إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          على اننى اود أن أؤكد أن تجربة القطاع العام فى التحليل الأخير ايجابية تماما. وما يحدث احيانا من انحرافات أو قصور في الاداء لا يجوز أن يطمس في اذهاننا الصورة الحقيقة لمنجزات القطاع العام ولكفاءة رجاله الذين شكلتهم تجربته بمئات الآلاف من مديرين وخبراء وفنيين وعمال، يعدون الآن ثروة قومية تعتد بها البلاد، ورصيدا ضخما في بناء مستقبلها.

          اننا نريد للقطاع العام مزيدا من الترشيد، ومزيدا من الانطلاق، ومزيدا من التخلص من المعوقات والأساليب التى تقلل كفاءته. وتلك مهمة اساسية علينا ان ننهض بها دون تأخير.

          ودور القطاع العام فى المرحلة المقبلة بالغ الأهمية.

          ففى ظل سياسة الانفتاح، وتشجيع القطاع الخاص والاستثمار العربى والاجنبى، يظل القطاع العام هو الأداة الاساسية لتنفيذ أى خطة للتنمية، وهو الذى يتولى المشروعات الأساسية التى لا يقدم عليها غيره. ذلك ان القطاع العام هو وحده الذى يمكن ان تلزمه الخطة الزاما مباشرا، فى حين أن التخطيط للقطاعات الأخرى له معنى مختلف، ويتم بأساليب غير مباشرة كالضرائب والائتمان والأسعار والحوافز والاعفاءات.

          كما أن القطاع العام يظل الأداة الأساسية للتعيير عن الارادة الوطنية فى تشكيل اقتصادنا القومى.

          انه الضمان الرئيسى لأن القرارات الاقصادية الهامة قرارات مصرية، تعبر بالفعل عن استقلال مصر الاقتصادى، فى اطار القوانين الثابتة التى تكفل الاستقرار لسائر القطاعات، ودون اللجوء الى سياسة الأجراءات الاستثنائة التى تم العدول عنها.

          ثم ان القطاع العام، خصوصا فى البلاد النامية، هو الذى يقدم للقطاع الخاص وللاستثمارات الأجنبية خدمات لا يمكن الاستغناء عنها. فالاستثمارات لا تتجه إلى البلاد التى تفقد مقومات البيئة الاستثمارية اللازمة: انما تتجه الى البلاد التي تتوفر فيها هذه البيئة من هياكل انتاجية كافية، ومرافق حيوية، ودرجة كافية من التصنيع وخبرات فنية محلية، وايدى عاملة ماهرة.. وكلها عناصر لعب القطاع العام الدور الاساسى فى تشييدها وايجادها فى مصر على نطاق غير متوفر في كثير من البلاد الأخرى النامية.

          أن القطاع العام ظاهرة معروفة فى كل البلاد. وهو عندنا، السند القوى الذى نستند اليه لننفتح اقتصاديا بغير عقد، وفى حرية حركة كاملة.

          على أن كل عمل جاد من أجل التنمية، لابد له من الاستفادة من كل الموارد الطبيعية والبشرية المصرية، بالاستفادة من كل مبادرة فردية خلاقة، وتشغيل كل طاقة قادرة على العطاء وترشيد الاستهلاك عن طريق ايجاد مجالات انتاجية تتجه اليها المدخرات وتشجيع على المزيد من الادخار، وفى هذا المجال هناك دور كبير يستطيع القطاع الخاص والقطاع التعاونى ان يقوما به.

          ان مواثيق الثورة واضحة من حيث انها لا تدعو الى التأميم الشامل، ولا تقصر الساحة على القطاع العام، انما تقرر مبدأ سيطرة الشعب على وسائل الانتاج الأساسية، بمعنى ضمان استخدام تلك الوسائل لصالح التنمية، في ظل الكفاية والعدل. ولذلك فان للقطاع العام دورا هاما فى التنمية، ولا بد من أن نقر بأننا لم نف دائما باحتياجاته، ولم نوفر له كل الظروف التى تشجعه على مضاعفة نشاطه الانتاجى. ثم ان تعاقب القرارات والتصرفات المتناقضة بشانه قد عطل فاعليته كطاقة انتاجية، فصرفه الى استثمارات طفيلية، أو أوجد لدى اصحابه أنماطا استهلاكية مسرفة، حين كانوا لا يجدون سبيلا الى استثمار ما لديهم في انتاج مستقر. وقد آن الأوان لأن تختفى هذه الظروف نهائيا، وأن يجد القطاع الخاص من الاستقرار الفعلى والتشجيع، ما يشجعه على الاندفاع بأقصى ما لديه فى مجال الانتاج وسد حاجات المجتمع. كما ان القطاع التعاونى، بشقيه الزراعى والحرفى، فى حاجة الى دفعة قوية، لتلحق الأنشطة التي يمارسها بمعدلات التنمية المنشودة.

          اننا ندرك تماما أن عبء التقدم والبناء يقع أساسا على عاتق الشعب المصرى. ولكن مهما يكن من شأن الموارد المحلية التى نستطيع تعبئتها، فنحن فى أمس الحاجة الى موارد خارجية وظروف عالم اليوم تجعل من الممكن أن نحصل على تلك الموارد بالشكل الذى يدعم اقتصادنا ويعجل بالتنمية. ومن هنا كانت الدعوة الى الانفتاح الاقتصادى، وهى دعوة مبنية على تقدير لاحتياجات الاقتصاد المصرى من ناحية، والفرص المتاحة للتمويل الخارجى من ناحية أخرى.

<16>