إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد الاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

تتلاءم مع حاجات المنطقة. انها بموقعها الفذ كفيلة أن تجتذب مختلف أنواع الاستثمارات، وأن يتم تخطيطها الشامل على احدث نظم التخطيط الإقليمي. بما يجعلها بحق ارضا للحياة الجديدة، ونموذجا رائدا لمصر التي نريدها قبل نهاية هذا القرن.

          وبنفس المنطق، ومع مراعاة ظروف كل منطقة، يجب الامتداد بمناطق العمران غربا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وشرقا على ساحل البحر الأحمر، وجنوبا حول بحيرة ناصر.

          ان امكانيات التعدين والصناعات والثروات البحرية، والإمكانيات السياحية، متوفرة فى هذه المناطق الى اقصى حد، ولا يلزمها الا ان ننظر فى تخطيطنا الى أفق بعيد، وأن تكون لدينا روح الريادة والاقتحام فى هذه المناطق الجديدة.

          ان مصر منذ فتح قناة السويس وما استتبعه هذا من انشاء مدنها الثلاث، أى منذ أكثر من مائة سنة، لم تنشأ فيها مدينة جديدة. هذا بينما اصبح ضروريا ان يكون لمصر مشروعاتها لإقامة المدن الجديدة، ولانشاء عدد من الموانئ الجديدة والمدن الملحقة بها على شواطئنا البحرية الطويلة، الأمر الذى لا مفر منه للاستفادة من منافذنا على بحرين من أهم بحار العالم وأحفلها بحركة التجارة والنقل والسياحة، ولتحقيق وجود مصرى حقيقى متكامل فى شتى أطراف البلاد.

          ان هذه الخريطة الجديدة المطلوبة ليست جغرافية وسكانية فحسب. انها ستكون بالضرورة اقتصادية فى الأساس، لأنه لا يمكن مد الحياة المستقرة الا الى حيث توجد مرافق العمل والرزق، الأمر الذى يجعل وضعها مرتبطا بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

          على انها يجب أن يكون فوق ذلك مدخلا الى ثورة ادارية، باتت مطلوبة الى حد كبير.

          فهذا الاتجاه لابد أن يقترن به تحرك مدروس وحاسم، نحو اعادة توزيع السلطة في شتى مرافق الدولة على مختلف انحاء القطر، وعدم حصرها فى القاهرة.

          ان القاهرة كعاصمة، ستبقى بالطبيعة مقرا للوزارات وعدد كبير من المؤسسات وسائر النشاطات، ولكن لا يجوز أن يتكدس فيها اكثر مما تتطلب مهماتها العقلية من دراسة وتخطيط وتوجيه مركزى. وبعد ذلك علينا ان نجعل الحكم المحلى حقيقة بنقل كل ما لا لزوم بوجوده فى القاهرة الى الأقاليم القديمة والجديدة. فلا بد أن يتحول التيار من امتصاص مستمر للاختصاصات والقيادات من الأقاليم الى القاهرة، الى تواجد هذه القيادات قريبا من مواقع عملها الحقيقية فى الأقاليم. فبغير هذا الانتشار، لا يمكن ان يعم التقدم والتنوير وتصل البيئة الحضارية الى كل صانعى الحياة في بلادنا.

          وقد يكون من المناسب فى هذا المجال، ان ندرس قضية اعادة النظر فى التقسيم الادارى الراهن للقطر، بحيث يحدد عدد المحافظات وترسم حدودها بطريقة تجعل منها وحدات سكانية وادارية واقتصادية أكبر، وبالتالى تتوفر لها امكانية أكبر فى تحقيق التكامل، والقيام بالمشروعات، والاستفادة من الكفاءات المتاحة فى شتى المجالات.

وفى نفس الوقت يجب أن تتفرغ لجنة عليا لإعادة توزيع العمالة فى كل أجهزة الدولة بحيث لا تبقى اماكن تشكو من اكتظاظ العمل وأماكن يشكو المواطنون من تأخر مصالحهم فيها لقلة العاملين.

4 - التخطيط:

          ان تجربة حرب اكتوبر قد اثبتت ان التخطيط العلمى السليم هو اساس كل عمل ناجح. وان التخطيط الاقتصادى الذى اخذنا به منذ اربعة عشر عاما قد ساعدنا على احراز مكاسب محققة، ولعب دورا اساسيا فى ضمان الصمود الاقتصادى. وتجربة الشعوب النامية كلها تؤكد ان التنمية لا يمكن أن تتم بشكل تلقائى، بل لابد لها من تخطيط. بل ان التخطيط كأسلوب علمى لتوجيه الاقتصاد القومى قد تأكدت فاعليته فتبنته الدول الراسمالية.

          ولا شك اننا، اذا اردنا حقا ان تكون استراتيجيتنا الحضارية الشاملة للمستقبل قائمة على أسس مدروسة، تربط بين تلك الأهداف التى أشرت هنا الى بعضها، وتجعل خطونا نحو التقدم متوازنا.. فان حاجتنا سوف تكون اشد الى الالتزام بمبدأ التخطيط.

          فالتنمية ليست عملا عفويا، يتم كما اتفق، فى تلقائية كاملة. انما التنمية عمل علمى يقوم على التنبؤ بالمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، ويعد التصور الوطنى لمواجهتها فى آجال زمنية معينة.

          ان العالم كله بشتى نظمه السياسية والاجتماعية، يهتم بعالم جديد، هو عالم المستقبل ويحاول أن يستشف اتجاهات التطور فى حدود ربع القرن المقبل، اى الى سنة 2000، وترسم كل

<22>