إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          واخيرا فان الانسان المصرى المستهدف من هذه التنمية الاجتماعية هو اليوم وغدا الشاب المصرى، ولذلك فان رعاية الشباب وتربيته على تحمل المسئولية، مشاركته الفعالة في بناء المجتمع امور لا غنى عنها فى هذه المرحلة الحاسمة. وان هذا المستقبل الذى نحاول اليوم أن نبنيه انما هو من اجلهم. ولذلك لا يجوز ان يتركوا غرباء عنه.

3 - خريطة جديدة لمصر:

          أن شعبنا بعد هذه الآلاف من السنين، وازاء التزايد السريع فى تعداده، ومع نوع الحياة الجديدة التى نطلبها له، لا يمكن ان يظل محصورة  حياته فى الدلتا ووادى النيل الضيق، ولا يمكن أنما يظل لا يشتغل بسكانه وعمرانه اكثر من 3% تقريبا من مساحة بلاده.

          ان هذا يتعارض مع امنه القومى، الذى ربما كانت الصحراوات الواسعة في العصور القديمة تعتبر وافيا طبيعيا له، ولكنها لم تعد كذلك فى عالم اليوم بأسلحته الحديثة، بل اصبحت على العكس تشكل فراغات استراتيجية لا يجوز تركها. وهو يتعارض مع معدلات زيادة السكان العالية. فلقد ضاق الوادى فعلا بسكانه البالغ عددهم خمسة وثلاثين مليونا، ولا يمكن الانتظار حتى يبلغ الأربعين والخمسين مليونا دون أن نتحرك، وهو أخيرا وضع يتعارض مع السياسة الأمثل لاستغلال الثروات الطبيعية المتاحة. وفتح آفاق جديدة امام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وايجاد انماط جديدة لحياة احسن وارحب للمواطنين فى بيئات جديدة واكثر تنوعا.

          وليست المشكلة فقط في تركز السكان ومعظم النشاطات الإقتصادية والاجتماعية فى الوادى القديم فحسب، ولكن تضاف الى هذه المشكلة مشكلة أخرى، هى مشكلة التركز الأعظم في العاصمة، حتى وصل عدد سكانها المقيمين الى خمس مجموع سكان القطر بأكمله، وهى نسبة عالية جدا بأى معدل عالمى، وهى فوق ذلك نسبة آخذة فى الازدياد ما لم نتصد لها من الآن بالحلول المناسبة.

          ان هذا الوضع الذى ما زال يطلق العنان للتركز الشديد في القاهرة، قد ضاعف من مشكلاتها الحياتية بصورة لا يمكن أن تجدى معها أى حلول من قبيل المسكنات اذا ظلت الأمور تمضى فى هذا الاتجاه.

          ثم اننا ونحن بصدد  تجديد العاصمة لكى تصبح مدينة جديرة بوضعها العالمى بتزويدها بالمرافق اللازمة ووسائل الاتصال الحديثة، وتسهيلات العمل والحركة الاقتصادية والسياحية، فضلا عن مكانتها التى تجعلها مقرا لنشاطات ومؤسسات دولية واقليمية كثيرة، كل هذا سوف يضيف اعدادا كبيرة الى سكان القاهرة والمترددين عليها والمستفيدين من مرافقها.

          وبالاضافة الى ذلك، فان هذا التركز الشديد في العاصمة جعل منها قوة جذب لا تقاوم، تمتص من شتى انحاء القطر الكثير من الامكانيات ومن الاختصاصات ومن العناصر البشرية فتزداد بذلك الهوة اتساعا بينها وبين سائر انحاء القطر، وتعرقل ضرورة أن يكون النمو والرقى متكافئا في مختلف انحاء البلاد.

          ان من حق الأقاليم علينا، وهى التى ما زالت مصدر تراثنا القومى الرئيسى، ومنبع ذخيرتنا البشرية، أن لا نتركها تقاسى من آثار ذلك الفاقد المستمر لحساب العاصمة لمجرد ان العواصم بطبيعتها اعلى صوتا واقرب الى عيون وآذان الحكام.

          ولقد سبق ان طرحت ضرورة اعادة بناء القرية المصرية، كما بدأنا في خطة لكهربة الريف المصرى كله. وبعد 6 أكتوبر والآفاق التي انفتحت امامنا، وبعد أن قررنا أن ننهض لوضع وتنفيذ استراتيجية حضارية شاملة، أعتقد انه قد آن الأوان لأن نستوعب هذا كله فى اطار مشروع شامل لرسم خريطة جديدة لمصر.

          ان هذا لا يكون بمجرد إقامة مشروعات مبعثرة هنا وهناك. ولكنه يكون بايجاد مناطق تركز سكانى ونشاطات اقتصادية جديدة من قوة الجذب الحضارى، بكل مقومات، ما يشد اليها مجموعات كبيرة من السكان، ويقيم فيها حياة منتجة نشيطة مستقرة متمتعة بكل الخدمات، حتى تعادل قوة جذب العاصمة، ولا تقل عنها اغراء وقابلية للحياة والعمل والاستمتاع.

          ان منطقة قناة السويس، ذات الموقع العالمى الفريد، لا يمكن أن تقف كما كانت عند الحافة الغربية للقناة، بل يجب ان يمتد عمرانها المقبل الى قلب سيناء، وفي اطار خطة واحدة شاملة، تتحول هذه المنطقة الى ارض صناعة وزراعة وسياحة ومناطق حرة وكليات جامعية ذات تخصصات

<21>