إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          ولكن مصر مع ذلك دخلت النصف الثاني من القرن العشرين وقد بدأ أن الطرق أمامها مسدودة، فالانجليز ما زالوا بعد ثمانين سنة يحتلون مصر، والحريات السياسية شكلية، والمشاكل الاجتماعية تتفاقم ازاء تزايد السكان وتعاظم التطلعات وعدم وجود اى تفكير فى التنمية، والأحزاب التقليدية عاجزة عن استيعاب الأفكار الجديدة. وتشكيل أى حكومة مصرية أو سقوطها رهن برغبة السفير البريطانى. وكان لا بد ان تهب النزعات المتطرفة من كل اتجاه، وان تقع انقسامات خطيرة في صفوف الشعب، تهدد بتمزق حاد فى نسيجه الوطنى.

          وقامت ثورة 23 يوليو تكسر الحلقة المفرغة، وتفتح آفاقا جديدة أمام العمل الوطنى.

          لقد تطهرت الأرض المصرية لأول مرة منذ قرون من سلطة الأجنبى.

          وحكم الشعب المصرى لأول مرة منذ الفى سنة رجال من ابنائه.

          وتوالت عبر السنين تلك الاجراءات التاريخية: من قانون الاصلاح الزراعى، الى تأميم قناة السويس، الى انشاء القطاع العام، ووضع برامج التنمية، واقامة المصانع بالمئات، واقامة الدولة الاشتراكية التى تتلاءم مع تراثنا وظروفنا، وواقعنا، والتي هى فى جوهرها تلك الدولة التى تعتبر نفسها مسئولة عن كل ابنائها، الضعيف منهم قبل القوى، مسئولة عن منحه فرصة متكافئة، وتأمين حقه فى العمل، وتوفير الخدمات اللازمة له، وتحصينه بمظلة من التأمينات العلاجية والضمانات الاجتماعية، لن تتوقف عن الاتساع حتى تشمل كل المواطنين.

          ان ما يراه المواطن الآن حقا طبيعيا له يطالب به الدولة فى شتى المجالات من التعليم الى فرصة العمل الى تحسين الخدمات، لم يكن له من قبل وجود، ولم لايكن يدخل فى فكر السلطة أو يرد بين مسئولياتها.

          ان ما يراه المواطن اليوم من هذا العدد الضخم من الخبراء والفنيين والعمال الصناعيين والمديرين، ومئات المصانع التى تنتج ألاف السلع، ومن برامج متوالية للتنمية، لم يكن له وجود، ولم يكن يدخل  فكر السلطة أو يرد بين مسئولياتها.

          واذا كنا نجد اليوم ان مطالب الشعب وتطلعاته تتزايد، وان شعوره ينمو بضرورة محاسبة القطاع العام والمرافق العامة والخدمات بشتى أنواعها، فما ذلك الا لأن الدولة منذ الثورة والتحولات الاجتماعية التي ادخلتها، قد وضعت نفسها فى هذا الموضع الجديد الذى صارت فيه مسئولة، باسم المجتمع. وهذا عنصر من أهم عناصر التحول الذى حدث. ومن يضع نفسه فى موضع المسئولية عليه أن يعرف أنه يضع نفسه بذلك أيضا فى موضع النقد.

          لقد نقلت ثورة 23 يوليو بلادنا من عصر الى عصر، وغيرت خريطة مصر الاجتماعية تغييرا عميقا وحاسما، وأوجدت قوى اجتماعية هامة لم تكن موجودة من قبل أو كان وجودها هامشيا باهتا غير محسوس..

          وكان طبيعيا ان يقترن هذا بتعاظم تطلعات الشعب بشتى فئاته، بعد ان خرج من الركود الى الحركة ومن العزلة الى المشاركة، ولكن هذا بعض ثمن التقدم، ومن نتائجه التي علينا ان نوجهها ونتحمل مسئولياتهـا الجديدة. ومن يضع نفسه وفكره في اطار الماضي،  يفقد الصلة بصورة الحاضر الاجتماعى الجديد لمصر، ولا يصبح بالتالى قادرا على المساهمة فى تفهم المستقبل.

          لقد كان علينا أن نواجه عدة ثورات معا، هبت على كل البلاد النامية دفعة واحدة، ولم تأت واحدة بعد اخرى حول حقبة زمنية طويلة كما حدث فى البلاد التي سبقتنا الى التقدم: ثورة الاستقلال الوطنى وثورة العدل الاجتماعى. ثورة العام والتكنولوجيا. ثورة وسائل الاتصال والمعرفة الحديثة التي جعلت كل مواطن مهما كان موقعه من الدنيا يشعر أن من حقه ان ينال قسطا من ثمار التقدم الانسانى ولو كان فى بلاد بعيدة.

          كان على ثورتنا ان تواجه هذا كله، وان تندفع بالمجتمع الى الأمام، دون أن تعرضه للتمزقات الدموية التي تعرضت لها بلاد كثيرة وهى تحاول عبور هذه المرحلة.

          ونستطيع ان نقول ان ثورة 23 يوليو قد حققت خلال هذا كله الكثير من الأهداف، بالقليل من الخسائر. وفي اطار القارات الثلاث التي نتنمى إليها ، ما زالت انجازاتنا تأتي في المقدمة.

<9>