إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، في الذكرى الثانية لوفاة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر،28 سبتمبر 1972
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الثاني لعام 1972، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 168 - 172"

بسم الله.

         تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير، الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور.

         حين نلتقى اليوم - أيها الأخوة والأخوات - فى هذه الذكرى لكى نتدبر.. ونتأمل.. فإننى أجدني دائما فى موقف صعب، أريد أن اتحدث عن جمال، وجمال بالنسبة لى أخ وصديق منذ صبانا، وزعيم في شبابنا الى أن رحل عنا، تختلط كل هذه الأحاسيس ويكاد يغلب بعضها على الآخر.

شخصية الزعيم

         فى العام الماضى حاولت أن أتناول بعض الجوانب من شخصية جمال.

         واليوم.. أريد أن أتناول معكم في هذه الذكرى جانبا عبقريا واحدا فى حياة جمال، هو أن جمال الزعيم، الذى سمعنا من كل الأخوة  والأخوات الذين سبقونى بالكلام، عما فعله للفلاحين، وللعمال، وللمثقفين، وللرأسمالية الوطنية، وللجنود، وللمرأة، وللشباب.

         هذا الزعيم العملاق.. كل ما سمعناه كان له نبع واحد، هذا النبع- هو أن جمال عبد الناصر بعث من جديد الشخصية المصرية، فنحن جميعا نعلم أن جمال أول حاكم مصرى بعد ألفين سنة من أجل ذلك كان طبيعيا أن تكون ولايته بعثا حقيقيا للشخصية المصرية التى ظلت صامدة عبر آلاف السنين، أعطت العالم أول حضارة فى التاريخ، وأقامت أول دولة وأول حكومة في التاريخ، كان طبيعيا أن تكون زعامة جمال وولاية جمال بعثا للشخصية المصرية، وكان هذا هو النبع الذى صدر عنه، كل ما سمعناه.. وما سنسمعه.. وكل ما عايشناه.. وما سنعايشه فى المستقبل، من فكر جمال.. ومن زعامة جمال.. ومن أعمال جمال..

          ما هى أبعاد هذه الشخصية المصرية ؟ لقد ظلت الشخصية المصرية عبر التاريخ ذات أبعاد أساسية. الأصالة - الصلابة - الايمان، أصالة شعب عمره المكتوب أكثر من سبعة آلاف سنة، صلابة شعب عاش على هذه الأرض الطيبة الخيرة وهو متمسك بها، معتز بكل ذرة من ترابها، والايمان الذى لا حدود له، إيمان بالله سبحانه وتعالى، إيمان بهذه الأرض وكل من عليها وما عليها، ايمان بكل القيم التى أرادها الله - سبحانه وتعالى لصلاح هذا الكون، ايمان بالذات.. بالنفس.. عبر آلاف السنين.

الشخصية المصرية

         تعرض هذا الشعب لعشرات الغزوات ولم يذب أبدا شعبنا فى أى معتد أو أجنبى جاء إلى هذا البلد بل ذاب كل المعتدين فيه ولم يذب شعبنا أبدا احتفظ شعبنا عبر الأجيال الى يومنا هذا بأصالته، بصلابته، بايمانه، لأنه احتفظ  دائما بشخصيته.

         كانت روعة جمال أنه بعث هذه الشخصية من جديد بأبعادها كلها، أبعاد الأصالة والصلابة والإيمان ولنحاول أن نستعرض بعض علامات الطريق على المسيرة التى سار فيها جمال لأول ما بدأ جمال. وفى يقينى أن من أروع ما أنجزه جمال، هو أنه في وسط هذا العالم المضطرب بالأفكار والأيديولوجيات، والصراعات، حين فكر واختار، لم يستورد ايديولوجية أو مبادئ من خارج هذه الأرض.. وإنما استلهم الشخصية المصرية. استلهم أن الرأسمالية لا تصلح لنا.. جربناها، كان يعيش نصف في المائة فقط فى هذا الشعب في ظل النظام الرأسمالى.. يتمتعون بكل شيء، وبقية الشعب محرومون من كل شيء، الحزبية جربناها.. وعانينا منها، وكان من أهم مبادئ ثورتنا في 23 يوليو 52 أن نقضي على الحزبية، وأن نقيم نظاما ديمقراطيا سليما، وهو المبدأ السائد في الطرف الآخر الماركسية تقول بسيادة طبقة البرولوتارى وهي أيضا لا تصلح لشعبنا.

         لقد عاش شعبنا عبر تاريخه الطويل كما قلت ولم يفقد شخصيته أبدا ذات الأبعاد الثلاثة. الأصالة والصلابة والايمان، رفض ديكتاتورية طبقة.. أو أية دكتاتورية.. أيا كان الذى يفرضها. سواء كانت طبقة.. أو فردا.. أو جماعة.. أو حزبا.. رفضها جمال، لأنها لا تصلح لنا بطبيعة تكوين هذا الشعب، أو النبع الذى يصدر عنه انفعال هذا الشعب، وهو أنه عائلة واحدة، يحس فيها كل انسان بأخيه، كما هو الحال إلى يومنا هذا فى القرية.. ليست المدينة أبدا تعبيرا عن شيء، التعبير الحقيقى عن شعبنا هو القرية، وستظل القرية إلى الأبد هى التعبير الحقيقى عن شعبنا، أسرة واحدة، عائلة واحدة، اذا حاول أحد أن يفرض سيطرته على هذه الأسرة  نبذوه ..  ولكن برفق وبأخوة. وعندما يقتضى الأمر يقفون منه الموقف الذى يجب أن يقفونه منه.. شعب استمد أصالته من عمر طويل، وحضارته هى أول حضارات التاريخ في هذا العالم - بشهادة العالم كله - فهو يرتفع فوق المظاهر، هو شعب يذهب أو يعنى دائما بالجوهر.. وليس بالمظهر، وهو شعب مجامل.. شعب طيب.. ولكنه فى الحق صلب، لأن الأصالة لابد أن تورثه الصلابة، الى جانب ذلك شعب مؤمن له قيمه، يؤمن بالوفاء، يؤمن بكل القيم.. كما قلت.. التى أرادها الله سبحانه وتعالى لهذا الكون والبشر لكي يعيشوا حياة  قوية  شريفة، يؤمن بالحب، يحس كل إنسان بأخيه فى القرية، يشارك كل انسان أخاه فى مأتمه وفى فرحه.. وفى عمله.. وفي حقله.. فى كل المناسبات، أسرة واحدة.

         عندئذ اهتدى جمال وسط هذا الصراع من الايديولوجيات والمبادىء الى شخصية شعبنا، وهو الذى أزال التراب عن الشخصية المصرية، اهتدى الى تحالف قوى الشعب العاملة، وفى يقينى أن هذا كان قمة من قمم عبقرية جمال عبد الناصر. ليست رأسمالية لكى تتمتع القلة بكل شىء.. ويحرم المجموع من كل شىء تحت اسم المنافسة. وليست فرض دكتاتورية طبقة من الطبقات على بقية الطبقات. شعبنا بطبعه كما قلت.. في القرية ينفر من فرض الأمر عليه أيا كان.. فرد.. أو عائلة.. أو طبقة.. يرفض هذا. شعبنا بطبعه السمح.. يريد أن يعيش الكل فى إطار الأسرة الواحدة، ومن واقع إيمانه.. وماورثه.. ورسالة السماء.. هنا على

<1>