إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          ولست هنا بصدد شرح تفصيلى لهذه القضية التى يجب أن تكون محل بحث قومي شامل، ولكننى فقط أريد ان اسجل بعض الملاحظات الأساسية المتعلقة بمفاهيم هذه القضية ذات الأهمية الكبرى.

          أن أهم ما طرأ على منطق التعليم والبحث فى العالم هو زوال المسافة بين الفكر والعمل. وبالتالى لم يعد التعليم مسألة مقررات دراسية جامدة تقف مهمة التعليم عند استيعاب الطالب لها. ولكن اصبح التعليم مرتبطا ارتباطا عضويا بحركة المجتمع ومتطلباته.

          ومعنى ذلك ان التعليم والتثقيف العام صار لهما هدفان متلازمان:

          الأول: هو ايجاد الفرد المتعلم المستنير، بحيث يكون اكثر فهما واتساقا مع مجتمعه وعصره، وأكثر قدرة على استيعاب المعرفة الانسانية والاستمتاع بها، وأكثر تفهما للقضايا العامة فى بلاده وفى محيطه وبيئته التي يعش فيها.

          والثانى: هو تزويده بخبرة متقدمة محددة، تمكنه من القيام بالدور الذى يتناسب مع هذه الخبرة في شتى مواقع العمل والأنتاج فى بلاده.

وتحقيق هذه الغاية يستلزم عدة أمور.

          منها عدم صب التعليم فى قوالب واحدة، بل العمل على تنويعها قدر الامكان حتى تلبى شتى أنواع الخبرات والتخصصات والمهارات المطلوبة فى عملية التنمية التى تنهض بها على جبهة عريضة.

ومنها ربط أنواع معينة، ومراحل معينة، من التعليم بالبيئة، سواء كانت الريف أو الحضر، الحقل أو المصنع.. فبذلك لا نعانى من مشكلة الارتداد الى الأمية حين ينفصل الطالب عن المدرسة ويعود إلى بيئته.. وبالمثل لا نعانى من الوجه الآخر للمشكلة، وهو هجرة المتعلم من بيئته وبالتالى افقار هذه البيئة دائما من مردود انتشار التعليم فيها.

          ومنها توثيق الصلة بين الجامعات والمعاهد على اختلافها وبين مواقع العمل ذات الصلة بتخصصاتها من مؤسسات وشركات انتاجية أو تجارية وغيرها، فى عالم تلعب المعرفة فيه دورا متزايدا فى تطوير القدرة الانتاجية.

          ومنها القضاء على فكرة الفارق الاجتماعي بين تعليم وتعليم، فبهذا نسد حاجة بلادنا الى كل المهارات والخبرات ونعلى قيمة العمل بوصفه القيمة الاجتماعية الأولى. ونتخلص من ذلك المرض الوبيل الذى يجعل التعليم بالنسبة للكثيرين مجرد سبيل الى اكتساب ميزة اجتماعية معينة، ويجعل الهدف الأسمى لبعض المتعلمين الوصول الى وظائف مكتبية، بصرف النظر عن قيمتها فى حركة المجتمع.

          الأمر الثاني الذى طرا على منطق التعليم والبحث فى العالم، هو ما اصطلح على تسميته بنظرية التعليم المستمر.

          ففي هذا العصر الذى يتسارع فيه التقدم العلمى والفنى والتكنولوجي على نحو مذهل، هذا العالم الذى كثيرا ما تصبح الآلة فيه قديمة متأخرة بمجرد الانتهاء من صنعها لظهور ما هو أحدث منها فى هذا العصر، صار محتما على العناصر النشيطة والمنتجة فيه أن تكون فى حالة من التعليم المتواصل والتحصيل المستمر. وبغير ذلك، لا يلبث المتعلم أن يتخلف عن الجديد، مهما كانت درجة الخبرة والثقافة التى حصل عليها خلال دراسته.

          وتحقيق هذه الغاية يستلزم بدوره عدة أمور.

          منها الاستفادة بثروة المعلومات في العالم، وجعلها دائما فى متناول كل الراغبين..عن طريق تحديث المكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث ومراكز الاطلاع، وتسهيل استيراد أحدث الكتب والمجلات والدوريات واعطائها الأولوية المناسبة لها.

          ومنها حلقات الدراسة وبرامج التدريب المستمر على كافة المستويات، من المديرين للالمام بأحدث فنون الادارة، الى المدرسين أنفسهم لتأهيلهم فى المساهمة فى تطوير المناهج وطرق التدريس، الى التدريب المهنى المستمر في شتى فروع العمل لرفع الكفاءة الانتاجية.

          ومنها استخدام وسائل التثقيف العامة فى تقديم برامج دراسية حرة فى الفروع المختلفة.

<19>