إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          وبالصناعة، وما تقدمه من آلات وأسمدة، وما تستخدمه من منتجات زراعية، نستطيع ان نطور الزراعة المصرية تطويرا جذريا يزيد من انتاجها، بمعدل يواكب معدل التنمية الصناعية، حتى لا يختل بنيان الاقتصاد المصرى، وحتى نحد من اعتمادنا على الاستيراد فى المنتجات الزراعية.

          وهذا كله لا يتأتى الا بتوفير الطاقة التي هى عصب التقدم. ونحن نبذل بالفعل غاية الجهد فى التنقيب عن البترول، والامكانيات في هذا المجال ما زالت كبيرة ويجب الى جانب ذلك توفير الزيادة المستمرة في الطاقة الكهربائية لاستخدامها على أوسع نطاق، حتى نوفر البترول للصناعات البتروكيمائية وللتصدير.

          كذلك لا بد من دفعة ثورية لتطوير نشاط السياحة في مصر. فنحن فى وضع ممتاز من حيث امكانيات السياحة على مدار السنة وبمختلف أنواعها من تاريخية ودينية وطبية وترفيهية. ونحن بموقعنا الجغرافى في قلب العالم وملتقى طرقه.

وليس تطوير السياحة هو مجرد اقامة فنادق جديدة فحسب. ان تطويرها يرتبط بتطوير البيئة الحضارية كلها التى يحتك بها السائح. ونوع المعاملة والتسهيلات التي يتوقعها. وتنويع المواقع السياحية من جهة، وتنويع مستوياتها من جهة اخرى وتيسير سبل الوصول اليها، وتوفير وسائل اتصاله السريع بأنحاء العالم الخارجى خلال عمله او اقامته.

2 - التنمية الاجتماعية:

          ان تحقيق كل هذه الأهداف الطموحة، عماده فى التحليل الأخير الانسان المصرى. فالانسان هو صانع التنمية، وهو الذى يجب أن يكون هدفها اسعاده. فالأموال بغير بشر قادر، اوراق مكدسة في خزائن. والالات مهما كانت حديثة، اجساد هامدة بغير يد الانسان الماهرة، واخصب الأرض تظل بورا مالم يمسها عمل الانسان، وان اهم ماحبا الله به مصر من نعم لهو شعبها. وان ثروتنا القومية الأولى هى البشر. وهى ككل ثروة تحتاج الى تنمية. وتنمية الثروة البشرية تعنى أول ما تعنى رعاية قدرتها على العطاء والعمل بتوفير الغذاء والكساء والخدمات الصحية والسكن، وتطوير قدراتها الانسانية عن طريق التثقيف والتعليم والتدريب. لقد أثبت العامل المصرى انه كالمقاتل المصرى قادر على استيعاب التكنولوجيا الحديثة. وأثبت الخبراء المصريون فى الداخل والخارج انهم على مستوى عال بكل المقاييس. وبلادنا غنية بشبابها المتعلم وخبراتها الفنية والادارية، ولكن ما ينتظرنا من مهام يتطلب المزيد.

          ولذلك لا بد أن تلقى التنمية الاجتماعية نصيبها الحق فى استراتيجيتنا الحضارية الشاملة. ان هذه الاستراتيجية الحضارية. الشاملة لا يمكن ان تكون تنمية اقتصادية خالصة، بل لا بد أن تكون اجتماعية فى نفس الوقت. بل اننى أقول ان التنمية الاقتصادية ذاتها لا يمكن أن تستقيم وتنطلق الا اذا سايرتها تنمية اجتماعية بمعدلات متكافئة. ويكفى ان أشير فى هذا المقام الى أنه يستحيل السير طويلا فى سياسة تصنيع شاملة مثلا دون توفير العدد اللازم من العمال المؤهلين والفنيين والاداريين على مختلف المستويات.

          ان واجبنا نحو هذا الانسان المصرى، الذى نعتبره رصيدنا الأساسى، والذى نعمل به ومن اجله، أن لا نتركه فريسة للأمية أو المرض أوالتخلف. ولكن علينا أن نعطيه كافة فرص التطور، حتى يعطى بلاده أحسن ما لديه.

          ولقد ثبت من كل تجارب التنمية، ان مجرد التقدم المادى على أهميته ليس كافيا وحده للنهوض بالانسان وتغيير حياته تغييرا حقيقيا وانه لا بد بالتالى من الاهتمام بالجوانب الأخرى التى تساهم فى تكوينه. وهذا فى حد ذاته مساهمة فى التنمية لا تقل فى اهميتها عن شراء الالات واقامة المصانع، ويكفى ان ننظر الى درجة انتاجية الفرد، التى هى احد محاور التنافس العالمى، ومدى تأثرها بدرجة وعيه الاجتماعى، وخبرته الفنية، وانسجام عاداته مع متطلبات المجتمع الجديد، لكى نعرف الأهمية الكبرى لهذه التنمية الاجتماعية.

          ويهمنى هنا فى الدرجة الأولى، ان نؤكد أنه قد آن الأوان للبدء جديا في تلك المهمة الصعبة التي تأخرنا فيها كثيرا، وهى القيام بثورة شاملة فى نظم ومفاهيم التعليم والتثقيف العام بكل انواعه ومستوياته.. ابتداء من محو الأمية، الى التعليم العام والفنى والجامعى، الى البحث العلمى والتكنولوجي.

<18>