إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

1 - التنمية الاقتصادية:

          لقد قلت قبل حرب اكتوبر بأيام وفى ذكرى عبد الناصر- وكنت قد أصدرت امر القتال وتحركت الاداة العسكرية بالفعل - ان المهمة التى تلى المعركة مباشرة من حيث الأهمية هى مهمة التنمية الاقتصادية. ذلك ان التنمية بالنسبة لنا قضية حياة أو موت، قضية ان نعيش هذا الربع الأخير من القرن العشرين أو ان تجذبنا أغلال التخلف، ونجاحنا في معركة التنمية هو الذى سيحدد كل أوضاعنا المحلية والدولية.

          وقضية التنمية تكتسب اليوم وضعا أكثر أهمية بسبب المعركة ضد العدوان، فقد تحمل الاقتصاد المصرى منذ 1967 ما يزيد عن خمسة آلاف مليون جنيه انفاقا عسكريا مباشرا، وتحمل من الخسائر ومن فرص الربح التى ضاعت بسبب العدوان ما يقارب هذا المبلغ. أى ان الشعب المصرى قد تحمل فى سبيل ردع العدوان أكثر من عشرة آلاف مليون جنيه، فضلا عن أرواح شهدائه التى لا تقدر بثمن. ولم يكن الشعب المصرى يدفع هذا الثمن دفاعا عن نفسه فقط، ولكن دفاعا عن الأمة العربية كلها التى تهددها الغزوة الصهيونية. بل اننى استطيع ان أقول ان نضالنا هذا كان من أجل البشرية التى ترغب فى أن تعيش فى سلام قائم على العدل، وفى أن نضع حدا لسياسة الفتح والضم، وأن نؤكد حق الشعوب فى تقرير مصيرها. ولذلك، فاننا نتوقع ان يستمر ويتدعم ما لقيناه من تأييد خلال المعركة، ليكون سندا فى مرحلة التعمير واعادة البناء.

          ان عبء الانفاق العسكرى قد هبط بمعدل التنمية فى مصر من 7.6% وهى النسبة التى سادت الفترة من 1956- 1965 الى اقل من 5% سنويا. وكان افدح ما اصاب الاقتصاد المصرى فى هذه الفترة هو التخلف فى عمليات الاحلال والتجديد في المرافق الأساسية والوحدات الانتاجية والخدمات، مما يلقى على اقتصادنا فى المرحلة المقبلة عبئا ضخما فى المجال وحده. أما تعمير المناطق التى أصابها العدوان بشكل مباشر فان التقديرات الأولية قد تجاوزت ثلاثة آلاف مليون جنيه. وليس فى هذا كله جديد. كل الدول التى خاضت حروبا مثلنا لكى تحمى مستقبلها كله من العدوان تعرف ان فترة ما بعد الحرب تفرض تضحيات وجهودا لا تقل عن تلك التى فرضتها الحرب ذاتها، وعلينا اذن ونحن نواجه مشكلات الحياة اليومية ان نتذكر دائما هذه الحقيقة. وان ندرك ان الرخاء يحتاج منا الى عمل كثير وطويل وشاق.

          والسبيل الأساسى لمواجهة هذا كله هو الارتفاع السريع بمعدلات التنمية، فما نحققه من تنمية فى عام، يزيد من قدراتنا فى العام التالى. ولذلك فان هدف الارتفاع بمعدلات التنمية الى اعلى مما كانت عليه قبل 1965 هو الهدف الأول والحيوى والضرورى فى مرحلة التقدم والبناء.

          ونحن من اجل تحقيق هذا الهدف محتاجون ان ندفع الى العمل. وبأقصى طاقة، كل ما يتوفر لدينا من محركات الانتاج وعناصره فى شتى المجالات.

          ان لدينا قطاعات الاقتصاد القومى الثلاثة: القطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع التعاونى. وبسياسة الانفتاح الاقتصادى يتسع المجال امام الاستثمارات العربية والأجنبية. وهذا كله فى اطار من التخطيط الذى يرسم أهداف استراتيجية لتغيير صورة البلاد تغييرا جذريا، ويضع الخطط التفصيلية التى تكفل تحقيق هذه الاهداف.

          اما عن القطاع العام، فقد سبق ان قلت انه:

          "بما توافر له من وضع قيادى فى اقتصادنا القومى كان الأداة الفعالة فى التنمية. وبفضله تحققت الزيادة الضخمة فى الانتاج، وقامت المشروعات الكبرى. ومن عائده استمر تمويل التنمية. وهو الذى حقق الصمود الاقتصادى بعد العدوان"

          ولا شك ان تجربة القطاع العام قد شابتها بعض الشوائب. فقد تسللت البيروقراطية الادارية الى الكثير من مواقعه، وتحمل القطاع العام عبء ضم مرافق ما كان لها ان تدخل فيه، ولا طاقة لأجهزته على ادارتها، سواء لتبعثرها، أو صغر حجمها، أو لأنها مما يحسن تركه للقطاع الخاص، لأنه لا يمثل أهمية اقتصادية تتفق مع جوهر مهمة القطاع العام. كذلك فان بعض قرارات الضم الى القطاع العام قد دفعت اليها نزعة عقابية شوهت فكرة القطاع العام التى لا تمت الى العقاب بصلة. ثم انه كان عليه  أن يستوعب ويتحمل الكثير مما يمت بصلة الى مشاكل قومية أخرى فهو الذى دفع ثمن أخذنا بسياسة العمالة الكاملة، وتثبيت الكثير من اسعار السلع لتكون فى متناول يد الجماهير.

<15>