إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

أن ذلك الوهم القديم بأن العرب فى كل صدام أو مواجهة هم المستضعفون، يجب ان يزول. لقد زال هذا الوهم من نفوس شعبنا ومن نفوس الكثرة الساحقة من الأمة العربية، وأصبح لدينا من الثقة فى أنفسنا ما يسمح لنا بمواجهة كل الاحتمالات والتحديات.

          ان آثار حرب أكتوبر المجيدة على مسيرة حياتنا، وحياة المنطقة، والعلاقات الدولية في مجملها.. أكثر من أن تحصى فى هذا المجال، وهى بعد انقضاء هذه الشهور ما زالت آثارها تتفتح كل يوم عن جديد. ولا شك أن المجال سوف يكون فسيحا امام هذا الجيل والأجيال المقبلة لاستيعاب أثار هذه الصفحة المجيدة من حياتنا، ودراسة كافة وجوهها.

          على أنه يكفى الاشارة هنا إلى تلك الآثارالمباشرة القريبة الصلة بنا، والتي نستطيع أن نراها من الآن رأى العين.

          لقد أوقفت هذه الحرب.. أخيرا .. المد الصهيونى التوسعى، الذى ظل فى اطراده يحرز المزيد من الأرض أو من النصر مرة كل جيل تقريبا منذ ما يقرب من القرن، حين جاءت اول موجات الهجرة الصهيونية الى فلسطين دون ان يفلح فى ايقافها شيء.

          ومع انتهاء أمل اسرائيل الذى قامت عليه فى التوسع المستمر، والذى كانت تراهن فيه على استمرار العجز العربى، واستمرار اتساع الهوة بين المجتمع الاسرائيلى والمجتمع العربى، بدأت فى اسرائيل ذاتها عملية شاملة لمراجعة النفس، ومراجعة مستقبل تلك المنطلقات التى بنيت العقيدة الصهيونية عليها، والتصور الذى كان سائدا لديهم عن مستقبل دولتهم حتى ليلة الحرب..

          نعم، فحتى ليلة الحرب كانت البرامج الرسمية للأحزاب الإسرائيلية تنص على مزيد من أشكال التوسع وضم الأراضى واقامة المدن والمستعمرات، توهما منهم أن المقاومة العربية قد انعدمت، وأن العرب رغم أصوات الاحتجاج قد اذعنوا للواقع الذى فرض عليهم، كما حدث أكثر من مرة من قبل..

          وتغيرت نظرة العالم الى منطقتنا تغيرا جذريا..

          لقد كانت عناصر القوة العربية الكامنة، بالنسبة للعالم، مجرد احتمال نظرى، بينما كانوا يرون في اسرائيل القوة الفعالة المؤثرة فى رسم مجرى التاريخ فى المنطقة، والكفيلة بتشكيل مستقبله ولكن حرب أكتوبر طرحت الأمكانيات العربية كحقيقة واقعة، لا كمجرد احتمال بعيد، واخذ العالم يشك في الحجج التى بنت عليها اسرائيل وضعها الخاص فى العالم، ومع العالم الغربى بوجه خاص، وصارت أى سلطة وطنية فى أى بلد عربى تشعر بعزة جديدة، ويعاملها العالم معاملة الند للند، آخذا فى حسابه ما اثبتناه فى ساحة الشرف من استعداد للبذل، وما حققناه فى لحظات الخطر من قدرة على التضامن.

          لم يعد العالم العربى غنيمة يختلف الأقوياء على أنصبتهم فيها، أو ترسم مصائرهم فى عواصم بعيدة بل صار طرفا قويا يتحدث عن نفسه بنفسه..

وها نحن نرى الذين كنا نطرق ابوابهم فلا يجيبون قد جاءوا يطرقون أبوابنا، والذين كنا نحدثهم عن قضايانا فيهزون أكتافهم قد اخذوا يسعون الى فهمنا.

          ولعل هذا المعنى هو من أعمق معانى حرب أكتوبر.

          فحرب أكتوبر هى أول حرب بدأناها بارادتنا الخاصة تماما، خارج مخاوف السطوة الاسرائيلية، ونوازع الدول الأجنبية، واعتبارات توازن القوى العالمية..

          لقد كسرنا هذا الطوق، وأثبتنا انه فيما يتعلق ببلادنا وقضايانا نستطيع ان نختار اختيارا حرا ونفرض ارادتنا.

          أن الفرصة التى كان العالم العربى يبحث عنها منذ يقظته فى العصر الحديث قد صارت متاحة، ولم يعد عليه الا أن يدرك قيمتها ومغزاها، ويمسك بها، ويرتفع الى مستوى متطلباتها.

<7>