إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          على أنه من المهم جداً تقديري - ونحن بصدد تحديد أين نحن الآن وإلى أين نسير- أن أسجل أن نجاح الثورة النهائي - أى ثورة - هو حين، تتحول الى نظام واستقرار.

          ان من طبيعة الثورات، وهى تمارس عملية، تغير حادة  وضرورية في المجتمع أن تقترن بالكثير من الاجراءات الاستثنائية التي لا مفر منها، ذلك أن الثورة حدث لا يقع كل يوم ولا كل جيل، انه حدث استثنائى يصبح حتميا حين تتوافر أسبابه وتتراكم دوافعه، وتسد كل وسائل التغير الأخرى في وجه الجماهير، وهو بالتالى حدث يتعامل مع مختلف المصالح والآراء والخلفيات والارتباطات، ويتم عبر غبار كثيف حيث يدور الهدم والبناء والتنقيب والاصلاح.

          ولكن الثورة مهما حققت من نجاحات، فان النجاح الأخير لها هو وصولها الى تحقيق أهدافها. هو ان ينقشع الغبار عن صورة البناء الجديد. هو حين يشعر الشعب ان مؤسساتها قد اتضحت معالمها، وان قوانينها العامة قد تبلورت وأن مبادئها الأساسية صارت جزءا من ضمير الشعب. وان العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة قد أخذت طريقها الى الاستقرار.

          بهذا تصل الثورة الى بر الأمان. انها ساعتئذ تصبح نظاما للحياة، ومجموعة سائدة من القيم والمبادئ، تستمد استقرارها من هندستها الداخلية وتناسقهـا الذاتى واتساعها لآمال الجماهير وحركتها. وليس من اجراءات استثنائية تحميها.

          وليس معنى ذلك انه قد تم حل كل مشاكل الجماهيروا والوفاء بكل متطلباتها، فان متطلبات كل مجتمع ومشاكله تتطور من يوم ليوم الى غير ماحد، وتحتاج الى نشاط مستمر لمواجهتها، ولكن معناه اننا عرفنا معالم الطريق، وأرسينا المنطلقات التي منها نتحرك لمواجهة هذه المشاكل والمتطلبات.

          وليس معنى ذلك أيضا اننا قد وضعنا اطارات جامدة غير قابلة للتطوير، ان هذا ضد قوانين الحياة. وسوف يظل لكل منا فكره ازاء الظروف المتغيرة، واجتهاده فيها، ولكن النقاش والتفاعل والوصول الى القرارات، صارت له قنواته المعروفة المستقرة. حتى تغيير القوانين صارت له وسائله الدستورية المحددة، كما يحدث فى كل المجتمعات.

          وهنا اقول ايضا ان حركة التصحيح كانت تستمد ينابيعها من هذا الاحساس بوصول الثورة الى مرحلة النظام والاستقرار، ولذلك كان جوهرها: تراجع الإجراءات الاستثنائية بشتي صورها، واستقرار القوانين والنظم والمؤسسات والعلاقات فى اطارات واضحة المعالم معروفة مسبقا للمواطن، يمارس من خلالها نشاطاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من اجل تحقيق ذاته وتطوير حياته باستمرار.

          واذا أردت بعد هذه الاجابة عن سؤال: أين نحن، ان أجيب على الشق الثانى وهو: الى أين نسير، لقلت انه يجب علينا ان نتحرك فى اتجاهين:

          الأول: تخليص تجربتنا الوطنية من كل السلبيات التى شابتها أو عاقت حركتها.

          والثانى: ان نوائم بين حركة العمل الوطنى وبين الظروف الجديدة التى نعيشها ويعيشها العالم من حولنا.

          اما عن الاتجاه الأول، فيهمنى بادئ ذى بدء ان أكرر ما قلته مرات عدة من اننى شريك فى المسئولية عن كل ما وقع فى مصر منذ 23 يوليو 1952 حتى الآن، ومن موقع المسئولية هذا امارس النقد الذاتى للتجربة، وأمارسه بكل اطمئنان لا يمانى العميق بأن محصلة التجربة ايجابية تماما، وثقتى بأن نظامنا الوطنى التقدمى قد رسخت قدماه واستقر فى وجدان الشعب بحيث لا يمكن ان ينال من أسسه النقد النزيه، بل ان مثل هذا النقد يكسبه قوة وحيوية ويجعله أكثر قدرة على التصدى للمهام العظيمة التى تنتظر شعبنا والتي تتطلع لها الجماهير العريضة. وفى هذا الصدد لا اتردد في القول بأن منجزاتنا الكبيرة كانت تنسحب عليها فى كثير من الأحيان سحابة قاتمة نتيجة لفقدان سيادة القانون ولقصور الديمقراطية السياسية. ولقد قال الميثاق:

          ((ان الديمقراطية هى الحرية السياسية، والاشتراكية هى الحرية الاجتماعية، ولا يمكن الفصل بين الأثنتين، انهما جناحا الحرية الحقيقية وبدونهما أو بدون أى منهما لا تستطيع الحرية ان تحلق الى آفاق الغد المرتقب)).

<10>