويكون على بينة.

قرارنا الحاسم
          لقد أعلنت من قبل وأكرر أمامكم اليوم أن عام 1971 يجب أن يكون سنة حاسمة لأننا لا نستطيع أن نبقى إلى الأبد معلقين في هذه الحالة بين اللا سلم واللا حرب.
          وعلينا أن نتخذ قرارنا في التوقيت المناسب، وفي الظرف المناسب، وبالطريقة المناسبة.

أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب
          لا أريد أن أفيض في تفصيلات ما سوف نتخذه، ولكني أدعو الله كما دعاه جمال عبد الناصر أن يلهمنا بحيث لا نتأخر لحظة عن الوقت المناسب ولا نتقدم عنه لحظة.

ذلك أن القرار كبير، بل أن القرار مصير. ومن حسن الحظ أن شعبنا فيما يواجهه يستند فيما يقرر على قواعد ثابتة.

          يستند أول ما يستند على ثقته بالله وثقته بنفسه وثقته بقواته المسلحة التي سوف تثبت بعون الله أنها معقد الأمل وأنها السند والدرع.

واثق من سلامة موقفنا
          ويستند شعبنا أيضاً على تعاون مع الاتحاد السوفيتي أثبت ويثبت في كل الظروف صدقه ونزاهته وصلابته.

          ويستند أيضاً على أمة عربية تعرف كلها اليوم أن الخيار الوحيد أمامها هو أن تكون أو لا تكون.

          ويستند أيضاً على تفهم عالمي.. لم يسبق له من قبل أن توافر لنضالنا..
          إنني في الأسابيع الأخيرة كنت على اتصال بالعالم كله تقريباً. لقد ذهبت إلى عواصم عديدة، موسكو، ودمشق، وطرابلس، وطهران، وجدة، والكويت.

          والتقيت في القاهرة بأطراف عديدين على اتصال بالأزمة، في مقدمتهم الرئيس اليوجوسلافي الصديق جوزيف بروز تيتو، والسير اليك دوجلاس هيوم وزير الخارجية البريطاني، وكان من حظي أخيراً أن أعقد اجتماعات مفصلة مع الرؤساء الأفريقيين الأربعة الممثلين لمنظمة الوحدة الأفريقية.

          وكنت على اتصال مستمر بالرسائل مع كل من يستطيع من قادة العالم والعصر أن يساهم في العمل من أجل السلام القائم على العدل.
          وفي النهاية.. فإنني أكثر ما أكون ثقة بسلامة موقفنا..

أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الشعب
          بالثقة في الله سبحانه وتعالى وبالثقة في النفس، وبالثقة في الصديق، وبالثقة في القريب، وبالثقة في الحق، وبالثقة في العدل، سوف نمضي.. وسوف يكون الله سبحانه وتعالى هادياً لمسيرتنا وراعياً لها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

------------------


(*) المصدر: جريدة الأهرام بتاريخ 12/11/1971